هل آن الأوان لرحيل اليهود من فلسطين؟
تصاعد التهديدات الوجودية لإسرائيل مع كشف حزب الله عن منشأة صاروخية جديدة وإشارات إلى قرب تطبيق "عقدة الثمانين" التي تهدد بقاء الدولة
هل آن الأوان لرحيل اليهود من فلسطين؟ .. في تصريح أدلى به الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يوم السبت، 17 أغسطس/آب الجاري، دعا إلى ضرورة طرد ما أسماه بالكاهانية من الحكومة الإسرائيلية. كان هرتسوغ يشير بشكل مباشر إلى الوزراء المنتمين إلى التيار اليميني المتشدد . هذا التصريح أثار جدلًا واسعًا، خاصة أنه جاء في سياق نقاش ساخن بينه وبين متظاهرين معارضين لحكومة بنيامين نتنياهو .
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية وصفت تصريح هرتسوغ بغير المسبوق. وأشارت إلى أن هذه التصريحات تعكس التوتر المتصاعد بين القيادة الإسرائيلية والمحتجين ضد سياسات الحكومة الحالية . يمين متطرف! . لكن، هل يعقل أن تكون حكومة نتنياهو المكونة من هذا التيار الديني المتشدد، قد وصلت إلى حد المطالبة بضرب غزة بقنبلة نووية؟ إذًا، يمكن القول إن هرتسوغ يدعو ضمنيًا إلى إقالة نتنياهو . ولكن، هل سيتحقق هذا الأمر في الواقع؟
الكارثة الإنسانية في غزة وتداعياتها
كشف موقع بلومبيرغ الأميركي أن الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة تسببت حتى الآن في تراكم أكثر من 42 مليون طن من الركام. هذه الكمية تكفي لملء خط من الشاحنات يمتد من نيويورك حتى سنغافورة. إزالة هذا الكم الهائل من الأنقاض قد يستغرق سنوات، مع تكلفة تصل إلى 700 مليون دولار.
الجميع يتفق على أن ما حدث في غزة هو نكبة إنسانية وكارثة على الصعيد العالمي. ما يجري في غزة لا مثيل له في التاريخ المعاصر. بنيامين نتنياهو يبرر هذه الأعمال كرد على ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن هذا التبرير يفتقر للمنطق. كيف يمكن تفسير الأعمال الإرهابية التي يمارسها المستوطنون في الضفة الغربية؟ بعض الدول الغربية فرضت عقوبات على المستوطنين بسبب هذه الانتهاكات.
هذا السلوك العدائي لا يحتاج إلى حافز، بل ينبع من فكر استيطاني تطهيري. الحكومات الإسرائيلية لم تتمكن منذ عام 1948 وحتى اليوم من إزالته من عقول مواطنيها. وجود وزراء مثل إيتمار بن غفير في حكومة نتنياهو، يعزز هذه العقلية. بن غفير حول “شباب التلال” إلى ميليشيا مسلحة تمارس العنف والقتل، حتى ضد الإسرائيليين الذين لا يتفقون معهم. في مطلع شهر أغسطس/آب الجاري، كانت هذه المجموعة على وشك إعدام 5 إسرائيليين في بؤرة استيطانية غير قانونية.
إسرائيل تشهد حاليًا تخبطًا حكوميًا بسبب الانقسامات حول كيفية التعامل مع الوضع. هناك فريق يدعم التوصل إلى مفاوضات لوقف الحرب وإعادة الأسرى، بينما يهدد آخرون بالاستقالة من الحكومة إذا حدث ذلك. في أكثر من 40 موقعًا، تندلع احتجاجات في إسرائيل للمطالبة بإتمام صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. المتظاهرون هددوا بتصعيد الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو إذا لم تتم الصفقة.
الفوضى في الداخل الإسرائيلي وتداعياتها
“الفوضى” هو الوصف الأكثر دقة لما يحدث في الداخل الإسرائيلي اليوم، وهو ما كانت عليه فلسطين بالأمس قبل صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 في عام 1948، الذي اعترف بدولة إسرائيل. في تلك الفترة، كانت الجماعات اليهودية ذات الفكر الصهيوني، المشبّع بالثأر والانتقام، هي المسيطرة. ظهرت “هشومير”، وهي أول منظمة عسكرية يهودية تأسست عام 1909 لحماية المستوطنات اليهودية. تكونت من يهود هاجروا إلى فلسطين بداية القرن العشرين. تطورت هذه المنظمة مع مرور الوقت، وفي عام 1920 تم حلها، لينضم أعضاؤها إلى قوة عسكرية منظمة جديدة تسمى “الهاغانا”.
اليوم، يعيد الفكر المتطرف ترتيب أوراقه داخل الحكومة وفي أرض الميدان، بدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية، التي حشدت قوة عسكرية كبيرة لحماية هذا الكيان. يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن مع فارق واحد واضح، وهو وجود قوة رادعة ذات حضور فعّال في المنطقة، بل وفي قلب فلسطين. ورغم الدمار الوحشي الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي، فإن رسائل المقاومة من قبل حركة حماس ما زالت مستمرة.
إسرائيل فهمت جيدًا الرسائل الموجهة إليها من حركة حماس وحزب الله في لبنان، خاصة بعد بدء المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق الرهائن. هذه المفاوضات عقدت في الدوحة في 15 أغسطس/آب الجاري بحضور ممثلين عن مصر وقطر والولايات المتحدة.
في هذا السياق، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها أطلقت يوم الثلاثاء 13 أغسطس/آب الجاري صاروخين من طراز “إم-90” على تل أبيب، ردًا على المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن أحد الصواريخ سقط في البحر، بينما لم يصل الآخر إلى هدفه.
الأمر المهم هنا ليس أين سقط الصاروخان، أو إذا أصابا أهدافهما الميدانية، بل توقيت إطلاقهما من داخل القطاع المدمر. هذه الصواريخ تحمل رسائل سياسية واضحة، تؤكد أن حماس ترفض أي تعديل على مقترحات بايدن لوقف إطلاق النار، وأن أي إضافات تحاول حكومة نتنياهو فرضها مرفوضة. هذا يعني الفشل، واستمرار الحرب.
حزب الله يكشف عن منشأة عسكرية جديدة ورسائل تهديد لإسرائيل
في 16 أغسطس/آب، نشر الإعلام الحربي لحزب الله في لبنان مقطعًا مصورًا بعنوان “جبالنا خزائننا”. هذا الفيديو يعرض منشأة عسكرية تدعى “عماد 4″، وهي مجهزة لإطلاق صواريخ ثقيلة على إسرائيل. تعتبر المقاومة هذه المنشأة واحدة من عدة منشآت أخرى، بعضها أكبر وأكثر أهمية، وتحتوي على صواريخ أكبر وأثقل وأكثر دقة.
رسائل عديدة وصلت إلى القيادة الإسرائيلية، تشير إلى خطورة الوضع الحالي. إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا، وهو ما أكده بنيامين نتنياهو في بداية حربه على قطاع غزة. يعتبر البعض أن العد التنازلي لعودة الإسرائيليين إلى أرض الشتات قد بدأ فعليًا، خاصة مع اقتراب تحقيق “عقدة الثمانين”، وهي نظرية تحدث عنها عدة كتّاب إسرائيليين. هذه النظرية تشير إلى أن دولة إسرائيلية قد لا تعمّر لأكثر من ثمانين عامًا.
في ظل الرسائل التي تتوالى وصمود محور الممانعة، ومع تصاعد الفوضى الداخلية في إسرائيل، يبقى السؤال: هل حان وقت الرحيل؟
اقرأ كذلك: تصريح الشيخ أدرعي بشنّ الحرب المقدسة ضد اليهود