لماذا كُتبت لا إله إلا الله على دينار إنجليزي قبل ألف عام
دينار أوفّا ريكس بين هيبة الإسلام وقوة الاقتصاد وتحوّلات أوروبا المبكرة
لماذا كُتبت لا إله إلا الله على دينار إنجليزي قبل ألف عام … ارتبط تاريخ الإسلام بأوروبا منذ القرون الأولى. وصل المسلمون إلى الشرق الأوروبي عبر المواجهة مع البيزنطيين. ووصلوا إلى الغرب عبر فتح الأندلس. تمددوا شمالا حتى اقتربوا من باريس. ثم توقفت موجة التوسع بعد معركة بلاط الشهداء. ومع ذلك استمر التأثير الحضاري طويلًا. أثبتت المصادر وجودًا إسلاميًا أوسع من الأندلس فقط. شمل الوجود سويسرا وأجزاء من إيطاليا المبكرة. لذلك تعرّفت أوروبا على الإسلام باكرًا. ثم بدأت تتأثر بنظامه العلمي والتجاري. حمل التجار معهم منظومة أخلاق ومعرفة. وفتحت الموانئ أبوابها للتعامل مع العالم الإسلامي.
لم تقتصر العلاقة على الحروب. شملت أيضًا التجارة والدبلوماسية. نشطت القوافل البحرية والبرية. وتحركت السلع والمعارف عبر المتوسط. في العصرين الأموي والعباسي ازدهرت العلوم. ازدهرت الفلسفة والطب والرياضيات. ازدهرت الأنظمة والإدارة. لذلك نظر الغرب بإعجاب إلى هذا النموذج. ورأى فيه معيارًا للتقدم. أكد مؤرخون كبار هذا التفوق الأخلاقي والعلمي. وأشاروا إلى التسامح الديني. وإلى ارتفاع مستوى الحياة. وإلى شمولية التشريع الإنساني.
كانت هذه البيئة هي الخلفية التي مهّدت لظهور أثر استثنائي. تمثّل هذا الأثر في دينار إنجليزي يحمل عبارة التوحيد. يحمل شهادة أن لا إله إلا الله. ويحمل اسم محمد رسول الله. كان هذا الحدث صادمًا للوعي الغربي الحديث. لكنه كان منسجمًا مع سياق تلك المرحلة. مرحلة هيمنة الدينار الإسلامي. مرحلة قوة العباسيين. مرحلة انتشار النموذج الاقتصادي الإسلامي.
اكتشاف دينار يحمل التوحيد
اكتُشف دينار ذهبي في القرن التاسع عشر. حُفظ الدينار في روما. ثم انتشر خبره بعد تقرير علمي متخصص. أعد التقرير باحث في علم المسكوكات. أُرسل التقرير إلى جمعية مهتمة بالعملات القديمة في بريطانيا. اكتسب الدينار شهرة كبيرة. بدأ الباحثون يتساءلون عن أصله.
يشير النقش إلى ملك إنجليزي. يحمل الاسم اللاتيني OFFA REX. يعود التاريخ إلى القرن الثامن الميلادي. يوافق سنة 157 للهجرة. يحمل الوجه عبارة التوحيد الصريحة. ويحمل الظهر عبارة البسملة وتاريخ الضرب. يشبه شكله دينارًا عباسيًا معروفًا. يتطابق في النظام الكتابي. ويتشابه في توزيع الكلمات والمسافات.
هذا التطابق أثار جدلًا واسعًا. لماذا يقلّد ملك إنجليزي نموذج المسلمين. لماذا يكتب التوحيد على عملته. ما الدافع الحقيقي وراء ذلك. هل كان الدافع اقتصاديًا بحتًا. أم كان سياسيًا رمزيًا. أم كان دينيًا عقائديًا.
من هو أوفّا ريكس
عاش أوفّا ريكس في النصف الثاني من القرن الثامن. حكم بين عامي 757 و796 ميلادية. استطاع توحيد مملكته بعد صراعات طويلة. فرض هيمنته على ممالك أنجلوساكسونية عدة. جمع القوة العسكرية والصرامة السياسية. حمل ألقابًا عديدة. عُرف بلقب ملك مرسيا العظيم. نُظر إليه باعتباره من صناع بريطانيا المبكرة.
اعتمد أوفّا على التجارة. دعم طرق التبادل الخارجي. اعتبر الاقتصاد أساس الحكم المستقر. قال منسوبًا إليه إن الملك القوي يدعم التجارة. وهذا الاعتقاد انعكس في سياساته. فتح قنوات مع جيرانه الأوروبيين. حاول بناء علاقة مع شارلمان. وفكّر في توسيع نفوذه الدبلوماسي.
ترددت علاقته بالكنيسة الكاثوليكية. رفض في البداية الاعتراف الكامل بسلطة البابا. أدّى هذا الموقف إلى أزمة. ردّ شارلمان بمنع التجار الإنجليز من دخول فرنسا. تضرر اقتصاد أوفّا. فاضطر إلى مهادنة الكنيسة. قبل نفوذها. وتعهد بدفع هدايا سنوية للبابوية.
بين الكنيسة والاقتصاد
نشأت أزمة الثقة بين أوفّا والبابا. احتاج أوفّا إلى حل ذكي. أراد استعادة حركة التجارة. أراد فتح الممرات نحو المتوسط. ورأى أن مفتاح ذلك هو قبول عملة عالمية. في تلك المرحلة تصدر الدينار الإسلامي التجارة الدولية. انتشر في شمال إفريقيا. وصل إلى الأندلس وجنوب فرنسا. وصل إلى إيطاليا. وأصبح معيارًا للقيمة.
في الوقت نفسه كان العالم الإسلامي في قمّة نفوذه. حكم العباسيون بغداد. حكم المنصور ثم المهدي ثم الرشيد. ازدهرت الطرق التجارية. امتدت من الصين حتى الأندلس. أضحى الدينار رمزًا للقوة والاستقرار. لذلك وجد أوفّا في تقليده فرصة استراتيجية.
سكّ دينارًا ذهبيًا يشابه الدينار العباسي. استخدم الخط العربي. أثبت اسم محمد رسول الله. وضع البسملة والتاريخ الهجري. وأعلن اسمه في مركز العملة. فجمع بين رمزين. رمز هيبته السياسية. ورمز قوة الإسلام الاقتصادية.
دينار على خطى العباسيين
يتطابق دينار أوفّا مع النمط العباسي البغدادي. لا يشبه النمط الأندلسي. هذا التشابه يشير إلى اتصال غير مباشر ببغداد. أو اتصال عبر وسطاء تجاريين مسلمين. ربما دخل تجار مسلمون إنجلترا. وربما حملوا معهم نماذج للدنانير.
استخدمت أوروبا مصطلحًا عربيًا لتسمية هذه العملة. أطلقوا عليها مانكوس. وهو تحريف لكلمة منقوش. ظهر المصطلح في وثائق لاتينية عدة. وظهر في إيطاليا في أكثر من مئة موضع. كما ظهر في إنجلترا. وهذا دليل على حضور قوي للعملة الإسلامية.
اعتبر الأوروبيون الدينار الإسلامي مرجعًا للقيمة. استخدموه في التجارة الكبرى. احتفظ به الأثرياء. اعتمدوا عليه في التبادل الدولي. لذلك اختار أوفّا هذا النموذج. لم يختره عبثًا. اختاره لأنه يفتح الأبواب المغلقة.
هل كان قرارًا سياسيًا فقط
يرى بعض المؤرخين أن أوفّا لم يعتنق الإسلام. وأنه فقط قلد نموذجًا قويًا. أراد عملة تقبل في الأسواق الإسلامية. وأراد إرضاء شركائه التجاريين. رفضت الأسواق الإسلامية العملات التي تحمل الصليب. لذلك لجأ إلى كتابة التوحيد.
ويرى آخرون أن الاختيار كان أكثر من اقتصادي. استندوا إلى مكان العثور على الدينار. قالوا إن وجوده في روما يحمل رسالة خفية. قالوا إن إرسال جزية تحمل التوحيد للبابا أمر مستبعد. لأن الكنيسة لم تكن لتقبل ذلك. خاصة في عصر لاحق عُرف بالعداء الصليبي.
أشار باحثون إلى أن العملات الصليبية التي حملت اسم محمد لاحقًا رُفضت من البابوية. وهذا يدل على أن الكنيسة رفضت الرموز الإسلامية. لذلك يفترض البعض أن أوفّا كان قد اعتنق الإسلام سرًا. أو أبدى تعاطفًا عميقًا مع عقيدته.
أثر التجار المسلمين
اشتهر التجار المسلمون بأخلاقهم. عُرفوا بالأمانة والاستقامة. حملوا الدعوة بسلوكهم. أقاموا علاقات إنسانية قبل الاقتصادية. في جنوب شرق آسيا أسلمت شعوب كاملة بسببهم. وفي إفريقيا فعلوا الأمر ذاته.
دخلوا إلى الموانئ الأوروبية. باعوا واشتروا. نقلوا العلوم والبضائع. وربطوا العالم القديم بشبكة واسعة. ليس مستبعدًا أن يكون بعضهم قد ناقش التوحيد مع أوفّا. ليس مستبعدًا أن يكونوا قد شرحوا معنى النقش. وما يحمله من دلالة إيمانية.
ربما رأى أوفّا في الإسلام دينًا واضحًا. توحيديًا بسيطًا. يخلو من التعقيد اللاهوتي. وربما استهواه نظامه الأخلاقي. وربما انجذب إلى مفهوم العدل فيه. كلها احتمالات قائمة.
الشواهد الأركيولوجية
اكتُشفت في بريطانيا عملات إسلامية أخرى. وصل عددها إلى أكثر من مئة وسبعين قطعة. تعود إلى ما قبل عام 1100 ميلادية. تنوعت بين ذهبية وفضية. انتشرت في مجموعات خاصة ومتاحف.
أكد باحثون من جامعة كامبردج هذا الاكتشاف. درسوا دلالاته الاقتصادية. أكدوا وجود شبكة تبادل مع العالم الإسلامي. لم يكن الأمر حادثًا فرديًا. بل كان ظاهرة ممتدة.
هذا يثبت أن اتصال بريطانيا بالإسلام لم يبدأ متأخرًا. بل بدأ منذ القرون الأولى. وهذا يعطي دينار أوفّا سياقه الطبيعي. لم يكن معزولًا. بل كان جزءًا من شبكة عالمية.
البعد الديني للحدث
ينظر فريق من الباحثين إلى الدينار بوصفه إعلانًا للإسلام. يرون فيه تحولًا دينيًا في حياة الملك. يستندون إلى اختفاء بعض الوثائق من عصره. يستدلون على تغيّر مواقفه من الكنيسة. ويرون أنه ربما اعتنق الإسلام ثم أُخفي الأمر.
ويستشهدون بقصة النجاشي. حين أسلم ملك حبشة على يد جعفر. ويرون التشابه في السياق. ملك يسمع عن الإسلام عبر التجار. ثم يتأثر في داخله. ثم يعبّر عن إيمانه بطريقة ما.
لكن لا توجد وثيقة صريحة تؤكد ذلك. لذلك يبقى الأمر في دائرة الاحتمال. يظل الدينار هو الشاهد الأقوى. لكنه لا يحسم الجدل بشكل نهائي.
الدينار كرمز للهيمنة الإسلامية
مهما اختلفت التفسيرات. يبقى الدينار شاهدًا على قوة الإسلام. وعلى نفوذ الدولة العباسية. وعلى سيادتها الاقتصادية. أصبحت عملتها نموذجًا عالميًا. وأصبحت لغتها معبّرة عن القوة والمعيار.
بعد ذلك بقرون استنجد ملوك من الشمال بالعباسيين. طلبوا علماء ودعاة وأطباء. ظهر هذا بوضوح في رحلة ابن فضلان. أكد أن العالم الإسلامي كان قبلة للعلم. وكان مرجعًا للخبرة.
لذلك لا يجب أن يقف النقاش عند سؤال إسلام أوفّا فقط. بل يجب أن يتوسع لفهم الصورة الكبرى. صورة حضارة قادت العالم. وفرضت نموذجها بالعلم والأخلاق والتجارة.
قراءة تاريخية أعمق
عندما نقرأ تاريخ الدينار نفهم طبيعة العلاقات بين الأمم. نفهم أن السيف وحده لم يكن أداة الانتشار. بل كانت الأخلاق والمعرفة والتجارة. نفهم أن الهيمنة لا تكون بالقوة فقط. بل بالمثال والعدل والتنظيم.
الدينار الذهبي يحمل وزنًا رمزيًا كبيرًا. يحمل حكاية زمن كان فيه الإسلام في الصدارة. ويحمل تذكيرًا بأهمية القيم في بناء الحضارات. ويحمل درسًا للأمم المعاصرة.
إنه ليس مجرد قطعة ذهب. إنه وثيقة تاريخية ناطقة. تروي قصة تفاعل ثقافي عميق. وتكشف عن مرحلة نادرة من الانفتاح والتبادل.
خلاصة الرؤية
سواء كان أوفّا مسلمًا أو متأثرًا فقط. وسواء كان مقلدًا أو مؤمنًا. فإن الحقيقة الثابتة هي أن الإسلام دوّن أثره على عملة أوروبية. وأن التوحيد نُقش على ذهب ملك غربي. وأن ذلك لم يكن حادثًا عابرًا. بل كان انعكاسًا لواقع تاريخي واضح.
لقد أثبت الدينار أن الحضارة الإسلامية بلغت ذروة الاعتراف العالمي. وأثبت أن أوروبا لم تكن مغلقة. بل كانت تتبادل التأثير والتأثر. لذلك يجب قراءة هذا الحدث بعين منفتحة. وبعقل علمي. وبقلب يتأمل سنن التاريخ.
اقرأ كذلك: السلطان علي دينار: آخر سلاطين دارفور الذين حاربوا الإنجليز