مدونات

هل يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية حماية المدنيين في قطاع غزة؟

مسؤولية الحماية الإنسانية في غزة: التحديات والضغوطات ودروس التاريخ

تثير قضية جنوب أفريقيا للمحكمة الدولية جدلاً واسعًا، فتنقسم الآراء حولها. خاصة بعد دعوتها لوقف تمويل الحرب الإسرائيلية على غزة، وطالبت إسرائيل بمنع الأعمال الإبادية. دون نص صريح يطالب بوقف النار.

بعض النقاشات تثير أسئلة حول دوافع جنوب أفريقيا في اتخاذ المبادرة، في حين كان من المتوقع دعم دول عربية وإسلامية. مما يؤدي إلى تساؤلات حول نظرية المؤامرة وفعالية الإجراءات القانونية في ظل غياب القوة.

هذه التساؤلات تكشف عن ضعف الوعي القانوني والحقوقي في بلادنا. مما يستدعي تحويل الكوارث والمعاناة إلى آليات ضغط قانونية وسياسية تقوي موقف الضحايا وتحفظ حقوقهم. وهو ما يستلزم تطوير المبادئ القانونية الناشئة.

تطور مفهوم التدخل الإنساني ودوره في حماية حقوق الإنسان في غزة

الصراعات والحروب يترتب عليها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وخسائر مادية وبشرية جسيمة. فضلاً عن الموجات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي. وغالبًا ما تُشكِّل تلك الأحداث تهديدات للسلم والأمن العالمي بسبب توزعها أو تأثيرها الإنساني.

مع حظر استخدام القوة العسكرية بين الدول إلا في حالات الدفاع عن النفس أو بتصريح من الأمم المتحدة. تدخل المجتمع الدولي أحيانًا لمواجهة الجرائم، خاصة الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب.

ظهرت فكرة التدخل “لأسباب إنسانية” في القرن التاسع عشر. عندما تدخلت دول أوروبية لحماية الأقليات المسيحية في الشرق، كما حمت فرنسا الدرزيين في لبنان عام ١٨٦٠. خلال الحرب الباردة، اعتُبر التدخل الإنساني حلاً لمواجهة الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان.

رغم التحفظات القانونية، استخدمت بعض الدول القوة لحماية حقوق الإنسان. كما في منطقة الحظر الجوي في شمال العراق عام ١٩٩١، لحماية الأقلية الكردية.

مفهوم مسؤولية الحماية وتأثيره على حقوق الإنسان في غزة

لم يحظَ راوندا وكوسوفو بالاهتمام الدولي الذي كان موجهًا للعراق في ذلك الزمان. ترك المدنيون في تلك البلدان ضحاياً لجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية. ولم ينتبه المجتمع الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في رواندا. في كوسوفو. تدخلت قوات الناتو في وقت متأخر وبدون تغطية قانونية، بغاية تحقيق أهداف سياسية.

بعد نهاية الحرب الباردة، تمت مراجعة وتقييم العمليات العسكرية التي تم تنفيذها بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان. لمنع استغلالها لأغراض سياسية. ظهر مصطلح “مسؤولية الحماية”. الذي يلزم الدول بحماية شعوبها من جرائم مثل الاغتصاب والقتل الجماعي. وينتقل المسؤولية للمجتمع الدولي عندما تكون الدول غير قادرة على حماية شعبها.

رغم التوافق على مبدأ “مسؤولية الحماية” عام ٢٠٠٥. بقي ضمن إطار مفاهيمي ولم يصبح قانونيًا بسبب معارضة بعض الدول الغربية. التي تفضل الحفاظ على حقها في التدخلات الفردية التي تخدم مصالحها. هذا التباين في التعامل الدولي تجاه الأزمات الإنسانية أدى إلى تفاوت في الاستجابة. حيث تدخل مجلس الأمن في ليبيا بحجة حماية المدنيين في عام ٢٠١١، لكنه تجاهل الأزمة الإنسانية في سوريا.

مسؤولية الحماية في غزة والدروس المستفادة

في غزة، يواجه الفلسطينيون أحد أكبر جرائم الإبادة والتهجير، وتُبث هذه الجرائم مباشرة على الهواء. ولكن المجتمع الدولي لم يتحمل مسؤوليته المتفق عليها، “مسؤولية الحماية”، تجاه انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. بدلاً من التدخل لوقف هذه الانتهاكات، قامت عشر دول غربية، بقيادة الولايات المتحدة. بتعليق دعمها المالي لوكالة الأونروا في غزة. استجابة لاتهامات إسرائيلية لا تستند إلى أدلة حول علاقة بعض موظفي الأونروا بحماس.

تجاهلت تلك الدول الجرائم المروعة في غزة، ولم تثير استهداف الملاجئ والمشافي والطواقم الطبية أي استياء. وبالعودة إلى مثال جنوب إفريقيا، فقد قدمت درسا للعالم العربي والإسلامي حول المبادرة والتأثير. وانتقلت من دور الضحية إلى دور المبادر والمؤثر في إنصاف المظلومين.

رغم أن الحرب قد تتوقف في الأيام القادمة، فإن الجرائم المروعة التي شهدها القطاع لا ينبغي أن تمر مرور الكرام. تظل هذه الجرائم حاضرة، وسيبحث المجتمع الدولي عن محاسبة المرتكبين وتقديمهم للعدالة.

مسؤولية حماية المدنيين في غزة

المجتمع الدولي بأكمله يتحمل مسؤولية حماية المدنيين في غزة، ويجب عليه أن لا يتهرب من هذه المسؤولية. يتوجب عليه تفعيلها وتطويرها، ومحاسبة صانعي القرار عن كل القرارات التي زادت معاناة المدنيين مباشرة أو غير مباشرة. لا يمكن الاعتماد على السياسيين فقط. بل يمكن للمنظمات الإنسانية والقانونية وناشطي حقوق الإنسان تقديم تقاريرهم ومراجعاتهم ورؤيتهم للوضع. وقد ساهمت هذه المراجعات في نقل بعض المبادئ إلى مستوى القوانين العرفية، وخلقت حالة من السلطة الرادعة.

الوضع في غزة قد خلق لحظة وعي تاريخية يجب استثمارها على أعلى المستويات. ونقل التضامن العالمي إلى مستوى حقوقي وقانوني وسياسي. يجب أن يحدد هذا التضامن أركان الجريمة ومرتكبيها. ويعمل على تطوير مبدأ مسؤولية الحماية الإنسانية وتحويله إلى مبدأ إلزامي. لا يمكن قبول حدوث هذه الجرائم مجددًا. ولا يمكن قبول بقاء المتورطين فيها دون محاسبة. الشعوب بحاجة إلى العيش بسلام على أساس العدل واسترداد الحقوق ومعاقبة المعتدين.

اقرأ كذلك: تقديرات المحللين: وصول الحرب لرفح يُعتبر كارثيًا، وموقف مصر مبهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات