تاريخ وثقافة

استكشاف العلاقة بين الروس والتاريخ الإسلامي .. دراسة للقواعد الحاكمة

مسيرة الصمود والتضحية: قصة الإمام شامل الداغستاني ومعركته الملحمية ضد الروس وتأثيرها على مقاومة القوقاز

جدول المحتويات

استكشاف العلاقة بين الروس والتاريخ الإسلامي .. دراسة للقواعد الحاكمة ..

من السلطان أوزبك إلى أمرائنا كبيرهم وصغيرهم وغيرهم: كنيسة بطرس مقدّسة، لا يحق لأحد أن يتعرّض لها بسوء، ولا يستولي على ممتلكاتها. من خالف أمرنا فهو أثيم أمام الله وجزاؤه القتل.

هذا نص تاريخي ثمين نقله المؤرخ البريطاني توماس أرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”، معزواً إصداره للسلطان محمد أوزبك خان، الذي حكم موسكو وكييف، وضمنه ميثاقاً خاصاً مع الكنيسة الروسية.

كلمات هذا الميثاق السلطاني تشير إلى الحرية الدينية التي تمتعت بها الكنيسة الروسية، وتسلط الضوء على العلاقات بين الروس والمسلمين عبر التاريخ، بما في ذلك اللحظات الصعبة والمحطات المصيرية.

عدم مساس المغول بوضعية الكنيسة الروسية الكبرى كان لحظة فارقة في تاريخ روسيا الديني، حمت مسيحيتها من مصير كنيسة آيا صوفيا البيزنطية تحت الحكم العثماني. هذا الموقف الحضاري يظل مهماً في تاريخ روسيا.

علاقة الروس بالعالم الإسلامي: بين تاريخ الصراع والتنوير

واقعًا، الموقف المغولي الإسلامي من الكنيسة الروسية يمثل لحظة تنويرية كبيرة، تمامًا كتوسع الإسلام في منطقة القوقاز أيام الصحابة. تباين ذلك مع الصراع المستمر بين الروس والعالم الإسلامي، خط ساخن منذ الصحابة حتى بوتين اليوم.

علاقة الروس بالعالم الإسلامي قائمة على قواعد ثابتة، تتجلى في إحساسهم بالهوية الثقافية والعرقية في منطقة القوقاز، حيث يسعون للسيطرة بالقوة أو الترويض. ذلك يظهر في التحالف مع نظام قديروف في الشيشان.

تفاعل الأمم ثقافيًا، فقد كتب المسلمون تقارير عن الشخصية الروسية ونمط حياتها، مما أثر في العقل الروسي المعاصر. الروس لم يكونوا أقل اهتمامًا بالدراسات، لكنها جاءت متأخرة بنحو ألف سنة.

التاريخ الروسي وتأثيره في العالم الإسلامي: مغامرات عسكرية وصراعات حضارية.

من بين القواعد التي تحكم علاقة الروس بالعالم الإسلامي هي الحركة العسكرية، التي استمرت عبر التاريخ من الشرق الأوسط إلى سيبيريا. سعت روسيا دائمًا للتمكين في تلك المناطق، سواء بالقوة أو بتحالفات مع حكام مسلمين، كما حاولوا اختراق المماليك في مصر ودعم القوى الأوروبية في الحروب الصليبية.

الصراع الأكثر حدة كان بين الأتراك المسلمين والروس المسيحيين السلاف، نظرًا للتشابه الجغرافي والثقافي والعرقي، فضلاً عن القومية والعقيدة الدينية المشتركة. التحالفات التركية مع الغرب تعززت لمواجهة روسيا.

تاريخ “إسلام الترك” و”تنصر الروس” يلعب دورًا حاسمًا في مسار المنطقة، مما يبرز أهمية هذا النقاش الذي يسلط الضوء على التطورات التاريخية والتأثيرات على مستقبل المنطقة.

تاريخ الروس والمسلمين: رحلة الفتوحات الإسلامية في القوقاز

في الوقت الحاضر، نجد علاقة غير عادية بين الروس وجوارهم الإسلامي. لفهم هذا، يجب أن نعود إلى تاريخ التفاعل بين الروس والمسلمين في القوقاز، بما في ذلك الشيشان والقرم. منذ فتوحات الإسلام الأولى بقيادة عمر بن الخطاب، تشكلت العلاقات بين الطرفين.

في عام 20هـ/641م، هدف الفتح الإسلامي كان شمالاً نحو أذربيجان المسيطرة على الفارسيين. قاد المسلمون جيوشهم بقيادة المغيرة بن شعبة لغزو أذربيجان، وتمكنوا من فتحها بعد مقاومة مستميتة.

تواصلت الفتوحات إلى منطقة جنوب القوقاز، بقيادة الصحابة الأجلاء مثل حذيفة بن اليمان وسراقة بن عمرو.

الفتوحات الإسلامية في جنوب القوقاز: استراتيجية وتأثيرات.

استهدفت الفتوحات الإسلامية في جنوب القوقاز مناطق أرمينية تشمل شرق تركيا وأرمينيا وجورجيا وأجزاء من وسط القوقاز، حيث سكانها الأرمن والروم والجورجي، تابعين للدولة البيزنطية.

توجهت الفتوحات إلى مدينة “دَرْبَند”، عاصمة مناطق “الأبواب” في القوقاز الغربية، بالقرب من بحر قزوين. كانت هذه المناطق تخضع لمملكة الخزر اليهودية، التي كانت تضم خليطًا من الأعراق التركية والشركسية.

تأسست دولة الخزر القوية منذ القرن الأول الهجري، وحكمت أراضي واسعة من بحر قزوين إلى بحر الأسود وكييف في أوكرانيا، ومن بحيرة “وان” جنوباً إلى بحر “بنطس”، ومن بحر “آرال” إلى المجر في وسط أوروبا.

الروس ومملكة الخزر: تاريخ الفتوحات الإسلامية.

على الرغم من قوة مملكة الخزر وموقعها الجغرافي الصلب، تمكن الفاتحون من اختراقها حوالي سنة 22هـ/642م. في تاريخه، يذكر ابن جرير الطبري معاهدة الصلح التي وقعها قائد جيش الفتح الإسلامي مع أهل أرمينية، حيث جاء فيها:

“بسم اللَّه الرحمن الرحيم؛ هذا ما أعطى سراقة بن عمرو -عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- شهربراز وسكانَ أرمينية والأرمن من الأمان؛ أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وملّتهم ألا يضاروا ولا ينتقضوا، وعلى أهل أرمينية والأبواب أن ينفروا لكل غارة، وينْفذوا لكل أمر ناب”.

تقدم الروس نحو القوقاز: الصراع والتوسع الإسلامي.

مع تحقيق المسلمين لفتوحاتهم في أذربيجان وأرمينيا ومناطق الأبواب بالقوقاز، استهدفوا شمالي القوقاز وأبرموا صلحًا مع أهل “طفليس” دون قتال. في كتاب الصلح، التزم المسلمون بضمان الأمان لسكان “طفليس” وحريات ممارسة ديانتهم، مقابل الالتزام بالصغار والجزية.

شهدت المناطق الجنوبية من روسيا اليوم تقدمًا للقوات الإسلامية، حيث أنشأوا مواقع على الجانب الأوروبي من القوقاز، بما في ذلك مدينة “بَلَنْجر”، التي تعرف اليوم بأستراخان، عاصمة “فيدرالية أستراخان أوبلاست”.

الصحابي عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي قاد غزوات متعددة لهذه المناطق في عهد عمر وعثمان، واستشهد في آخر غزوة له لأستراخان، مما أنهى فترة هامة من الفتوحات الإسلامية في وسط وشمال القوقاز.

الصراع الإسلامي مع مملكة الخزر في شمال القوقاز.

توفر المصادر التاريخية الإسلامية تفاصيل وافية حول المرحلة التي تلت سنة 32هـ/652م في شمال القوقاز، الذي كان تحت سيطرة مملكة الخزر. الحروب الداخلية التي شهدها المسلمون بعد استشهاد عثمان بن عفان في 35هـ/655م، وتدهور الدولة الأموية، واستفحال التهديد البيزنطي، أدت إلى تعقيد الأوضاع.

في الوقت نفسه، شهدت أرمينيا وأذربيجان في القوقاز الجنوبي اضطرابات متقلبة بين التصعيد والتهدئة. وتصاعد الصراع بين الخزر والمسلمين خلال فترة (111- 126هـ/730- 745م)، حيث هاجمت مملكة الخزر المناطق الجنوبية بجورجيا وأرمينيا وحققت انتصارات مهمة، بما في ذلك معركة أرْدَبِيل سنة 111هـ/730م.

بالرغم من ذلك، نجح الجيش الإسلامي في كسر هيمنة الخزر وتحقيق النصر في المعارك. وقاد الأمير الأموي مَسْلَمَة بن عبد الملك بن مروان عمليات توغل نحو شمال القوقاز، ما أسفر عن فتح حصون الخزر وتحقيق النصر على جنودهم.

الصراع بين الإسلام ومملكة الخزر في شمال القوقاز.

تقدم المصادر التاريخية الإسلامية تفاصيل وافية عن فترة ما بعد سنة 32هـ/652م في شمال القوقاز، المنطقة التي كانت تحت سيطرة مملكة الخزر. يُرجح أن السبب في ذلك يعود إلى الحروب الداخلية التي شغلت المسلمين بعد استشهاد عثمان بن عفان في 35هـ/655م، وحتى نهاية النصف الأول من الدولة الأموية، وما تبع ذلك من تحديات بيزنطية وأموية.

وفي الوقت نفسه، شهدت مناطق القوقاز الجنوبية (أرمينيا وأذربيجان) اضطرابات متقلبة بين التصاعد والتهدئة. وبلغ الصراع الإسلامي مع مملكة الخزر ذروته في الفترة بين (111- 126هـ/730- 745م)، حيث اجتاحت مملكة الخزر المناطق الجنوبية للقوقاز بجورجيا وأرمينيا، وحققت انتصارات بارزة، بما في ذلك معركة أرْدَبِيل سنة 111هـ/730م.

وبالرغم من ذلك، نجح الجيش الإسلامي في كسر هيمنة الخزر وتحقيق النصر في المعارك. وقاد الأمير الأموي مَسْلَمَة بن عبد الملك بن مروان عمليات توغل نحو شمال القوقاز، حيث نجح في فتح حصون الخزر وتحقيق النصر على جنودهم.

توغل المسلمين في الشمال القوقازي وتثبيت حدود الإسلام.

ظل المسلمون يعتمدون على الشمال القوقازي لسنوات عديدة، حققوا فيها انتصارات بارزة، بدءًا من سنتيْ 118-119هـ/737-738م، حيث غزا مروان بن محمد، الذي أصبح لاحقًا آخر خلفاء بني أمية، منطقة أرمينيا في غزوة السائحة. أسفرت هذه الغزوة عن تقليص مساحة بلاد الخزر بشكل كبير، مما أدى إلى تثبيت حدود الإسلام في هذا الاتجاه فوق القوقاز بشكل دائم، وفقًا للمؤرخ البريطاني دوغلاس دنلوب في كتابه “تاريخ يهود الخزر”.

يلاحظ دنلوب تأثير هذا التوغل على بلاد الخزر، مشيرًا إلى أن مروان بن محمد وصل هذه المرة إلى مفتاح النجاح، ولو تم السيطرة الدائمة على بلاد الخزر، لشهدت السنوات القادمة حملات إسلامية كبيرة نحو الدون أو الدنيبر، النهر الذي يفصل الأقاليم الشرقية من أوكرانيا عن الغربية.

تأثير الروس في العصر العباسي وعلاقاتهم مع الخزر.

وافد جديد على الساحة الإسلامية خلال عهد الخلافة العباسية، حيث شهدت فترة حكم هارون الرشيد (ت 193هـ/809م) حدوث هجوم كبير عام 183هـ/799م من قبل سكان القوقاز الشماليين، المتواجدين في مملكة الخزر اليهودية، على المناطق الجنوبية للقوقاز (أرمينيا وأذربيجان). وقد وصف الطبري هذا الهجوم بأنه “عظيم لم يُسمع بمثله في الإسلام”، وأرسل الرشيد قادة جيوشه لصد الهجوم ونجحوا في ذلك.

وبينما استمرت العلاقات بين الإسلام والخزر في التراوح بين التوتر والهدوء، بدأ الروس يظهرون في المصادر الإسلامية، حيث ذكرهم الجغرافي ابن خرداذبه في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، مشيرًا إلى أصلهم ونشاطهم التجاري ومسارات رحلاتهم. ووصفهم بأنهم “جنس من الصقالبة”، يتعاملون في التجارة من أقصى صقلبة إلى البحر الرومي، ويُعتبرون نصارى يدفعون الجزية.

تأثير ابن خرداذبه والعلاقات الروسية العباسية.

وهذا النص يعتبر مرجعًا دقيقًا لابن خرداذبه، حيث كشف عن الأبعاد الجغرافية لأراضي “الصقالبة”، أو السلاف، سكان شرق ووسط أوروبا، ويوضح تجارتهم في الجلود والسيوف، ويشير إلى أنهم ادعوا النصارى.

ثم يلمح إلى تحولات العلاقات الروسية العباسية بعد وفاته، حيث ازدهرت التجارة بينهما، خاصة عبر بحر الخزر، مما سمح للروس بالتواجد في مناطق الإسلامية وصولًا إلى بغداد، مما أدى إلى وجود جالية سلافية مرموقة في العاصمة العباسية.

تأثير اختلاط الروس بالمسلمين.

هذا الاختلاط بالروس – كتجار وجالية – أضاف إلى معرفة المسلمين بثقافتهم ولغتهم، حيث أشار المؤرخون والجغرافيون المسلمون إلى مصطلح “روسيا” ومعناه. يذكر المسعودي أجناس الروس وأصل معنى “روسيا”، بينما يتحدث الأصفهاني عن معرفة المسلمين باللغة الروسية واستعمالها في بعض بلدان الإسلام.

ويرسم التطايلي حدود “أراضي روسية”، مشيرًا إلى واسع الأراضي من براغ إلى كييف، مع تسليط الضوء على مدينة كييف أو “كويابة” كمكان مهم للروس وأقرب مدينة للمسلمين، حسب مؤلف “حدود العالم من المشرق إلى المغرب”.

دور العلاقات الإسلامية في تأسيس العلم والدين ببلاد الروس

بفضل العلاقات الإسلامية المتشعبة مع بلاد الروس، أرسل ملك الصقالبة ألْمِشْ بن يِلْطوار وفدًا إلى الخليفة العباسي ببغداد المقتدر بالله. طلب الوفد إرسال عالم ليُعلّم الدين والشريعة، ويقيم مسجدًا ويبني حصنًا للحماية من الملوك المخالفين. كان القاضي أحمد بن فضلان جزءًا من هذا الوفد، بينما كان “سوسن الرُّسّي” رئيس الوفد الروسي. وأشار إغناطيوس كراتشكوفسكي إلى مهمة سفارة الصقالبة في طلب المساعدة من الخلافة العباسية ضد ضغوط الخزر، وإرسال عالم لتعليم الدين، حيث كان أحمد بن فضلان جزءًا من هذه البعثة.

تاريخ الروس: معلومات مهمة من رحلة ابن فضلان

ابن فضلان كشف لنا تفاصيل حياة الروس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية في زمنهم، حيث كانوا لا يزالون متمسكين بالوثنية. تلك المعلومات تعتبر أولى المصادر التاريخية الموثوقة للروس، ونحن الآن نحتفل بمرور 1100 سنة على صدورها.

وصف الروس في كتب المسلمين بالشدة والصبر والبأس في القتال، حيث كانت سيوفهم هي مصدر دخلهم الرئيسي، ويرجع المؤرخ الأميركي ويل ديورانت طبيعتهم الصلابة إلى الفقر والظلم الذي عانوا منه.

هذه الصفات تأثرت في تعاملاتهم مع جيرانهم، بما في ذلك المسلمين، حيث تناول كتاب “صلة تاريخ الطبري” هجماتهم على أذربيجان، كما حدث في سنة 332هـ/944م عندما سيطروا على بَرْذَعَه وسبوا أهلها.

صراعات الروس: هجمات ومشاركات في الصراعات الإسلامية والبيزنطية

ابن عبد المنعم الحِمِيري يوثّق في “الرَّوْض المِعْطار” هجمات الروس المروعة على المناطق الإسلامية، حيث ارتكبوا مجازر وسفكوا الدماء ونهبوا الممتلكات.

تحدث المؤرخون عن معركة هامة حيث هزم المسلمون الروس على شاطئ نهر الخزر، مما أدى إلى عدم عودتهم لمناطق المسلمين.

كما شارك الروس كمرتزقة في صراعات البيزنطيين ضد المسلمين، حيث ساعدوا في هجمات الإمبراطورية البيزنطية على الأراضي الإسلامية، مما يظهر وجود تحالفات معقدة في تلك الحقبة من التاريخ.

تحوُّل تاريخي: اعتناق الروس للمسيحية الأرثوذكسية

في نهاية القرن العاشر، انتقل الروس إلى الديانة المسيحية الأرثوذكسية بعد جهود تنصيرية بيزنطية شاملة.

تحت حكم الأمير فلاديمير الكبير في سنة 989م، اعتنق الروس المسيحية الأرثوذكسية، مما غيّر ديانتهم القومية.

تشير التحليلات إلى دور البيزنطيين في هذا التحول، بجهودهم الدعوية والسياسية لجذب الروس للمسيحية.

فحوّل الروس إلى المسيحية كان نتيجة استطلاع ديني، حيث أظهروا استعدادًا للاعتناق ولكن اختاروا المسيحية بسبب تحريم الخمر في الإسلام والختان في اليهودية.

هذا التحوُّل الديني ساهم في تعزيز الهوية الروسية ومكانتهم كقوة دينية وسياسية في المنطقة وعلى المستوى العالمي.

تطور متزامن: الروس والترك والمعارك الحضارية

قبل اعتناق الروس للمسيحية، تحوّلت قبائل الترك الأوغوز إلى الإسلام في آسيا الوسطى.

اعتنق حوالي مئتي ألف ترك الإسلام في لحظة واحدة، وظهر بينهم “السلاجقة”، دولتهم أثرت على الإسلام والعالم.

سلطان السلجوقي الكبير ضم جنوب القوقاز إلى سلطته، والروس شاركوا في معركة ملاذكرد ضد البيزنطيين.

في عصر الحروب الصليبية، سمحت روسيا بمرور القوات الصليبية عبر أراضيها، وشاركت في بعض المعارك.

الروس والترك واجهوا بعضهم في حروب حضارية مهمة، تغيّر خلالها مسار التاريخ في المنطقة.

فتح متجدد: الروس وتأثير المغول والإسلام

رغم تأثير المغول في القوقاز والأناضول، بدأ العصر الذهبي للإسلام مع اعتناق قبيلة المغول للديانة الإسلامية.

ابن الأثير يوثق عن الأعراق والأديان المختلفة في القوقاز خلال غزو المغول للمنطقة.

المغول استمالوا الأتراك بالأسباب العرقية لكنهم خانوهم بعد السيطرة على المنطقة.

اللكز وداغستان كانت لهم قوة ولسان مفرد، والإسلام كان متواجدًا في القرن الثالث عشر.

تأثير المغول لم يقتصر على القوقاز، بل توسعوا إلى بلاد الروس والمجر.

بركة خان اعتنق الإسلام وحكم جنوب روسيا وشرق أوروبا، وأسباب اعتناقه موضوع للجدل في التاريخ.

توطيد وترسيخ: الروس والمغول المسلمون

سلطان المماليك استغل اعتناق مغول القبيلة الذهبية للإسلام، يعمل على التقارب معهم سياسيًا ضد المغول الإيلخانيين.

سلاطين المماليك في مصر والشام أرسلوا الفقهاء لتعليم مغول القبيلة الذهبية شرائع الإسلام.

اعتناق مغول القبيلة الذهبية للإسلام لم يحدث تغييرًا عميقًا في الأحوال القائمة، وتميزت سياساتهم بترك الولايات لوحدها.

الحكام المسلمون منحوا الروس المسيحيين حرية دينية وتنظيم شؤونهم الدينية دون تدخل، مما جعل الكنيسة الأرثوذكسية تثبت أقدامها.

الإمبراطورية الروسية تدين للحكام المغول المسلمين بالحفاظ على دينها ومقدساتها، وهذه الحرية الدينية كانت أساسًا لتاريخ روسيا المستقبلي.

خضوع مطلق: الروس تحت حكم القبيلة الذهبية المسلمة

لقرنين ونصف، استولت القبيلة الذهبية على مناطق واسعة شملت روسيا وأوكرانيا والقرم وبولندا والقوقاز، حيث أصبحت موسكو تحت سيطرتهم.

نفوذ المغول المسلمين وقف عائقًا أمام توسّع الروس جنوبًا أو جنوب شرقًا، كما يشير المؤرخ شبولر.

تحت حكم السلطان محمد أوزبك خان، أسلمت القبيلة الذهبية وكرّمت الإسلام، وأطلق على مملكتهم اسم “مملكة أوزبك”.

ابن بطوطة وصف الهيبة التي يتمتع بها سلطانهم، الذي كان جزءًا من “الملوك السبعة” الذين يحكمون العالم.

في عاصمة القبيلة الذهبية، رأى ابن بطوطة الاهتمام بالعلم والشرفاء والفقراء، وكان لديهم مذهب فقهي حنفي.

لاعب شرس: تأثير تيمورلنك وتحول الإسلام في مناطق القوقاز

في القرن الرابع عشر، نشأت دولة التيمورية تحت قيادة تيمورلنك، الذي سيطر على مغول القبيلة الذهبية ومناطق القوقاز، مثل قراباغ وتفليس.

تحت حكم تيمورلنك، اعتنق العديد من السكان الإسلام وأصبحت وسط داغستان مركزًا إسلاميًا رئيسيًا في وسط القوقاز.

تيمورلنك شن حملات عسكرية على الممالك المسيحية والمسلمة في القوقاز، مما أدى إلى تحول شعوب شمال القوقاز إلى الإسلام.

انقسمت خانية القبيلة الذهبية إلى عدة دويلات بعد حملات تيمورلنك، مما فتح الباب أمام توسع الإمبراطورية الروسية.

توسع عثماني: صراع النفوذ في المناطق المطلة على البحر الأسود والقوقاز

بعد فتح القسطنطينية، توجّهت اهتمامات العثمانيين نحو البحر الأسود، حيث نجحوا في توسيع نفوذهم في المناطق القوقازية جنوبًا وغربًا.

خلال الحقبة العثمانية، انضمت خانية القِرَم للدولة العثمانية، مما جعل مناطق القوقاز تابعة لهم.

من جانبها، رأت روسيا فرصة للتوسّع بعد سقوط القسطنطينية، وأعلنت نفسها حامية للأرثوذكسية.

تقدمت روسيا نحو القوقاز وأوروبا الشرقية، استغلالًا لضعف العثمانيين في المعارك الأوروبية.

خلال حكم إيفان الرهيب، استولت روسيا على خانيات القازان وأستراخان، وتوسّعت نحو القوقاز.

تعاون القوقاز المسلمون مع العثمانيين لمواجهة تقدم الروس نحو منطقتهم، مما أدى إلى هزيمة الروس في بعض المعارك.

في مواجهة الروس، اعتمدت العثمانيين وتتار القِرَم على نشر الإسلام في المنطقة كإستراتيجية موازية.

 أطماع روسية: تمدُّد النفوذ في القوقاز

الروس سيطروا على قلعة “آزاق” في القوقاز، مهدّدين الوجود الإسلامي بالمنطقة ونشروا المنصّرين وبنوا الكنائس.

العثمانيون والقوقازيون المسلمون ردوا بنشر الإسلام بشكل قوي بين القبائل الشراكسة.

حروب طويلة دارت بين العثمانيين والروس، حيث استولى القيصر بطرس الأكبر على مناطق في القوقاز ودخل باكو.

إمبراطورة روسيا آنّا إيفانوفنا استغلت ضعف العثمانيين وأوقعت هزائم عليهم في المعارك.

وصية بطرس الأكبر تجسّد أهداف الروس الاستعمارية والتنافس مع العثمانيين على المنطقة، مع التطلع للاستيلاء على إسطنبول.

رغم استغلال الروس لضعف العثمانيين، إلا أن هناك خط فاصل بينهما في القوقاز يُعرف بـ”خط القوازق”.

حقبة فارقة: التوغل الروسي في القوقاز والبلقان

عندما اعتلى الإمبراطورة كاترينا الثانية عرش روسيا، بدأت في تنفيذ “المشروع اليوناني” لمحاصرة الدولة العثمانية واحتلال خانية القِرَم والتوغل في القوقاز.

تحالف الجنرال الألماني توتلبن مع القوى المسيحية جنوبي القوقاز، لكن المسلمين قاوموا بفضل الإمدادات العسكرية من العثمانيين وأردوا الروس إلى شمالي القوقاز.

الهجوم الروسي كان جزءًا من حرب عثمانية/روسية واستغل الروس الضعف الإداري للعثمانيين ودعموا النعرة الدينية للأرثوذكس في البلقان والبلاد العربية.

الروس انتصروا في موقعة جشمة البحرية وتحالفوا مع الأمير المملوكي علي بك الكبير للتحالف ضد العثمانيين، مما أدى إلى خلع طاعة الدولة العثمانية وتقديم الأولوية لروسيا في تصليح السفن والتجارة في مصر والشام.

تعثُّر مباغت: الروس ومصر في القرن الثامن عشر

تمخض انقلاب قائد الجيش المصري محمد بك أبو الذهب عن حرب عثمانية/روسية، لكن انتباه الروس لمصر لم يتراجع؛ حيث أرسلوا حكاما مملوكين لمحاولة التحالف مع روسيا ضد العثمانيين.

في 1783، عرض مراد بك منح روسيا امتيازات في مصر مقابل الاعتراف بالاستقلال المصري، وفي السنة التالية، وصلت فرقاطة روسية إلى ميناء دمياط وأُرسلت إلى القاهرة، لكنها أُسرت من قِبل الأمير العثماني.

هذا التعاون يظهر أن طموحات الروس في المنطقة تجاوزت القوقاز إلى أوكرانيا والبلقان وحتى مصر والشام، مما يشير إلى صراع مستمر بين الروس والعثمانيين على هذه الأراضي.

مقاومة أهلية: التحدي الشيشاني والداغستاني للاحتلال الروسي

في القرن الثامن عشر، استطاعت الجبهة الشرقية العثمانية أن تقاوم الروس بفضل مقاومة الشيشان والداغستان، ولكن بالتزامن، تواجه الجبهة الغربية الانهيار في القِرَم وبولندا ورومانيا، مما أدى إلى توقيع “اتفاقية قينارجه” مع الروس في 1774.

هذه الاتفاقية سمحت للروس بحماية السكان الأرثوذكس في الدولة العثمانية ومنحتهم حرية الملاحة في البحر الأسود، مما فتح الباب أمامهم للتوسع نحو القوقاز والبحر الأسود.

ومع تخلي الدولة العثمانية عن خانية القِرَم، انتقلت الروس نحو القوقاز، حيث بدأت المقاومة الشيشانية والداغستانية ضد الغزو الروسي في 1783، بقيادة الإمام منصور الداغستاني، الذي تم اختياره كزعيم للمقاومة.

استمرت المقاومة الشيشانية والداغستانية ضد الروس لثماني سنوات، واستخدم الشيشانيون تكتيك حروب العصابات لملء غابات المنطقة بجثث الجنود الروس.

إبادة شاملة: مقاومة المقاومة الشيشانية والداغستانية للاحتلال الروسي

في المعارك ضد الروس، استطاع الإمام منصور الداغستاني جمع مجاهدين من مختلف القوميات في القوقاز، وتكوين جيش قوي هزم الجيش الروسي المرسل من قِبَل الإمبراطورية الروسية.

وكانت المقاومة الشيشانية والداغستانية قوية جدًا، حيث ألحقوا خسائر كبيرة بالجيش الروسي، وقتلوا وأسروا العديد من الجنود الروس.

لكن عندما فشلت محاولات التنصير، لجأ الروس إلى سياسة الأرض المحروقة وحرب الإبادة الكاملة، خاصة في منطقة “قبرطاي” التي كانت بوابة القوقاز الشمالية.

تسبب الهجوم الروسي في دمار هائل وفقدان كبير للأرواح والممتلكات، وانتشار مرض الطاعون بين الشركس الذين نزحوا إلى المناطق الجبلية.

وجاء رد فعل الشركس بتسليم قيادة المقاومة إلى الإمام محمد الكمراوي، الملقب “غازي”، الذي أعلن الثورة المسلحة ضد الروس ونجح في توجيه هجماتهم وفتح العديد من المدن التي احتلوها.

لكن في نهاية المطاف، انتصر الروس وقتلوا الإمام غازي وقادة المقاومة، وشنوا هجمات شرسة على مدنهم، مما أدى إلى اندثار كبير في أعداد السكان الشراكسة في المنطقة.

صمود لافت: مقاومة الإمام شامل الداغستاني ضد الروس

الإمام شامل الداغستاني

بعد استشهاد الإمام غازي، تولى الإمام شامل الداغستاني القيادة، واستمرت المقاومة لثلاثين عامًا متواصلة.

رأى شامل أن قوة المقاومة تكمن في شعب الشيشان، وانتقل إلى هناك مرفعًا شعار “الشهادة أو النصر”.

رغم الهزائم الأولية، فهما شامل ضعف جيشه وضرورة توحيد القبائل، وأصبح قائدًا سياسيًا قويًا.

شنت روسيا حملة عسكرية ضد عاصمة المقاومة “أخولفو”، لكن شامل نجا بعد حصار طويل.

في السنة التالية، نجح في إعادة تنظيم جيشه واستعادة داغستان من الروس.

أبادت جيوشه أربعة جيوش روسية، مما دفع الروس لبناء القلاع وحرق الغابات لفصل الشيشان عن داغستان.

في كتاب “مذكرات الإمام شامل”، وضح استراتيجية المقاومة في مواجهة القوات الروسية بالمباغتة في الجبال والغابات.

بداية النهاية: هزيمة الروس وانتهاء المقاومة

في الفترة بين عاميْ 1265-1267هـ/1849-1851م، تعرض الروس لهزيمة مذلة خلال حرب استمرت أربعة أشهر في الغابة.

بدأت “حرب القِرَم” في خريف 1269هـ/1853م بدعم من العثمانيين والإنجليز والفرنسيين، مما دفع العثمانيين لدعم المقاومة القوقازية.

أرسل الإمام شامل خطته العسكرية للعثمانيين، لكنهم لم يتمكنوا من دعمه بسبب ضعفهم الاقتصادي والعسكري.

بعد انتهاء حرب القِرَم في ربيع 1272هـ/1856م، ركزت روسيا جهودها على قمع المقاومة في القوقاز.

خلال حرب شرسة استمرت ثلاث سنوات، احتلت روسيا الشيشان وأجبرت الإمام شامل على التوقيع على اتفاقية.

على الرغم من أن الاتفاقية تضمنت نفي الإمام شامل إلى الدولة العثمانية، إلا أنه تم اعتقاله ونقله إلى سجن في سان بطرسبرغ.

بعد عشر سنوات من الأسر، أُعطي الإمام شامل وأسرته معاشًا ثابتًا في الدولة العثمانية.

توفي الشيخ شامل في عام 1288هـ/1871م في المدينة المنورة ودُفن في مقبرة البقيع.

اقرأ كذلك: عندما انتقم اليونانيون من هزيمتهم في إزمير ، جمعوا الناس في المسجد وأحرقوه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات