خسائر إسرائيل على جبهة لبنان: من سيرتفع صوته أولاً؟
التداعيات العسكرية والاقتصادية لحرب إسرائيل في جبهة لبنان: خسائر فادحة في الأمن والاقتصاد وتأثيراتها على مستقبل الشمال الإسرائيلي

خسائر إسرائيل في جبهة لبنان: تداعيات الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق حزب الله أولى صواريخه تجاه إسرائيل، في خطوة تمثل بداية لما أطلق عليه الحزب “معركة الإسناد”. كانت هذه المعركة بمثابة دعم لجبهة غزة، التي اندلعت فيها الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي ذلك الوقت، كانت الحرب بين الطرفين تقتصر على جبهة غزة، بينما كانت جبهة لبنان تحت السيطرة إلى حد كبير. لكن مع مرور الوقت، تغير الوضع بشكل جذري. تحولت جبهة الإسناد، التي بدأت بحذر وتحفظ بين الطرفين، إلى مواجهة شبه مفتوحة على مختلف الجبهات، سواء برًا أو جوًا. ولا تزال الحرب في هذه الجبهة مستمرة، حيث تزداد التكهنات حول تطوراتها، ولا يبدو أن هناك أفقًا سياسيًا قريبًا لحل النزاع.
القلق في الشمال الإسرائيلي
حتى الآن، لم يتمكن سكان الشمال الإسرائيلي من استعادة ثقتهم في قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمان لهم. العديد منهم لم يتمكنوا من العودة إلى مستوطناتهم التي تم إخلاؤها في وقت سابق، ويواصلون العيش في مناطق بعيدة عن أماكن سكنهم الأصلية. وقد أظهر استطلاع رأي أجراه معهد “مأجار موحوت” الإسرائيلي، أن 70% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات الشمال أبدوا عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم، حتى في حال توقف الحرب فورًا.
التصريحات الإسرائيلية: تراجع الأهداف العسكرية
عندما دخلت إسرائيل الحرب ضد حزب الله، كانت هناك تصريحات قوية وتهديدات عالية المستوى، كان أبرزها الوعود بتدمير جميع قدرات حزب الله العسكرية وتطهير المنطقة الحدودية من السكان. لكن مع مرور الوقت، تراجعت هذه الأهداف بشكل ملحوظ. وفي الآونة الأخيرة، صرّح رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي بأن اغتيال القيادات العليا لحزب الله يمكن أن يكون كافيًا لإنهاء الحرب. هذا التراجع في الأهداف يثير التساؤلات حول خسائر إسرائيل خلال الحرب ومدى تأثيرها على استراتيجية البلاد في المستقبل.
إستراتيجيا: خسارة كبرى في الجليل
خلال العام الذي انقضى منذ بداية الحرب، تحولت منطقة الجليل شمال إسرائيل، التي كانت تتمتع سابقًا باستقرار أمني نسبياً، إلى منطقة مهددة. هذه المنطقة كانت تعد ذات أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي الذي يتيح السيطرة على العديد من النقاط الحساسة. إضافة إلى ذلك، كانت الجليل تُعتبر رمزًا للوعي القومي الإسرائيلي، حيث كانت مليئة بالمستوطنات التي ارتبطت بتاريخ تأسيس إسرائيل.
لكن مع تحول الوضع الأمني إلى حالة غير مستقرة، اضطرت حكومة الاحتلال إلى إخلاء نحو 28 مستوطنة في هذه المنطقة، مما كشف مدى ضعف قدرة الجيش الإسرائيلي على الحفاظ على الأمن في هذه المنطقة. علاوة على ذلك، تعرضت المنشآت العسكرية والاستخباراتية في المنطقة لهجمات دقيقة من حزب الله، حيث تم استهداف عدد من المواقع البارزة مثل مقر الاستخبارات الإسرائيلي في صفد، وكذلك مقر لواء غولاني، أحد أهم الألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي.
إستراتيجية الدفاع السلبي: فشل كبير
منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل على استراتيجية “الحروب الخاطفة” التي تهدف إلى تحقيق أهداف سريعة من خلال التفوق التكنولوجي والاستخباري. لكن مع مرور الوقت، أظهرت الأحداث أن هذه الاستراتيجية قد فشلت في جبهة لبنان. تفوق إسرائيل في هذه الجبهة بدأ في الانكشاف، حيث بات من الواضح أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على التفوق التقني والاستخباري لم يعد كافيًا لتحقيق الانتصار السريع الذي كانت تأمل فيه إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، أثبتت إستراتيجية الدفاع السلبي – التي كانت تعتمد على المناطق الآمنة، وقدرة اعتراض النيران، وتحمل السكان – أنها لا تتماشى مع التحديات الحالية.
الخسائر العسكرية: نزيف مستمر
منذ بدء العملية البرية في جنوب لبنان في 30 سبتمبر/أيلول 2024، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة. في شهر واحد فقط، قتل حوالي 95 جنديًا إسرائيليًا في ساحة المعركة، وأصيب أكثر من 750 آخرين. كما فقدت إسرائيل 38 دبابة “ميركافا” وأُسقطت أربع طائرات مسيرة من طراز “هيرميس 450” و”هيرميس 900″، وهي طائرات متطورة تستخدم في جمع المعلومات الاستخباراتية. وهذه الأرقام لا تشمل الخسائر التي تعرضت لها الجبهة الداخلية نتيجة القصف المستمر من حزب الله.
ورغم هذه الخسائر، لم تتمكن إسرائيل من إحراز تقدم ملحوظ على الأرض، حيث فشلت في السيطرة على أي من القرى الحدودية بشكل كامل. وإذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فقد يتضح أن الخسائر العسكرية الإسرائيلية ستكون أكثر من المتوقع، وهو ما يهدد قدرة إسرائيل على المدى الطويل في الاستمرار في الصراع دون تغيير جذري في استراتيجيتها.
الخسائر الاقتصادية: نزيف مالي مستمر
وفقًا لتقارير صحفية إسرائيلية، بلغت تكلفة توسيع العمليات العسكرية في جبهة لبنان خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول نحو 9 مليارات دولار. هذه النفقات الباهظة ستتطلب تعديلًا كبيرًا في ميزانية إسرائيل الوطنية. في الوقت نفسه، تُعتبر منطقة الشمال في إسرائيل من المناطق الاقتصادية الحيوية. حيث تقع مدينة حيفا التي تعد مركزًا تجاريًا وصناعيًا حيويًا. ومع دخول حيفا ضمن نطاق العمليات العسكرية، تكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة، حيث تقدر الخسائر في هذه المدينة بحوالي 150 مليون دولار يوميًا.
إضافة إلى ذلك، أشارت دراسة من معهد أهارون للسياسة الاقتصادية إلى أن نفقات الحرب قد تصل إلى نحو 111 مليار شيكل حتى نهاية عام 2024. كما يتوقع أن يبلغ العجز في الميزانية الإسرائيلية حوالي 6.8%. بينما سيرتفع الدين العام إلى 71.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
الخسائر في قطاع السياحة والزراعة
تضرر قطاع السياحة بشكل كبير في المناطق الشمالية. حيث توقفت الحركة السياحية تمامًا بسبب القصف المستمر. بلغت الخسائر في هذا القطاع نحو 3.5 مليارات دولار حتى الآن. يُذكر أن منطقة الجليل. وخاصة الجليل الأعلى، كانت تعد من أبرز الوجهات السياحية في إسرائيل. حيث يزور هذه المناطق سنويًا حوالي 1.5 مليون سائح.
أما بالنسبة للقطاع الزراعي. فقد تكبد خسائر فادحة نتيجة لعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم بسبب القصف المستمر. قدرت الخسائر الزراعية بنحو 500 مليون دولار، بينما تضررت محاصيل زراعية كبيرة في الجليل الأعلى. حيث تعرضت المحاصيل لأضرار جسيمة بسبب نقص العمالة. التي انخفضت بنسبة 90%. كما أغلقت 24 مزرعة حيوانية كبيرة لأسباب أمنية.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للمستقبل
تعتبر خسائر القطاع الزراعي أكثر من مجرد خسائر مالية. حيث أن هذه الخسائر تمثل ضربة لعلاقة المزارعين بالأرض. التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية في إسرائيل. فالمزارعون في الشمال، الذين يُعتبرون نموذجًا للوعي القومي، لعبوا دورًا محوريًا في حماية حدود إسرائيل وتمكين الاستيطان في هذه المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن الطبيعة التضامنية لسكان “الكيبوتسات” والمستوطنات الزراعية تجعل أي تدمير للمزارع أو المحاصيل خسارة جماعية يتحملها جميع السكان. وهو ما يعني أن هذه الخسائر قد تؤدي إلى تراجع في الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين المستوطنين في المستقبل.
أزمة التوظيف والاقتصاد في شمال إسرائيل
من جانب آخر، يعاني السكان الذين تم إجلاؤهم من الشمال من مشاكل اقتصادية كبيرة. وفقًا لاستطلاع أجرته شركة “مايند بول”. فإن 68% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم لم يتلقوا أي مساعدة توظيف منذ بداية الحرب، بينما أشار 32% إلى أنهم لا يجدون فرص عمل حاليًا، مما يعكس تآكل مهاراتهم المهنية. في الوقت نفسه، يعاني هؤلاء من ضغوط نفسية نتيجة لعدم استقرار الوضع الأمني والاقتصادي.
المستقبل المجهول لجبهة لبنان
على الرغم من محاولات إسرائيل إبقاء أهداف العملية البرية غامضة، إلا أن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل على مختلف الأصعدة العسكرية والاقتصادية قد تكون أكبر من المتوقع. وفي ظل الوضع الحالي، يمكن القول أن إسرائيل قد تجد نفسها في وضع أكثر تحديًا مما كان متصورًا. حيث ستكون الخسائر المستمرة على مختلف الجبهات أحد العوامل التي ستؤثر في استراتيجية إسرائيل العسكرية في المستقبل.
وفي الوقت نفسه. يواصل حزب الله تعزيز قدراته على الأرض. بينما يتعرض لمزيد من الضغوط نتيجة للهجمات العسكرية الإسرائيلية. ومع ذلك، تظل جبهة لبنان نقطة محورية في الصراع. حيث لا تزال الأوضاع الأمنية والاقتصادية غامضة، ولا تلوح في الأفق أي حلول قريبة.
اقرأ كذلك :عن صراعات السّاحات واستنزاف الذات.. المعارك التي يفضلها العدو