هل يستعرِض آبي أحمد احتمالات إشعال حرب في البحر الأحمر من أجل المياه الدافئة؟
التوقعات والسيناريوهات المحتملة للتصاعد والصراع في شرق أفريقيا في ظل الاتفاقية البحرية بين إثيوبيا وجيبوتي وتداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية
في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” خطاباً أمام البرلمان. تحدث فيه عن الضرورة الوجودية لوصول دولته الحبيسة جغرافياً إلى المياه الدافئة مرة أخرى. وقد طرح السؤال عن كيفية الوصول إلى المياه الدافئة عبر ميناء سيادي. على ضفاف البحر الأحمر عن طريق إريتريا أو الصومال أو جيبوتي. واستند آبي أحمد في حديثه إلى مقولة “علولا أنغيدا”، التي يُعرف بها “آبا نيغا”. القائد العسكري الإثيوبي في القرن التاسع عشر، الذي قال إن “البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا”. وكانت إثيوبيا تتمتع منذ منتصف القرن الماضي بمنفذ بحري مستدام وسيادي على البحر الأحمر. عبر مينائي “عَصَب” و”مصوَّع” في إريتريا حتى استقلال الأخيرة عنها عام 1993. وهي تعتمد منذ ذلك التاريخ على ميناء جيبوتي منفذا وحيداً يمر من خلاله نحو 95% من تجارتها مع العالم الخارجي.
وجاء الرد الرسمي من الدول الثلاث التي ذكرها آبي أحمد في خطابه بالرفض القاطع. حيث تحدث وزير الدولة للشؤون الخارجية في الصومال عن السيادة المقدسة للبلاد على أصولها البرية والبحرية والجوية. في حين قالت جيبوتي على لسان مستشار رئيسها إن سلامة أراضيها ليست محل نقاش اليوم أو غداً. وقد أتى الرد الإريتري أشد منهما. حيث صدر بيان مقتضب لم يتعدَّ أربعة أسطر عن وزارة الإعلام الإريترية دون ذكر اسم آبي أحمد أو منصبه. واصفاً خطابه بأحاديث القيل والقال حول المياه والمنافذ البحرية. وناصحاً المتابعين بعدم الانجراف وراء تلك الأقاويل، مضيفاً أن الحكومة الإريترية لا تعير تلك الدعوات أهمية تُذكر.
تبع ذلك البيان تجاهل مُتبادل بين الرئيس الإريتري أفوِرقي وآبي أحمد أثناء القمة السعودية-الأفريقية. التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في الرياض، فلم يُرصَد أي لقاء أو محادثات ثنائية بين الرجلين. رغم أن كليهما عقد لقاءات منفردة مع بقية زعماء ورؤساء دول القارة الحاضرين في المؤتمر، مما عزّز التكهنات حول اقتراب نهاية حقبة الهدوء بين البلدين الجارين، وبدأ العد التنازلي لحرب جديدة بينهما. يشنها آبي أحمد، الرجل الذي نال جائزة نوبل عام 2019 على جهوده في التوصُّل إلى اتفاق سلام مع إريتريا.
إثيوبيا تبحث عن منفذ بحري: الأبعاد الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية
إثيوبيا تلقي نظرة طموحة نحو منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحيرات العظمى. حيث تسعى لتعزيز هيمنتها وزيادة نفوذها لتكون أحد أقطاب القارة الأفريقية. إحدى وسائل تحقيق هذا الهدف بالنسبة لإثيوبيا هي الحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر. هناك ثلاثة أسباب رئيسية تدعو إلى هذا السعي: الأبعاد الإستراتيجية والجيوسياسية، والأمنية والعسكرية، والاقتصادية.
من الناحية الإستراتيجية والجيوسياسية، يعتبر امتلاك منفذ بحري لإثيوبيا على البحر الأحمر هدفًا حيويًا للحكومة الإثيوبية. حيث يضمن لها وجودا دائمًا على هذا الممر الإستراتيجي. ذلك يسهم في تيسير التجارة مع العالم الخارجي ويمكن أيضًا أن يلعب دورًا في تأمين الممر البحري وحماية الملاحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإثيوبيا بناء قاعدة بحرية بالقرب من مضيق باب المندب بدعم غربي لتعزيز التجارة الإثيوبية وحماية مرور التجارة الدولية والملاحة البحرية. ويأتي هذا السعي بعد إحساس أديس أبابا بالإهمال من مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. مما دفعها لتنفيذ هذا السعي الاستراتيجي.
على الصعيدين العسكري والأمني. يسمح وجود إثيوبيا على ضفاف البحر الأحمر بالحفاظ على أمنها القومي بشكل أكبر وتعزيز قدرتها على التدخل في مناطق أخرى. وقد أعلن آبي أحمد عن نية إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية بمساعدة فرنسية، وقام المعهد البحري الفني الإثيوبي بتخريج مهندسين وبحارة مؤهلين. بالإضافة إلى ذلك. يمكن لإثيوبيا بناء قواعد عسكرية وبحرية بالقرب من منافذها البحرية للتصدي لأي تهديدات في المستقبل.
من الناحية الاقتصادية. يمكن لمضيق باب المندب وقناة السويس أن يلعبان دورًا كبيرًا في تجارة النفط والغاز الطبيعي على مستوى عالمي. لذلك، يمكن لإثيوبيا من خلال تأمين منفذ بحري تعزيز نمو اقتصادها وزيادة نفوذها في المنطقة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
آبي أحمد ومساره من الوفاق إلى الصراع
في العام 2018، تولى آبي أحمد منصب رئيس الوزراء في إثيوبيا، ومع توليه السلطة، أعلن عن التحالف مع جوهر محمد. زعيم قومية الأورومو، وبدأ في التعامل بحنكة مع مطالب القوميات الأخرى. ولم يمضِ سوى ثلاثة أشهر حتى نجح آبي أحمد في التوصل إلى اتفاق سلمي مع إريتريا لإنهاء عقود من النزاع بين البلدين. وأعلن عن تحالف سياسي يشمل الصومال أيضًا.
تجلى تفهم آبي أحمد لأهمية الاستقرار الإقليمي بوسط الشرق الأفريقي في رسائله لمصر والسودان بشأن خلاف سد النهضة. مما أدى إلى استئناف المفاوضات بين الأطراف الثلاث.
فيما يتعلق بالاقتصاد، نجح آبي أحمد في الحفاظ على نمو اقتصاد إثيوبيا السريع والاستثمار في موانئ بحرية في منطقة القرن الأفريقي. لقد تم التوقيع على اتفاقات مع الصومال وجيبوتي والسودان لتخصيص حصص في موانئ بحرية بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية.
ومع ذلك، بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفًا بعد التحالف الثلاثي مع إريتريا والصومال. آبي أحمد قام بحرب ضد قومية الأورومو، التي كان ينتمي إليها. وقام بإلغاء حزب الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية وتأسيس حزب الازدهار. أيضًا قام بعزل قيادات أوروموية بارزة وشنَّ حملة اعتقالات واسعة ضد الأورومو.
الصراع تصاعد وتوجه آبي أحمد نحو حرب دموية مع قومية التيغراي. وقد استمر الصراع لمدة سنتين وأسفر عن عدد كبير من القتلى والنازحين وتدمير البنية التحتية.
عُقِد اتفاق سلام في جنوب أفريقيا بجهود دولية وإقليمية، ولكن الصراع ما زال مستمرًا.
نهاية الرحلة المشتركة لآبي أحمد، أفوِرقي، وفرماجو
انهار التحالف الثلاثي الذي تأسس بين آبي أحمد، أفوِرقي. وفرماجو بعد توقيع اتفاق بريتوريا الذي رفضه أفوِرقي بشكل ضمني. لم تستطع إريتريا أو أسمرة. تنفيذ الاتفاق وسحب قواتها من إقليم تيغراي، مما أدى إلى استمرار المذابح وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين هناك. بينما اختفى الطرف الثالث للتحالف، عبد الله فرماجو، بعد فشل مساعيه للاستمرار في الحكم. مما أدى إلى نزاع مسلح وأزمة دستورية في الصومال، وانتهت بتولي “حسن شيخ محمود” رئاسة الصومال.
فيما يتعلق بأزمة سد النهضة. زاد التوتر بين مصر وإثيوبيا حيث فشلت جميع جولات التفاوض حول اتفاق ملزم لملء وتشغيل السد، واستمرت إثيوبيا في عملية الملء بشكل منفرد. مع استكمال أربع مراحل من عملية الملء. وزاد التوتر بشكل كبير مع السودان بسبب جفاف الأنهار في السودان وتجدد الاشتباكات المسلحة حول النزاع على إقليم الفشقة الحدودي.
على الصعيدين الاقتصادي والمالي، تأثرت إثيوبيا بشكل كبير بالتغييرات السياسية والنزاعات. انخفض معدل النمو بشكل حاد بعد تولي آبي أحمد الحكم، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم بشكل كبير. تعثرت إثيوبيا في تنفيذ اتفاقيات التعاون التجاري والبحري، وتفاقمت أزمة الديون، مما يهدد بتخلفها عن السداد.
تواجه إثيوبيا تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. مما يتطلب جهدا كبيرا لاستعادة الاستقرار والتنمية المستدامة.
سيناريوهات الصراع في شرق أفريقيا
في الوقت الحالي، نجد أن الوضع في شرق أفريقيا يشهد تطورات هامة ومعقدة تجعلنا نستعرض سيناريوهات مختلفة للصراع في هذه المنطقة المهمة.
السيناريو الأول: اندلاع الحرب بين إثيوبيا وإريتريا
هذا السيناريو يعتمد على التاريخ الطويل للصراع بين البلدين منذ الستينيات، حيث تضمن ضم إثيوبيا لأراضي إريتريا بالقوة. تعزز هذه الفرضية بالتوترات الحالية والاتهامات المتبادلة بين البلدين. كما يُعزز هذا السيناريو بجهود إثيوبيا لتجميع العتاد العسكري وتعزيز علاقاتها الدولية، بالإضافة إلى استضافة إقليم تيغراي لجماعات معارضة إريترية. ولكن هذا السيناريو يعوقه الأزمة الاقتصادية والداخلية التي يواجهها آبي أحمد، وتوترات جيوسياسية أخرى في المنطقة.
السيناريو الثاني: تصعيد الضغط الدبلوماسي والإعلامي
هذا السيناريو يعتمد على جهود آبي أحمد لاستخدام اتفاق بريتوريا لحشد الدعم الإقليمي والدولي. يمكن أن يؤدي هذا الضغط إلى التوصل إلى اتفاق دبلوماسي جديد يتيح لإثيوبيا استخدام أحد الموانئ البحرية في دول القرن الأفريقي. هذا السيناريو يتطلب تدخلًا دبلوماسيًا كبيرًا وتعاونًا إقليميًا ودوليًا.
السيناريو الثالث: الوقوع في صراع متصاعد
تجمع هذه الفرضية بين تصاعد التوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية في المنطقة. يمكن أن يؤدي هذا السيناريو إلى تصاعد الصراعات وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل المنطقة عرضة للصراع في المستقبل.
منطقة القرن الأفريقي تبقى دائمًا مكانًا حساسًا يمكن أن يشهد تطورات متسارعة. يجب مراقبة الأوضاع بعناية والتعامل معها بحذر، حيث تبقى كل الخيارات مفتوحة في المستقبل.
اقرأ كذلك : تحالف عسكري ضد الحوثيين في منطقة البحر الأحمر .. تطورات الأزمة وموقف إسرائيل