مدونات

لماذا تدعم أوروبا قوات الدعم السريع؟

التحديات السياسية والإقليمية التي تعيق تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية: تحليل الجرائم والانتهاكات وأسباب التأخير في اتخاذ القرار الدولي

لماذا يتأخر أوروبا مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؟ على الرغم من الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في السودان، لم ينجح السودان في إقناع المجتمع الدولي بتصنيفها منظمة إرهابية. هذه المليشيا التي ارتكبت فظائع ضد المدنيين بشكل علني ودون مواربة، فشلت حتى الآن في مواجهة العالم بتوصيف دقيق يتماشى مع حجم الجرائم المرتكبة. وبالرغم من كونها مثالًا صارخًا لما يعرف بـ “البنادق المأجورة” – المرتزقة الذين يقاتلون من أجل المال ولا يتبعون أيديولوجية أو قيم سياسية محددة – فإن محاولات السودان لتصنيفها كمنظمة إرهابية تعرقلت بسبب العديد من العوامل السياسية والإقليمية.

بدأت مليشيا الدعم السريع كقوة شبه عسكرية تابعة لـ “الجنجويد”، وهي مجموعات مسلحة غير نظامية نشأت في دارفور في بداية القرن الواحد والعشرين. ورغم أن هذه المليشيا بدأت كنموذج قتالي غير رسمي، فقد تم استغلالها سياسيًا لتوسيع النفوذ العسكري والسياسي. ولدى هذه المليشيا بنية إجرامية تشمل شبكة من المرتزقة الذين لا يهتمون إلا بالربح المالي، إذ يعملون لصالح أي طرف يقدم لهم أجرًا، سواء كان طرفًا داخليًا أو إقليميًا أو دوليًا.

ورغم حجم الانتهاكات التي ارتكبتها هذه المليشيا، والتي وثقتها المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، فقد تأخر تصنيفها كمنظمة إرهابية. والسبب الرئيسي في ذلك هو مصالح القوى الكبرى والإقليمية التي ترى في هذه المليشيا أداةً لتحقيق أهدافها الخاصة. لذلك، فقد تم تأجيل اتخاذ هذا القرار نتيجة الضغوط السياسية، حيث يتم تفضيل المصالح الاقتصادية والأمنية على مصلحة الشعب السوداني.

العوامل السياسية والإقليمية التي تؤثر في التصنيف

تعود أسباب تأخر تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية إلى عدة عوامل سياسية وأمنية. أول هذه العوامل هو الموقع الاستراتيجي للسودان في منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة تعج بالصراعات والتوترات الإقليمية. يراهن بعض الأطراف الدولية والإقليمية على دعم هذه المليشيا لأغراض أمنية، مثل مكافحة الهجرة غير الشرعية أو تدفق اللاجئين عبر السودان إلى أوروبا.

في عام 2016، عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع حكومة السودان، ومن ضمن ذلك التعاون مع مليشيا الدعم السريع لوقف تدفق اللاجئين من أفريقيا عبر السودان. كانت قيمة الاتفاقية 110 مليون يورو، وقد لاقت انتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية التي اعتبرت أن الاتحاد الأوروبي قد أغفل الانتهاكات التي ترتكبها هذه المليشيا في سبيل مصالحه الخاصة.

علاوة على ذلك، فإن هناك دولًا كبرى، مثل الولايات المتحدة، التي تجد في مليشيا الدعم السريع “بندقية مأجورة” غير مباشرة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف سياسية في السودان أو المنطقة. هذا التعاون الأمني يتناقض مع الدعوات الدولية لتصنيفها منظمة إرهابية. ففي نهاية المطاف، لا يزال البعض يفضل استمرار استخدام هذه المليشيا لتحقيق أهداف سياسية، بدلاً من اتخاذ خطوة تصنيفها كمنظمة إرهابية.

النشأة المبكرة للمليشيا: من “الجنجويد” إلى قوات الدعم السريع

تم تأسيس مليشيا الدعم السريع في عام 2003، في سياق التمرد الذي اندلع في إقليم دارفور. إلا أن الهدف الأساسي من تشكيل هذه المليشيا كان لتلبية الاحتياجات الأمنية المتزايدة نتيجة للتمرد في دارفور والنزاعات القبلية. وعندما بدأت القتالات بين القبائل الرعوية والزراعية في المنطقة، تفاقمت الأمور بسبب النزاع العرقي المستمر، وزادت الضغوط السياسية على النظام الحاكم في الخرطوم.

قبل تشكيل مليشيا الدعم السريع، كانت هناك مجموعات مسلحة عُرفت بـ “الجنجويد”، وهي فصائل من القبائل المحلية تم تدريبها للقتال في مناطق صحراوية صعبة، وكانوا يجيدون حرب الكر والفر. وقد استغل نظام الرئيس السابق عمر البشير هذه المليشيا في محاولة للسيطرة على المجموعات المتمردة في دارفور، مما جعلها أداةً سياسية عسكرية قوية.

