هل تُقرع طبول الحرب بين حزب الله وإسرائيل؟
كيف تعكس قدرات حزب الله الدفاعية المتقدمة خطورة المواجهة مع إسرائيل: الدروس المستفادة من إسقاط مسيرة هيرمز 900
إسرائيل تستعد لإعلان الانتصار في غزة تزامناً مع أخبار عن نيتها شن هجوم على حزب الله في لبنان. الجيش الإسرائيلي أعلن المصادقة على الخطة العملياتية لشن هجوم على لبنان. الولايات المتحدة سحبت حاملة طائراتها من البحر الأحمر باتجاه المتوسط. عدة دول حول العالم سحبت بعثاتها الدبلوماسية من لبنان، وأخرى حذرت رعاياها من السفر إلى هناك.
هل نحن أمام مشهد تدق فيه طبول الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟ أم أن هذه التهديدات المتبادلة تهدف إلى خفض التصعيد الذي حدث مؤخراً، وكلا الطرفين لا يرغبان في الحرب الشاملة؟
إليكم سلسلة حقائق ومعلومات تكشف الكثير حول هذا الأمر…
بعد يومين من عملية طوفان الأقصى: الولايات المتحدة تدعم إسرائيل
بعد يومين فقط من عملية طوفان الأقصى، في 9 أكتوبر 2023، أعلن وزير الدفاع الأمريكي عن إصدار توجيهات لإرسال حاملات طائرات أمريكية إلى البحر المتوسط لدعم إسرائيل. في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تحضر لشن عملية برية واسعة على قطاع غزة، رداً على أحداث 7 أكتوبر.
كانت هناك أحاديث حول احتمال فتح حزب الله لجبهة الجنوب مع إسرائيل إذا قررت خوض حرب برية على غزة. الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت صراحةً دعمها لإسرائيل في شن حرب على غزة. لكنها أوضحت أن الهدف من إرسال حاملات الطائرات للمتوسط ليس للمشاركة في الحرب على غزة، بل لردع حزب الله في حال قرر فتح جبهة مع إسرائيل أثناء حربها على غزة. هدف إرسال حاملات الطائرات هو “الردع” وضمان عدم توسع حرب إسرائيل على غزة لتتحول إلى حرب إقليمية تشعل المنطقة.
في ديسمبر 2023، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أنه بعد بضعة أيام من عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر 2023، حصلت إسرائيل على معلومات استخبارية تفيد بأن حزب الله يخطط لاجتياز الحدود مع إسرائيل وتنفيذ هجوم مباغت. قررت إسرائيل القيام بهجوم استباقي ضد حزب الله، وأعدت الخطة للهجوم. أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الرئيس الأمريكي بايدن في اللحظات الأخيرة بالخطة قبل بدء الهجوم، طالباً دعم الولايات المتحدة.
بعد هذا الاتصال، جرى استنفار كبير في الولايات المتحدة. اجتمع كبار مسؤولي الاستخبارات والجيش ومستشاري الأمن القومي، بما فيهم مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومديرة الاستخبارات الوطنية آفريل هاينز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة تشارلز براون، لمناقشة خطة إسرائيل. قرروا أن المعلومات الاستخباراتية الأمريكية لا تتفق مع المعلومات الإسرائيلية، وأن معلومات إسرائيل الاستخباراتية خاطئة.
اتصل بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فوراً أثناء تحليق الطائرات الإسرائيلية في الجو وطلب منه إيقاف الهجوم. نتنياهو لم يكن مقتنعاً بذلك، ووزير الدفاع غالانت كان مصراً بشدة على تنفيذ الهجوم. بعد عدة اتصالات أمريكية، تم إقناع إسرائيل بالتراجع عن الهجوم خشية أن يجر هذا الهجوم المنطقة إلى حرب إقليمية.
هل يفتح حزب الله جبهة جديدة؟
بعد أيام من بدء إسرائيل الحرب البرية على غزة، وتحديداً في 29 أكتوبر 2023، كانت الأنظار تتجه نحو حزب الله وما إذا كان سيفتح جبهة لمساندة غزة. نشر حزب الله مشهداً دعائياً لزعيمه نصر الله، مدته 11 ثانية. المشهد أحدث ضجة كبيرة في العالم، حيث توقع الكثيرون أن يعلن حزب الله فتح جبهة الحرب على إسرائيل.
بعد ذلك، نشر الحزب خبراً عن موعد إلقاء زعيمهم لكلمته المرتقبة. في 3 نوفمبر 2023، ألقى زعيم حزب الله الخطاب المنتظر. لكن الخطاب انتهى دون إشارة واضحة من نصر الله لأي حرب شاملة مع إسرائيل.
بعد شهر من خطاب زعيم حزب الله، وتحديداً في 7 ديسمبر 2023، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت بتصريح مثير، مفاده: “سنقوم بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني. إذا لم يكن بالدبلوماسية، فسنستخدم القوة العسكرية”. تصريح غالانت أكد أن إسرائيل تستعد لشن حرب على حزب الله إذا لم يتراجع 30 كم بعيداً عن الحدود الإسرائيلية.
ملخص ما حدث منذ 7 أكتوبر إلى اليوم من مناوشات بين حزب الله وإسرائيل يظهر في الأرقام المعلنة. حزب الله تسبب بنزوح قرابة 80 ألف إسرائيلي من منازلهم، وقتل حوالي 26 إسرائيلياً منهم 14 جندياً. ولم تعلن إسرائيل عن عدد الإصابات. في حين تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية على جنوب لبنان بنزوح قرابة 100 ألف لبناني وقتل 88 مدنياً، وقتل 298 عنصراً من حزب الله.
رغم كل هذه الأرقام، لم تخرج المناوشات بين حزب الله وإسرائيل عن “قواعد الاشتباك” بين الطرفين. لكن في الآونة الأخيرة زاد التصعيد كثيراً، خصوصاً بعد الغارات الإسرائيلية التي قتلت قياديين في حزب الله، ورد حزب الله بقصف إسرائيلي بـ160 صاروخاً.
منذ 2006، يركز حزب الله على بناء قوته ولا يرغب في شن حرب شاملة مع إسرائيل. بمعنى آخر، لا يريد حزب الله أن يكون هو من يطلق الرصاصة الأولى التي تؤدي لحرب شاملة مع إسرائيل. ونجح بالفعل في بناء قدرات عسكرية هائلة جداً لا تملكها جيوش دول.
هل تصبح الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله ضرورة حتمية؟
على الرغم من تجنب حزب الله منذ 2006 وحتى يومنا هذا المواجهة الشاملة مع إسرائيل، إلا أن إسرائيل مؤخراً أصبحت ترى ضرورة شن هجوم كثيف على حزب الله. لماذا أصبح ذلك ضرورة بالنسبة لإسرائيل؟
المبررات الإسرائيلية أصبحت كثيرة. مثلاً، هناك قرابة 80 ألف نازح إسرائيلي تستضيفهم الدولة في الفنادق. هؤلاء النازحين لا يستطيعون العودة لمنازلهم دون إيقاف حزب الله هجماته وتراجعه إلى ما وراء الليطاني. غالانت، منذ بداية الحرب على غزة، يريد الحرب على حزب الله. بالنسبة لنتنياهو، الحرب على حزب الله تطيل عمر حكومته وترضي اليمين المتطرف.
لكن اقتصادياً وعسكرياً، هل إسرائيل قادرة على ذلك؟
الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية وحرب غزة: هل تستطيع إسرائيل خوض حرب جديدة ضد حزب الله؟
بحسب الأرقام الإسرائيلية المعلنة، بلغت خسائر إسرائيل الاقتصادية من حرب غزة ما يقارب 73 مليار دولار. الجيش الإسرائيلي استنزف بشكل كبير في غزة، لدرجة أنه زج حتى بقوات النخبة الخاصة به لحسم الحرب سريعاً، ومع ذلك لم يستطع. فما بالكم بدخوله في حرب ضد حزب الله، الذي هو أقوى تسليحاً من القسام؟
قوة الجيش الإسرائيلي تكمن في قواته الجوية، وهذه القوات مرتبطة بشكل كبير جداً بالذخيرة من الولايات المتحدة. في حال شن حرب على لبنان، سيستخدم الجيش الإسرائيلي بشكل كبير جداً قواته الجوية. هذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تمول إسرائيل بالذخيرة.
لكن هناك عقبة أمام إسرائيل: حكومة بايدن لا ترغب بفتح جبهة جديدة لعدة أسباب. أولاً، قرب الانتخابات الأمريكية وفتح جبهة جديدة يعني خسارة مؤكدة لبايدن. ثانياً، تسليح حـ .ـزب الله يفوق بشكل كبير كتائب القسام، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستصبح مجبرة على التدخل. ثالثاً، الولايات المتحدة لا ترغب بالانشغال بالشرق الأوسط، بل تريد التفرغ للصين. رابعاً، حزب الله ليس محاصراً مثل غزة، ويملك خطوط إمداد من إيران وصولاً لسوريا والعراق.
في حال حرب مع إسرائيل، هذا يعني أن على الولايات المتحدة التدخل لقطع خطوط إمداد حزب الله على الأقل. هذا يعني مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة والمقاومة العراقية والسورية المرتبطة بإيران، ويعني مزيداً من الاستهداف للقواعد الأمريكية في هذه البلدان.
هل يمتلك حـ .ـزب الله قوة ردع تجعل إسرائيل تفكر ألف مرة قبل مهاجمة لبنان؟
هل يمكن لإسرائيل إعادة سيناريو 2006؟
عندما تريد دولة ما خوض حرب، أو تهديد دولة أخرى بحرب، أو إرسال رسالة ردع لدولة تعتقد أنها تخطط لمهاجمتها، تقوم الدولة بمناورة تستعرض فيها قواتها وترسانتها.
ما علاقة حزب الله بهذا الأمر؟
هل يمتلك حزب الله قوة ردع تجعل إسرائيل تفكر ألف مرة قبل الهجوم؟
لاحظتم الفيديوهات الأخيرة التي نشرها حزب الله؟ هل شاهدتم الفيديو الذي نشره حزب الله لإسقاط مسيرة هيرمز 900 الإسرائيلية؟ قد يرى البعض أن هذا الحدث عادي لأننا شاهدنا وسمعنا عن العديد من إسقاط المسيرات في الحروب الأخيرة.
لكن دعوني أخبركم بهذه المعلومة. مسيرة هيرمز واحدة من أفضل المسيرات عالمياً، وإسقاطها ليس بالأمر السهل، خاصة لمجموعة مسلحة. إذا أسقطت مسيرة تحلق على ارتفاع 30 ألف قدم، فهذا يعني أنك تملك نظام دفاع جوي متقدم جداً. لا يمكن للصواريخ المحمولة على الكتف إسقاط هذه المسيرة، ولا حتى نظام الدفاع الجوي المتوسط المدى القديم.
كما تعلمون، أصبحت المسيرات جزءاً مهماً جداً من الحروب الحديثة. إذا قررت إسرائيل التوغل بقواتها البرية في لبنان، فستعتمد بشكل كبير على المسيرات لضمان سيطرة قواتها البرية على الأرض. المقاتلات تقوم بطلعات جوية على أهداف محددة ثم تعود ولا يمكنها البقاء في الجو 24 ساعة دون التزود بالوقود. تكلفة طلعاتها مرتفعة جداً مقارنة بالمسيرات.
لذلك، أن تملك حركة مسلحة نظام دفاع جوي وتسقط به مسيرات عدوك، فهذه رسالة واضحة جداً. الرسالة هي أن عدوك يستطيع أن يصيبك بالعمى، لذلك عليك التفكير مجدداً قبل أن تقرر خوض أي عملية برية.
اقرأ كذلك: من يتحمل المسؤولية القانونية عن إعادة إعمار غزة وتعويض الفلسطينيين؟