خطة إسرائيل الجديدة للقضاء على المقاومة: قراءة تحليلية متعمقة
غزة بين الإعمار والنزاع: مستقبل القطاع بعد هدنة ترامب
تسلمت إسرائيل جميع أسرها الأحياء، بينما احتفظت كتائب القسام بأغلب جثث القتلى.
برزت جثة العقيد أساف حمامي قائد اللواء الجنوبي في فرقة غزة يوم الاثنين 3 نوفمبر، كأرفع ضابط إسرائيلي تأسره المقاومة.
يوشك ملف تبادل الأسرى على الوصول إلى نهايته، وهو الملف الذي أرهق بنيامين نتنياهو، بسبب الضغط المجتمعي وعائلات الأسرى وقيادة الجيش، التي تعتبر استعادة الجنود الأسرى التزامًا أخلاقيًا.
على الرغم من أهميته، يعد ملف تبادل الأسرى من الملفات الأكثر سهولة مقارنة بالملفات السياسية الأخرى.
فالملفات السياسية المعقدة تتعلق بمصير قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
إنجاز هذا الملف قد يكون مؤشرًا إيجابيًا للتقدم في ملفات أخرى، لكنه لا يغيّر من التزامات إسرائيل الأمنية والإنسانية.
فالاحتلال لم يلتزم بإدخال أكثر من 25% من المساعدات الغذائية والطبية، ولم يوفر سوى 10% من المحروقات الضرورية.
كما استمر القصف على القطاع، مما أدى إلى ارتقاء أكثر من 250 شهيدًا ومئات الجرحى، ما يشير إلى سوء نية متعمد.
حقل ألغام: ملفات معقدة ما بعد وقف إطلاق النار
رغم الاتفاق على وقف الإبادة الجماعية، ورفض التهجير، وإدخال المساعدات نسبيا، إلا أن الاتفاق يحوي ملفات شائكة.
هذه القضايا تشكل بيئة خصبة للصدام السياسي أو الأمني لاحقًا.
إدارة قطاع غزة بين رؤيتين متعارضتين
خطة الرئيس ترامب تقترح تشكيل لجنة إدارية من فلسطينيين تكنوقراط ومتخصصين دوليين، بقيادة رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، لإدارة البلديات والخدمات العامة تحت إشراف “مجلس السلام”.
تستمر هذه الصيغة حتى تكمل السلطة الفلسطينية برنامج الإصلاح، ما قد يحول هذه الهيئة المؤقتة إلى دائمة، وفق المنظور الأميركي الإسرائيلي.
في المقابل، ترغب حركة حماس والقوى الفلسطينية بأن تدير غزة هيئة فلسطينية بقيادة فلسطيني من القطاع أو وزير من رام الله.
ويجب أن تحصل الهيئة على إجماع وطني، مع إشراف “مجلس السلام” على الإعمار، وضمان الشفافية في عمل الهيئة المكلفة.
نزع سلاح المقاومة وتحفظ مصر
تنص الخطة على نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية، خاصة الأنفاق.
كما يشترط استكمال انسحاب جيش الاحتلال من غزة بعد إنجاز هذه المهمة، لضمان عدم تهديد القطاع لإسرائيل.
في المقابل، تعتبر حركة حماس السلاح جزءًا من حقها الوطني وترتبط بوجود الدولة الفلسطينية.
صرّح السيد ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، بأن مصر تتحفظ على نزع سلاح المقاومة دون تحقيق الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير.
وأضاف أن غزة كانت تاريخيًا البوابة الشرقية لمصر، وأن وقوعها تحت الاحتلال لا يصب في مصلحة القاهرة.
القوات الدولية: حماية أم فصل؟
طرح خطة ترامب إنشاء قوات استقرار دولية لتأمين الحدود ومنع دخول الأسلحة.
هذا الغموض يثير خلافًا بين الوسطاء، وبينهم وبين الاحتلال الإسرائيلي.
ترفض إسرائيل مشاركة تركيا وقطر في هذه القوات، رغم دورهما الضامن للاتفاق.
تركيا تعتبر حماس حركة تحرر وطني، وتدعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وجود قوات تركية يمنح أنقرة ورقة قوة إضافية في مواجهة النفوذ الإسرائيلي.
وتبقى مرجعية هذه القوات ونطاق صلاحياتها قيد النقاش في الأمم المتحدة، بين مجلس الأمن والولايات المتحدة، والصين وروسيا.
الحرب لم تنته بعد: ملفات عالقة
أنهت خطة ترامب الجولة الأولى من الحرب، بوضع حد للإبادة الجماعية ومنع التهجير، وإعادة الإعمار نسبيًا، لكنه ترك ملفات مركزية عالقة.
من أبرزها: نزع سلاح المقاومة، وخضوع القطاع للوصاية الدولية الطويلة الأمد، دون تمكين الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.
هذا الواقع يجعل الاتفاق هشًا بعد عامين من القتال، وفي ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة.
الخشية قائمة من عودة التصعيد في القطاع، فواشنطن وتل أبيب لم تتراجعا عن أهداف الحرب.
الخطة تهدف إلى إبعاد حماس عن الإدارة، ونزع السلاح، ووضع غزة تحت وصاية دولية، بدل الاحتلال المباشر.
غزة غزتان: استراتيجية تقسيم القطاع
الاحتلال يسعى للسيطرة على أجزاء واسعة من غزة لضمان المعادلة الأمنية، وابتزاز الفلسطينيين عبر المعابر والحصار، وتعطيل الإعمار.
قد يعمل الاحتلال على مسارين متوازيين:
-
المسار الأول: استثمار الكارثة الإنسانية لتعطيل الإعمار، ودفع الفلسطينيين للخروج من القطاع، بحثًا عن العلاج والعمل والتعليم.
-
المسار الثاني: تقسيم غزة إلى غزتين، شرقية وغربية، إذا تعثرت مراحل خطة ترامب المتعلقة بنزع سلاح المقاومة والوصاية الدولية.
يتركز النصف الغربي من القطاع تحت إدارة حماس، ويضم نحو مليوني فلسطيني، أما النصف الشرقي فهو فارغ ويقع تحت سيطرة الاحتلال.
تخطط إسرائيل بدعم أميركي لإعادة تأهيل المناطق الشرقية لاستيعاب السكان الراغبين بالعيش تحت السيطرة الإسرائيلية، مع خدمات عامة ومساعدات وإمكانية استئناف الحياة.
الإدارة الدولية والمراقبة
يشرف مكتب التنسيق المدني والعسكري الأميركي على متابعة الشؤون اللوجيستية لاتفاق وقف إطلاق النار.
يتم تسليم المساعدات الإنسانية إلى قوة الاستقرار الدولية في المناطق الشرقية.
ينص البند (17) في خطة ترامب على البدء بتنفيذ إجراءات إعادة الإعمار في حال رفض حماس المقترح، بما يشمل المناطق الخالية من الإرهاب شرق الخط الأصفر.
تدعم تصريحات نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس هذا السيناريو، مع توقع بدء إعادة الإعمار للسكان شرق القطاع خلال سنتين إلى ثلاث.
الهدف: تفكيك الحاضنة الشعبية
تسعى خطة إسرائيل للقضاء على المقاومة إلى فصل الفلسطينيين في غزة إلى قسمين:
-
قسم يعاني من الحرمان تحت إدارة حماس غرب الخط الأصفر.
-
قسم يعيش إعادة إعمار تحت السيطرة الإسرائيلية شرق الخط الأصفر.
يهدف هذا التقسيم إلى الضغط على الحاضنة الشعبية لعزلها عن المقاومة، وإضعاف الدعم الشعبي لحركة حماس، واستنزاف قدراتها في مواجهة الاحتلال.
خاتمة: واقع غزة بعد الجولة الأولى من الحرب
الحرب توقفت، ولكن المعركة السياسية والاستراتيجية مستمرة.
القضاء على المقاومة لم يتحقق بعد، والحضن الشعبي الفلسطيني يبقى أساس قوة المقاومة.
تستمر إسرائيل وأميركا في تنفيذ أهداف الحرب عبر المفاوضات واستثمار الكارثة الإنسانية لتطويع الموقف الفلسطيني.
هذا السيناريو يعكس أن الجولة الأولى انتهت فقط شكليًا، لكن المواجهة الحقيقية لم تنتهِ بعد، والفصل بين غزة الغربية والشرقية أصبح جزءًا من خطة مستقبلية.
اقرأ كذلك: كيف ستواجه إيران “البلدوزر” الأميركي؟