مدونات

بين الاحتجاج وتفريغ الغضب: دور المقاطعة

دور المقاطعة في التعبير عن التضامن العالمي مع غزة: من الاحتجاج إلى التأثير الاقتصادي والتحديات المستقبلية

بين الاحتجاج وتفريغ الغضب: دور المقاطعة… المقاطعة بين الاحتجاج وتفريغ الغضب: استجابة دولية وأثر عربي بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. تغيّرت ملامح العالم. حيث شهدت القضية الفلسطينية اهتمامًا جديدًا. ولا سيما من قِبل الأوساط الغربية. أصبح هناك إحساس واسع بواجب أخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني الذي يعاني في غزة تحت القصف. وتفاعلت الجماهير بسرعة مع الوضع عبر تقديم التبرعات وإطلاق حملات توعية للكشف عن زيف الرواية الإسرائيلية. وخرجت المظاهرات مطالبةً بالتصدي للظلم. في خضم هذا الاحتجاج. عادت المقاطعة للظهور كأداة ضغط فعّالة على الصعيدين العالمي والعربي.

 المقاطعة كأداة احتجاج تاريخية: تجارب عبر الزمان والمكان

استُخدمت المقاطعة كوسيلة احتجاج على مر التاريخ، وغالبًا ما لجأت إليها الحركات العمالية لتحسين أوضاع العمل ورفع الأجور. كما استخدمتها الأقليات العرقية والطبقات الاجتماعية المهمشة للحصول على حقوقها. تعتبر المقاطعة عملًا جماعيًا منظمًا، حيث يرفض الناس دعم جهة معينة: سواء كان هذا الرفض اقتصاديًا أو سياسيًا أو حتى اجتماعيًا. للتعبير عن رفضهم لممارسات أو مواقف يعتقدون أنها جائرة.تعود كلمة “boycott” الإنجليزية إلى القرن التاسع عشر. نسبةً إلى تشارلز ستيوارت بارنيل. قائد الحركة الأيرلندية. والذي حثّ على نبذ مدير عقارات بريطاني يُدعى تشارلز كنغهام بوكت احتجاجًا على ارتفاع الإيجارات في الأراضي الأيرلندية. ومن هنا ولدت الكلمة.

ومنذ ذلك الحين. استخدمت المقاطعة في تجارب مختلفة حول العالم. ففي ولاية فلوريدا، على سبيل المثال. قاطع الأمريكيون من أصل أفريقي حافلات المدينة في خمسينيات القرن الماضي احتجاجًا على التمييز العنصري. كذلك. تبنّت حركة سواديشي الهندية مبدأ المقاطعة لدعم الاستقلال من بريطانيا، حيث شجّعت المواطنين على شراء المنتجات المحلية بدلًا من السلع البريطانية.

 المقاطعة اليوم: حراك عالمي بضمير إنساني

اليوم. يشهد العالم موجة مقاطعة جديدة، تتخطى الحدود الثقافية والجغرافية. ولا ترتبط بعرق أو دين معين. تستند هذه الحركة على ضمير إنساني مشترك. استيقظ على وقع أحداث غزة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. جاءت المقاطعة هنا احتجاجًا على مواقف شركات عالمية داعمة للاحتلال الإسرائيلي وممارساته في غزة. انطلقت الدعوات إلى الامتناع عن شراء منتجات هذه الشركات. ومقاطعة بعض المطاعم المشهورة تعبيرًا عن التضامن مع الفلسطينيين. وارتفع شعار “لا تدفع ثمن رصاصهم” كنداء إنساني عالمي.

حققت حملات المقاطعة انتشارًا واسعًا في الدول العربية. حيث تحمّس العديد من المواطنين للابتعاد عن المنتجات التي ترتبط بالشركات المستهدفة. وقد سهل وجود بدائل محلية هذه العملية. مثل المنتجات المصرية التي عرفت إقبالًا متزايدًا. كالمشروب الغازي “سبيرو سباتس” و”تايجر” بديل الشيبس. لم تتوقف حركة المقاطعة عند حدود مصر. بل امتدت لتشمل قائمة بدائل واسعة تنافس قائمة حركة BDS (حركة مقاطعة إسرائيل).

 المقاطعة كوسيلة تعبير عن الغضب الشعبي

ومع تزايد عمليات المقاطعة، تطورت الحملة من مجرد احتجاج إلى قناة لتفريغ الغضب. حتى وإن اقتصرت على وسائل التواصل الاجتماعي. أصبح البعض يعبر عن غضبه بطرق تتعدى الغرض الأساسي للمقاطعة. وبدأت الاتهامات تطال من لا يلتزم بالمقاطعة ووصمه بالخيانة أو التخاذل.
من ناحية أخرى. كان لهذا التحول تأثير اقتصادي ملموس. حيث أظهرت بعض الشركات انخفاضًا في مبيعاتها. على سبيل المثال. شهدت ستاربكس انخفاضًا بنسبة 1.8% في مبيعاتها العالمية بداية عام 2024. كما تراجعت مبيعات ماكدونالدز في الربع الأخير من العام السابق لتسجل أقل من 4%. بعد أن كانت تبلغ نحو 8.8% في الربع الثالث من العام ذاته.

 المقاطعة بين الأمل والواقع: هل تستمر الحملة؟

يبقى السؤال الأساسي هنا: هل يمكن للمقاطعة أن تستمر كحركة فعّالة. أم أنها ستفقد زخمها تدريجيًا؟ وقد يرى البعض في المقاطعة وسيلة مباشرة لممارسة الضغوط الاقتصادية على داعمي الاحتلال. لكنها تواجه تحديات. لا سيما عندما تتصاعد الحملة لتشمل شركات قد تكون بعيدة عن الصراع.
ورغم أنّ المقاطعة ألحقت بعض الخسائر الاقتصادية. فإن البعض يراها أداة نضالية قادرة على الإسهام في تحرير الأرض. ما يضعها في سياق أشمل كوسيلة لتحرير فلسطين وحل النزاع.

 بين تأثيرات المقاطعة ونجاحاتها: انعكاسات على الاقتصاد العالمي

استطاعت المقاطعة أن تحقق تأثيرًا اقتصاديًا ملموسًا. خاصة في ظل الوضع العالمي المتعاطف مع غزة. ومع ذلك. تظهر بعض التحديات على المدى الطويل. فمع توسع قوائم المقاطعة. تتزايد الصعوبة في ضبطها وتوجيهها نحو أهداف واضحة. حيث يعبر البعض عن رفضهم بطريقة قد تضر بالمبادرة ككل. كما حدث عندما شملت المقاطعة شركات أجنبية غير مرتبطة بالقضية.

 المقاطعة كأداة لتحفيز التغيير: الدروس والعِبر

تنبع فعالية المقاطعة من قدرتها على التأثير في الاقتصاد. حيث إنها تضغط على الشركات المستهدفة من خلال تقليل مبيعاتها وإضعاف قوتها في السوق. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا التأثير يعتمد على وحدة الصف في صفوف المقاطعين وتحديد الأهداف بوضوح. فحينما تتخذ المقاطعة طابعًا عاطفيًا محضًا، قد تؤدي إلى تشتت الجهود بدلًا من تحقيق الهدف.

إنّ التاريخ يشير إلى نجاحات عديدة حققتها المقاطعة. لكنها تحتاج إلى إدارة ووعي عميقين لضمان استدامة تأثيرها.

اقرأ كذلك :فهم عملية طوفان الأقصى: تحليل اختلال موازين القوة بين حماس وإسرائيل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات