تاريخ وثقافة

ما دافع نابليون لإصراره على احتلال غزة، وما هي نتائج هذه الحملة الفاشلة؟

"مواجهة نابليون في فلسطين: صمود غزة ومقاومة أهلها أمام الغزاة الفرنسيين"

تعود أحداث غزة وحصارها وقصفها اللا إنساني إلى تاريخها الطويل، فهي نقطة التلاقي بين مصر وبلاد الشام. وملتقى للحضارات والأمم، ولذا أدرك الزعماء الكبار، بما في ذلك نابليون، أهمية استراتيجية لها. فما الذي دفع نابليون إلى احتلال غزة؟ وما كانت نتائج تلك المحاولة الفاشلة؟ تلك الأسئلة تطرح نقاشًا مهمًا حول دور نابليون في التاريخ الإقليمي. وتلك المسألة مهمة جدًا لفهم سياسات القوى الكبرى في المنطقة.

غزة في عهد نابليون: محاولات الهيمنة والتحديات

من المشاهد التاريخية اللا تُنسى، حيث حاول نابليون بونابرت، القائد الفرنسي الشهير. بناء إمبراطورية تتفوق على القوى العثمانية والبريطانية. ركزت جهوده على احتلال غزة وطرد العثمانيين. بمن فيهم القائد البارز أحمد باشا الجزار. كانت هذه الحملة جزءًا من خطته لبناء إمبراطورية تمتد من مصر إلى بلاد الشام والأناضول.

بدأت الحملة الفرنسية على مصر في يوليو 1798 بغزو الإسكندرية. تقدم الفرنسيون جنوبًا بمحاذاة النيل. وقاموا بأعمال عنف ضد السكان المحليين. بفضل تكنولوجياهم العسكرية المتقدمة. نجحوا في هزيمة المماليك والسيطرة على غزة، وفي محنتها وأهراماتها الشهيرة.

غزة في خطط نابليون: بوابة الشام ومركز الاهتمام

بعد تأكيده السيطرة على مصر، توجه نابليون بونابرت نحو الخطوة التالية في استراتيجيته: استيلاء فلسطين وسوريا. كان يعلم أن غزة لها دور حاسم؛ فهي تعتبر مفتاحًا لمصر وبوابة للشام. في منشوره لأهالي غزة، استخدم نابليون لغة مغرية وتهديدات متنوعة، مدعيًا الحماية والتحرير من العثمانيين وعسكر الجزار، ولكن الهدف الحقيقي كان إضعاف الدولة العثمانية والاستيلاء على السيطرة في المنطقة.

إن الأسلوب الركيك للمنشور كان واضحًا ومملًا، ويعكس بوضوح محاولة للتأثير على السكان المحليين. بالرغم من محاولاته لإظهار الاهتمام بالدين والمجتمع، إلا أن نابليون كان يخفي خططه الحقيقية لتوسيع نفوذه والسيطرة على المنطقة.

سيطرة نابليون على غزة: معركة الهزيمة والاحتلال

نابليون بونابرت توجَّه نحو فلسطين بعد تحقيقه السيطرة على مصر، حيث عَرَفَ أنه لن يكون في أمان دون السيطرة على سوريا وفلسطين. كانت البلاد ضعيفة في ظل حكم الدولة العثمانية، وهذا ما استغله نابليون لصالحه.

بقواته البالغ عددها 13 ألف مقاتل، تمكن نابليون من هزيمة قوات أحمد باشا الجزار في معركة العريش. وعند وصوله إلى غزة، وجد البلدة دون قوات دفاعية قوية وبأسوار ضعيفة، مما سهَّل عليه احتلالها.

خلال فترة وجوده في غزة، قام نابليون بتدمير العديد من المعالم الحضارية في المدينة، بهدف تشتيت السكان وتثبيت سيطرته على المنطقة. هذه الأحداث أظهرت بوضوح طموحات نابليون الإمبراطورية واستراتيجياته العسكرية المتقدمة.

غزة ويافا: هزائم نابليون ومسار مقاومته

نابليون بونابرت، بعد احتلاله لغزة، استكمل غزوته نحو المدن الفلسطينية الأخرى. نجح في احتلال المدينتين الاستراتيجيتين للعثمانيين وهما الرملة ويافا، بعد مواجهات عسكرية شديدة. وفي يافا، قام بمجزرة للسكان المحليين وأمر جنوده بإطلاق النار على الأسرى، مما جعلها واحدة من أبشع المجازر في تاريخ تلك المنطقة.

وعقب هذه الهزائم، توجَّه نابليون نحو عكَّا، معتقدًا أن سيطرته على المدينة ستمهد الطريق نحو القدس. لكنه واجه مقاومة شديدة من القوات العثمانية والعربية في عكَّا، حيث حاول جاهدًا اقتحام المدينة لمدة تزيد عن شهرين دون جدوى.

بالرغم من محاولاته العديدة، فشل نابليون في اختراق أسوار عكَّا، وبات مستقبل غزوته غير واضح. هذه الهزائم أظهرت بوضوح تصميم وإصرار أهل فلسطين على مقاومة الاحتلال الفرنسي والحفاظ على أرضهم وهويتهم الوطنية.

الجهاد ضد الغزاة: المقاومة الفلسطينية ضد نابليون

قد جسَّد الفلسطينيون روح الجهاد في مواجهة الغزاة الفرنسيين. وكان للقاضي الشيخ موسى الخالدي، أحد أبرز أعيان بيت المقدس، دور بارز في دعوة أهالي فلسطين إلى مواجهة نابليون. وفي استجابة لنداء الجهاد، شارك سكان فلسطين في مختلف مناطقها في المقاومة، خاصة في مناطق قاقون وعزون وجبال نابلس ومرج بني عامر.

خلال محاولة نابليون التقدم نحو حيفا، واجه المقاتلون الفلسطينيون فرقته بشراسة، محققين فوزًا بإحداث خسائر كبيرة للقوات الفرنسية. ورغم قسوة المواجهة، فإن بعض الفرق الفرنسية نجحت في انتزاع السيطرة على بعض الحصون في الجليل، ولكن تدخل القوات العثمانية بقيادة عبد الله باشا أعاد توازن القوى.

في مواجهة جبل طابور وقرية الفولة في مرج بني عامر، شهدت المعركة قتالًا شديدًا، وكادت قوات كليبر تكون على وشك الهزيمة لولا تدخل نابليون السريع. بعد هذا النصر، تمكن نابليون من احتلال مدن صفد وطبرية وجنين، ثم عادت قواته للمساندة في حصار عكا، وهو ما يظهر قوة واصرار الشعب الفلسطيني على مواجهة الغزاة والدفاع عن أرضهم.

مقاومة فلسطينية: الهزيمة الفرنسية أمام جدار الصمود في غزة

رغم المقاومة الشرسة التي واجهها نابليون من أهل فلسطين والشام، وتفشي الطاعون في صفوف جيشه أمام أسوار عكا، حيث انهارت صفوفه بفعل المرض والصمود المتواصل لسكان المدينة، أدرك نابليون بأن مهمته في فلسطين تقتضي جهدًا هائلًا وتكلفة بشرية باهظة. ومن هنا صدر قراره بالانسحاب والعودة إلى مصر في مايو/أيار 1799م.

أثناء الانسحاب، استغل أهالي الجبال المعرفة بالمنطقة لشن هجمات على الجيش المنسحب، وتطوع سكان جبال القدس ونابلس وغزة للمشاركة في محاربة الجنود الفرنسيين. وكرد فعل على هذه المقاومة، قامت القوات الفرنسية بحرق وتدمير القرى المحلية.

بعد الهزيمة، ألف عالم القدس الشيخ “محمد بن بُدير” قصيدة طويلة تصف الهزيمة الفرنسية أمام جدار الصمود في عكا، وبهذا انتهت محاولات نابليون في فلسطين، حيث أظهرت شجاعة سكانها وقوتهم في المواجهة.

هذه الأحداث تُظهر الأهمية الاستراتيجية لمدينة غزة، التي أدركها نابليون خلال المعركة الشرسة التي خاضها أمام قوات الجزار باشا، وتبرز دورها المحوري بين القوى العالمية المتصارعة في تلك الحقبة من التاريخ.

اقرأ كذلك: لماذا لا ينصر الله أهل غزة !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات