انهيار البيتكوين يقود سوق العملات المشفرة إلى أدنى مستوياتها في شهور وسط موجة خوف عالمية
تقلبات حادة وتصفية ضخمة تعيد مشهد 2022 إلى الواجهة من جديد
تعيش سوق العملات المشفرة واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ سنوات. تقود البيتكوين هذا الهبوط العنيف وبقوة واضحة. تمتد موجة التراجع لتشمل إيثريوم ومعظم العملات الرقمية الأخرى. وفي الوقت نفسه تتعمق حالة القلق بين المستثمرين حول العالم. لذلك تتزايد الضغوط اليومية على السوق بصورة غير مسبوقة.
تتعرض الأصول الرقمية لموجة بيع واسعة. وتتأثر بقوة بسبب عزوف المستثمرين عن الأصول عالية المخاطر. كما ترتبط هذه الموجة بتزايد الخوف من المبالغة في تقييم الأصول التكنولوجية. ولهذا بدأ المستثمرون البحث عن ملاذات أكثر استقرارًا.
وعلى الرغم من محاولات التعافي اللحظية. إلا أن الاتجاه العام ما زال هابطًا. علاوة على ذلك تتواصل موجات البيع مع كل جلسة تداول جديدة. لذلك يشعر المتداولون بعدم اليقين تجاه مستقبل السوق.
تشير بيانات السوق بوضوح إلى أن الوضع الحالي يُعد من أسوأ الفترات منذ انهيار قطاع التشفير في عام 2022. وتظهر الأرقام خسائر أكبر من التقديرات السابقة. وفي المقابل ترتفع مؤشرات الخوف الشديد بحسب تقارير متعددة.
لهذا أصبحت عناوين الأخبار اليومية تتحدث عن حالة انهيار واسعة. كما تتناقل المنصات الرقمية تحليلات سوداوية لمستقبل العملات المشفرة. وهذا ما يزيد من حالة الذعر. وبالتالي تتسارع وتيرة التخارج من السوق.
هبوط البيتكوين في الأسواق الآسيوية
بدأت موجة الهبوط الأخيرة بشكل حاد في جلسات التداول الآسيوية. فقد انخفضت البيتكوين بنسبة كبيرة خلال فترة قصيرة. لتصل إلى مستوى يقارب 81 ألفًا و668 دولارًا. ويُعد هذا أدنى سعر لها منذ سبعة أشهر.
وفي الوقت ذاته تراجعت إيثريوم بنسبة ملحوظة لتصل إلى حوالي ألفين و661 دولارًا. وهذا المستوى يمثل أدنى سعر لها منذ أربعة أشهر. لذلك لم يقتصر الهبوط على عملة واحدة. بل شمل معظم السوق.
لكن وعلى الرغم من هذا التراجع القوي. حاولت كل من البيتكوين وإيثريوم تقليص جزء من الخسائر لاحقًا. ومع ذلك بقي الضغط السلبي حاضرًا في السوق. واستمرت حالة الحذر بين المتداولين.
سجلت العملتان خسائر تجاوزت 12% خلال أسبوع واحد فقط. وجاء ذلك بسبب مخاوف من تراجع احتمالات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. وبالتالي ارتفعت مستويات القلق بين المستثمرين.
يرى محللون في الأسواق أن التحركات الحالية تعكس تدهورًا في معنويات المخاطرة. ويؤكدون أن الاتجاه العام بات أكثر قتامة. وهذا ما يعزز المخاوف من استمرار الهبوط في المدى القريب.
مليارات تتبخر من القيمة السوقية
تشير بيانات منصة “كوينجيكو” إلى فقدان السوق نحو 1.2 تريليون دولار خلال ستة أسابيع فقط. وهذا الرقم يعكس حجم الصدمة العنيفة التي تعرض لها المستثمرون. كما يؤكد أن موجة الهبوط ليست عابرة.
انخفضت القيمة الإجمالية لسوق العملات الرقمية إلى أقل من 3 تريليونات دولار. وهو مستوى لم يُسجل منذ أبريل. وهذا الانخفاض يعيد للأذهان سيناريوهات الهبوط الكبرى في السنوات السابقة.
وترتبط هذه الخسائر بسلسلة من عمليات التصفية الضخمة التي بدأت منذ العاشر من أكتوبر. فقد أدت إلى محو نحو 19 مليار دولار من المراكز المرفوعة. وتسببت في اختفاء 1.5 تريليون دولار من السوق.
ومع استمرار الضغط. تمت تصفية نحو ملياري دولار إضافية خلال 24 ساعة فقط. وذلك بحسب بيانات منصة “كوين غلاس”. وهذا يوضح حجم القلق بين المستثمرين الذين يستخدمون الرافعة المالية.
وبسبب هذه التصفية المكثفة. تتكاثر عمليات البيع الاضطراري. مما يجعل الهبوط أسرع وأقسى. وبالتالي يدخل السوق في حلقة سلبية متكررة يصعب كسرها بسهولة.
أسوأ أداء منذ انهيار 2022
تشير تقديرات حديثة إلى أن البيتكوين تتجه نحو تسجيل أسوأ أداء شهري لها منذ عام 2022. فقد انخفضت بنحو ربع قيمتها خلال شهر واحد فقط. وهذا التراجع يُعد من أعنف الانخفاضات الشهرية منذ سنوات.
ويُقارن هذا الوضع بما حدث في يونيو عام 2022. عندما شهدت العملات المشفرة انهيارات متتالية. أدت إلى خروج آلاف المستثمرين من السوق. وتسببت في إفلاس العديد من الشركات الناشئة.
وتؤكد هذه المقارنة أن السوق الحالي يعيش مرحلة ضعف عميقة. وعلى الرغم من التطورات التنظيمية التي شهدها القطاع. إلا أن التقلبات لا تزال تسيطر على المشهد.
كما أن القيمة السوقية للعملات المشفرة تراجعت بشكل لافت. وهو ما يعكس فقدان الثقة المؤقت من طرف كبار المستثمرين والمؤسسات. وهذا يزيد من صعوبة التعافي السريع.
خروج سيولة من صناديق البيتكوين
شهدت الصناديق المتداولة المرتبطة بالبيتكوين في الولايات المتحدة موجة خروج كبيرة للأموال. فقد سجلت 12 صندوقًا صافي تدفقات خارجة بلغ نحو 903 ملايين دولار في يوم واحد فقط.
ويُعد هذا ثاني أكبر سحب للأموال منذ إطلاق هذه الصناديق في يناير 2024. وهذا يعكس تراجع شهية المستثمرين المؤسسيين تجاه المخاطرة في الوقت الحالي.
كما تراجعت الفائدة المفتوحة على العقود الدائمة بنسبة 35% مقارنة بذروتها السابقة. التي بلغت 94 مليار دولار خلال أكتوبر. ما يدل على انخفاض كبير في حجم الرهانات المفتوحة.
وبالتالي يُمكن القول إن المستثمرين باتوا أكثر حذرًا. ويفضلون تقليص مراكزهم بدلًا من زيادتها. وهذا يعزز من الاتجاه الهابط في السوق.
تحركات الحيتان تزيد القلق
ساهمت تحركات بعض المحافظ القديمة في زيادة المخاوف. فقد بدأت محفظة نشطة منذ عام 2011 ببيع كميات كبيرة من البيتكوين. وقدّرت قيمة ما باعته بنحو 1.3 مليار دولار.
وأكملت هذه المحفظة بيع ما لديها خلال فترة قصيرة. مما أضاف ضغطًا إضافيًا على السوق. وأرسل إشارات سلبية لبقية المستثمرين.
عادة ما تُعرف هذه المحافظ باسم “الحيتان”. لأنها تملك كميات ضخمة من العملات الرقمية. لذلك تؤثر تحركاتها بشكل مباشر وفوري على الأسعار.
ومع كل عملية بيع جديدة من هذه المحافظ. تتعمق حالة الذعر بين المتداولين الصغار. فيسارعون بالبيع خوفًا من الأسوأ. وهذا يزيد من حدة التراجع.
مؤشرات معنويات المستثمرين
تشير مؤشرات قياس المعنويات إلى هبوط حاد في مستويات الثقة. فقد سجل المؤشر الذي يقيس التقلب والزخم والطلب أدنى مستوى له منذ انهيار 2022. ويُصنف المستوى الحالي في منطقة الخوف الشديد.
ويعني ذلك أن المستثمرين باتوا يتوقعون مزيدًا من الخسائر. لذلك يفضلون الابتعاد عن السوق بشكل مؤقت. وهذا السلوك يزيد من الضغط البيعي المستمر.
كما أن تراجع الثقة لا يرتبط بسوق العملات المشفرة وحدها. بل يمتد إلى الأسواق التكنولوجية عالية المخاطر بشكل عام. مما يعكس قلقًا اقتصاديًا أوسع نطاقًا.
الأسباب الأعمق وراء التراجع
يرتبط هذا التراجع بعدة عوامل متداخلة. أولًا يأتي ارتفاع أسعار الفائدة العالمية. مما يدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول الخطرة. ثانيًا تزداد المخاوف حول المبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا والعملات الرقمية.
ثالثًا تساهم التوترات الاقتصادية العالمية في تعزيز حالة الحذر. كما تؤثر قرارات البنوك المركزية بشكل مباشر على السيولة المتاحة للاستثمار. ولذلك تتقلص التدفقات نحو العملات المشفرة.
ومن جهة أخرى تؤدي الأخبار السلبية المتكررة إلى تغذية مشاعر الخوف. كما تؤثر الشائعات وتوقعات الانهيار على قرارات المستثمرين اليومية. وهذا يخلق بيئة مليئة بالاضطراب والغموض.
هل يشهد السوق تعافيًا قريبًا؟
على الرغم من الصورة القاتمة حاليًا. إلا أن بعض المحللين يرون فرصًا محتملة للتعافي. فالسوق بطبيعته دوري. وقد مر بمراحل مشابهة من قبل. لكنه تمكن من النهوض مجددًا.
ومع ذلك يرتبط أي تعافٍ محتمل بتغير الظروف الاقتصادية العالمية. وكذلك بعودة شهية المخاطرة إلى الأسواق. إضافة إلى تحسن البيئة التنظيمية الداعمة للاستثمار في العملات المشفرة.
وفي المقابل يحذر آخرون من أن الهبوط قد يستمر لفترة أطول. خصوصًا إذا استمرت المخاوف من الركود العالمي. أو استمرت أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة.
ولهذا يبقى المستقبل مفتوحًا على عدة سيناريوهات. يتراوح بعضها بين تعافٍ تدريجي. وانخفاض أعمق قد يعيد السوق إلى مستويات أقل.
انعكاسات الانهيار على المستثمرين الأفراد
تأثر المستثمرون الأفراد بشكل كبير جراء هذا التراجع العنيف. فقد تكبد الكثيرون خسائر مالية فادحة. خاصة من دخلوا السوق خلال فترات الارتفاع السابقة.
كما شعر العديد منهم بالندم والخوف. بسبب تقلبات السوق السريعة وغير المتوقعة. وهذا ما قد يدفع بعضهم إلى الابتعاد نهائيًا عن الاستثمار في العملات المشفرة.
ومع ذلك يوجد من يرى في هذه المرحلة فرصة للشراء بأسعار منخفضة. لكن هذا القرار يحمل مخاطرة كبيرة. ويعتمد على قدرة المستثمر على الصبر وتحمل التقلب.
نظرة مستقبلية شاملة
تكشف هذه الفترة أن سوق العملات المشفرة ما زالت غير مستقرة. وتعتمد بشكل كبير على العوامل النفسية والاقتصادية العالمية. لذلك لا يمكن اعتبارها ملاذًا آمنًا حتى الآن.
وفي الوقت نفسه تؤكد التجارب السابقة أن السوق قادر على الصعود مجددًا. عندما تتغير الظروف. وتعود السيولة وتتحسن الثقة. وهذا ما حدث بعد انهيارات سابقة.
ولهذا تبقى المتابعة الدقيقة والتحليل العميق ضروريين. لكل من يرغب في دخول هذا العالم شديد التقلب. لأن القرارات العشوائية قد تؤدي إلى خسائر كبيرة.
اقرأ كذلك: ماذا يعني تعويم العملة الوطنية ؟