تولى الجيش السوداني استخدام الجنجويد في محاربة المتمردين، حيث استخدموا العنف المفرط ضد المدنيين في العديد من الهجمات التي وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها جرائم ضد الإنسانية. كانت الحكومة السودانية، بقيادة البشير، تدير هذه العمليات بعينٍ واحدة، متجاهلة الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيا.

في عام 2013، قررت حكومة البشير دمج الجنجويد في هيكل رسمي للجيش السوداني، فأطلقت عليها اسم “قوات الدعم السريع”. وأصبحت هذه القوات جزءًا من الجيش السوداني، لكن كانت تخضع مباشرة لسيطرة الرئيس البشير. وبذلك، تم إضفاء طابع رسمي على مليشيا كانت قد أثارت الكثير من الجدل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

الدعم السريع بعد الإطاحة بالبشير: مرحلة الانتقال والتوسع السياسي

بعد سقوط نظام البشير في عام 2019، ظهرت مليشيا الدعم السريع كقوة رئيسية في المرحلة الانتقالية في السودان. لم تقتصر هذه المليشيا على الانخراط في السياسة فحسب، بل كانت أيضًا تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز وضعها العسكري. في تلك المرحلة، وقع ممثلو المليشيا اتفاقًا مع القوى السياسية السودانية لتشكيل حكومة انتقالية. تم تعيين قائد المليشيا، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، نائبًا لرئيس المجلس السيادي.

تمكنت قوات الدعم السريع من التوسع سياسيًا وعسكريًا بعد أن أصبحت لاعبًا رئيسيًا في السلطة. حيث أظهرت المليشيا رغبتها في الاستيلاء على السلطة، وقد سعت إلى التعاون مع قوى إقليمية ودولية لتحقيق هذه الطموحات. كما تمكنت هذه القوات من السيطرة على أهم الموارد الاقتصادية في السودان، وخاصة مناجم الذهب في دارفور، مما عزز من قوتها السياسية والعسكرية.

تعد السيطرة على مناجم الذهب عاملًا حاسمًا في تمويل الأنشطة العسكرية والسياسية لهذه المليشيا، مما سمح لها بتعزيز نفوذها على الأراضي السودانية. وبذلك، تحول الهدف الأساسي لهذه المليشيا من مجرد قوة شبه عسكرية إلى أداة طيعة في يد القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها في السودان.

الجرائم المرتكبة من قبل مليشيا الدعم السريع

تُعتبر مليشيا الدعم السريع واحدة من أكبر المنظمات المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في السودان. لم تقتصر هذه الجرائم على قتل المدنيين وارتكاب عمليات اغتصاب جماعي، بل امتدت إلى تعذيب الأطفال واستخدامهم في المعارك. وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، مثل “هيومن رايتس ووتش”، “منظمة العفو الدولية”، والأمم المتحدة، العديد من هذه الانتهاكات.

ووثقت تقارير الأمم المتحدة، على سبيل المثال، أن أكثر من 15,000 شخص لقوا حتفهم في مدينة واحدة في غرب دارفور في عام 2023 بسبب الهجمات التي شنتها مليشيا الدعم السريع. كما تم تصوير مشاهد مأساوية دفن فيها الضحايا أحياءً، وهو ما لاقى استنكارًا واسعًا من قبل المجتمع الدولي.

الممانعة الدولية لتصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية

رغم توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع. فإن هناك ترددًا دوليًا في تصنيفها منظمة إرهابية. وتعود هذه الممانعة إلى مصالح القوى الإقليمية والدولية في السودان. والتي تسعى للاستفادة من هذه المليشيا في تحقيق أهدافها الأمنية والسياسية.

على الرغم من التوثيق الدولي للانتهاكات. يتردد المجتمع الدولي في اتخاذ الخطوة الحاسمة في تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية. فبعض القوى الكبرى والإقليمية تخشى من أن يؤدي تصنيف هذه المليشيا كمنظمة إرهابية إلى زعزعة استقرار السودان بشكل أكبر. كما أن بعض الحكومات ترى أن التصنيف سيؤثر على مصالحها الاقتصادية في السودان. خصوصًا في قطاع التعدين والنفط.

ضرورة التصنيف الدولي للمليشيا كمنظمة إرهابية

يعد تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية خطوة حاسمة من أجل القضاء على هذه المليشيا وحماية المدنيين في السودان. ورغم العوائق السياسية والإقليمية. فإن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ خطوة حاسمة لوضع حد للانتهاكات التي تمارسها هذه المليشيا. إن التصنيف كمنظمة إرهابية قد يساهم في تقوية الحكومة المركزية السودانية. ويسهل عملية تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

إن ممانعة بعض الدول لتصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية يعكس تغليب المصالح الاقتصادية والأمنية على العدالة الإنسانية. ومن الضروري أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في حماية الشعب السوداني ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.


اقرأ كذلك :عن صراعات السّاحات واستنزاف الذات.. المعارك التي يفضلها العدو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات