مدونات

رمضان وتقشف شفاه غزية!

رمضان في غزة: بين الصمود والتضحية - شهادة المخلصين في وجه الاحتلال

بينما يزين هلال سماء الليل نداءً لقدوم شهر رمضان، يبدأ المغتربون رحلة الشوق والذكريات لأحبائهم. رمضان ليس مجرد التزام ديني، بل هو حياة مليئة بالطاقة والمشاعر، ويجسد التقاليد العائلية والاجتماعية. هذه الروح تتجلى بقوة في مجتمعات مثل المجتمع المصري، الذي يتسم بالحميمية والترابط الثقافي.

روح رمضان: الحنين والحياة في الغربة

رمضان هو وقت الحنين الحلو والمر، رمضان هو رحلة عبر الزمن إلى ذكريات الطفولة. على الرغم من أن شعائر رمضان في المنفى ظاهرة بجلاء، فنجد نفس الازدحام في الشوارع، ونفس اللهفة في انتظار الأذان. يمتلئ المطاعم بالزبائن منتظرين الإفطار، وتتلألأ الأضواء بروح خاصة. مع هذه الأجواء، تنجرف الأفكار عائدة إلى شوارع المدينة المفعمة بروح رمضان، روح لم يلمسها غريب إلا فتن بها.

فرحة الصيام والتكافل في شوارع مصر

أصوات المقرئين تعلو من الراديوهات والتلفزيونات. قبل الإفطار، يمزج الضحك وصرخات الأطفال مع فرقعات الألعاب النارية. الشوارع مزينة بأنوار تتنافس في تزيينها. يتبارى الشباب في مسابقة لرضا الله. روائح الأكلات الرمضانية تملأ الأجواء. في رمضان، لا فقر ولا غرباء، فتمتد موائد الرحمن في شوارع مصر وجوامعها. التكافل والصدقات تتضاعف، والزكاة تُخرج في هذا الشهر لزيادة الثواب. الفرحة تملأ قلوب الصائمين والمحتاجين.

تجمعات العائلات ودفء الأجواء في مصر

في رمضان، تنعم تجمعات العائلات بأجواء نابضة بالحياة، حيث يجتمع أفراد الأسرة على مائدتهم للإفطار دون تخلف. لا يتوانى أحد في العائلة عن تلبية دعوة أحد الأقارب للإفطار، حتى يتجسد روح الترابط والتضامن. في بعض الأسر، يتكفل الأثرياء بدعوة الأسر الأخرى، مما يجعل الليالي كأنها ليالي عرس. يستمتع الأطفال باللعب ويتلقون العطايا من الأقارب، مما يجعلهم ينتظرون هذه الليالي بفارغ الصبر. وبينما تنبض جدران بيوت العائلات بالدفء والمحبة، تنبض شوارع مصر بالحياة مع صخب المارة من النساء والأطفال، وتنخفض هذه الحياة كلما مروا بمساجد ممتلئة بالمصلين يؤدون صلاة التراويح بعد الإفطار.

رمضان في غزة: بين الحزن والأمل

هذه الروح التي نفتقدها في منفانا، وتعتصر لها قلوبنا، ضاعف همنا، وزاد حزننا هذا العام ما يشهده أهلنا في غزة. فقد انطفأت أنوار غزة، وانطفأت فرحة أطفالها وشبابها، وانطفأت معهم بهجة هذا الشهر الكريم في قلوبنا. وإن كان النبي أمرنا أن نفرح في الأعياد، ورمضان عيد للمؤمن فيه فرحتان، كما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أننا بشر يؤثر فينا ما يعتري إخواننا. ولقد بكى صلى الله عليه وسلم عندما دخل على سعد بن عبادة في مرضه، ووجده في غاشية أهله، فسأل صلى الله عليه وسلم: (قد قضى؟) قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا.

رمضان في غزة هذا العام لا فيه سحور، ولا فطور، لأن الاحتلال منع عن أهلها الطعام، وعجز إخوانهم أن يدخلوا آلاف الأطنان من الغذاء والدواء العالقة خلف سور لا تفصلها عن أهل غزة إلا الإرادة، فتدخل ويطعم من جاع، وينقذ من شارف من الجوع على الموت. شهر رمضان هذا العام في غزة للأيتام الذين فقدوا آباءهم وللأرامل اللاتي فقدن أزواجهم وللبتر الذين فقدوا عائلاتهم بالكامل ولم يبق لهم أحد. رمضان هذا العام بروائح المسك الفواح على أهل الصيام من أجساد الشهداء، والمسك الفواح من خلوف أفواههم الجائعة منذ أشهر.

رمضان في غزة: بين الصمود والتضحية

شهر رمضان في غزة هذا العام بلا صلاة تراويح، فقد دمر العدو كل جوامع غزة، وكأنه انتقام من تلك المدارس التي أخرجت هذا الجيل الذي يكافح بالسلاح ويناضل بالصبر من أجل قضيته وأرضه وعرضه، وزود عن شرف هذه الأمة التي صارت كغثاء السيل رغم أمهم يومئذ كثير. رمضان هذا العام في غزة بغير حلق القرآن ومسابقاته التي تعقد بين أطفالها وشبابها وفتياتها. رمضان غزة هذا العام من غير زيف، رمضان غزة هذا العام هو الأصدق، هو الشاهد، وهو المشهود وهو علينا شهيد، رمضان غزة هذا العام هو للمخلَصين والمخلِصين، لا يضرهم من خذلهم، فهم، بإذن الله، الطائفة التي بشر بها النبي من أمته.. على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين.

اقرأ كذلك: آثار حرب غزة على الوضع الاقتصادي يؤثر على استعدادات المسلمين لشهر رمضان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات