مدونات

ساعة الصفر بين إيران وإسرائيل. مؤشرات التصعيد. وتحولات الإقليم على حافة الانفجار الهادئ

كيف تكتب السياسة فصلاً جديداً في صراع الظل. ولماذا تترقّب الأسواق والجيوش والناخبون اللحظة القادمة

بعد مرور ما يقارب خمسة أشهر على الجولة الأولى من التوتر المباشر بين إيران وإسرائيل. تعود مؤشرات التصعيد إلى الواجهة من جديد. وتتصاعد النبرة السياسية والعسكرية في أكثر من اتجاه. في المنطقة وخارجها. وكأن المشهد يُعيد ترتيب نفسه. استعداداً لجولة ثانية مختلفة في أدواتها. ومقلقة في نتائجها.

تتراكم الإشارات يوماً بعد يوم. وتتحول التفاصيل الصغيرة إلى قرائن كبيرة. وتصبح التحركات غير المعلنة أكثر وضوحاً من البيانات الرسمية. ولهذا السبب. بدأ المراقبون يتحدثون عن اقتراب لحظة حاسمة. لحظة يطلق عليها البعض اسم “ساعة الصفر بين إيران وإسرائيل”.

هذا التعبير لا يحمل فقط معنى عسكرياً. بل يعبّر عن لحظة سياسية واقتصادية وإستراتيجية شاملة. لأن أي صدام واسع لن يبقى محصوراً بين دولتين فقط. بل سيفتح أبواب المجهول على الإقليم والعالم.


أولاً. مؤشرات عالمية لا يمكن تجاهلها

في الأسابيع الأخيرة. شهدت الأسواق العالمية اضطراباً واضحاً. وارتفعت مؤشرات القلق الجيوسياسي. كما شهدت أسواق الطاقة تحركات غير معتادة. وقفز سعر النفط عدة مرات خلال أيام متفرقة. رغم أن الإنتاج لم يتغير بشكل جذري.

هذه التقلبات لا تأتي من فراغ. بل ترتبط بالخوف من توسع النزاع في الشرق الأوسط. خاصة في منطقة الخليج العربي. حيث يمر جزء كبير من إمدادات الطاقة العالمية.

كذلك. عاد المستثمرون إلى الملاذات الآمنة. مثل الذهب والدولار. وهي عادة تترافق مع فترات التوتر السياسي والعسكري. وهذا السلوك يعكس توقعاً غير معلن بحدوث اضطرابات أكبر في المستقبل القريب.

ورغم أن بعض الأسواق تعافت بسرعة بعد كل هبوط. إلا أن حالة القلق لم تختفِ. بل بقيت كامنة تحت السطح. تنتظر أي شرارة جديدة لتعود بقوة.


ثانياً. مضيق هرمز في دائرة الضوء

يعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وتمر عبره نسبة كبيرة من صادرات النفط والغاز. لذلك. فإن أي تحرك عسكري أو أمني فيه يحمل رسائل تتجاوز حدود المنطقة.

خلال الفترة الماضية. كثّف الحرس الثوري الإيراني من وجوده البحري في المضيق. ونفذ تدريبات واسعة. وعزز نقاط المراقبة. كما سجلت حالات اعتراض لسفن تجارية. بذريعة مخالفة القوانين أو لدواعٍ أمنية.

هذه التحركات فُهمت على أنها رسالة واضحة لواشنطن وحلفائها. بأن طهران تملك أوراق ضغط اقتصادية حساسة. وأنها قادرة على التأثير المباشر في السوق العالمية للطاقة.

وهذا ما يفسر القلق الأمريكي المتزايد. لأن أي اضطراب في هذا الممر قد ينعكس بشكل مباشر على الأسعار. وعلى الاقتصاد الأمريكي نفسه. خاصة في أوقات الاستحقاقات الانتخابية.


ثالثاً. الدعم العسكري لإسرائيل يتسارع

في الجانب الآخر. لم تتوقف واشنطن عن دعم إسرائيل عسكرياً. بل على العكس. سارعت في تسليم دفعات جديدة من الذخائر والصواريخ الدقيقة. التي توصف بأنها خارقة للتحصينات.

هذه الأسلحة ليست عادية. بل صُممت لاستهداف المواقع المحصنة والعميقة. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الهدف المحتمل يتجاوز حدود غزة ولبنان. وقد يمتد إلى منشآت داخل العمق الإيراني.

المعلومات المتداولة تتحدث عن صفقات بمليارات الدولارات. تشمل صواريخ جو أرض متطورة. وقنابل موجهة بدقة عالية. وأنظمة دعم إلكتروني واستخباراتي.

هذا التسليح المتقدم يعكس استعداداً واضحاً لسيناريو واسع. وليس مجرد دفاع موضعي. كما أنه يرسل رسالة سياسية مفادها أن واشنطن تقف وراء تل أبيب في أي خطوة كبيرة.


رابعاً. استراتيجية تصوير إيران ضعيفة وخطيرة

في المشهد الإعلامي الغربي. عادت اللغة القديمة بثوب جديد. يتم تصوير إيران على أنها ضعيفة اقتصادياً. ولكن خطيرة عسكرياً. ومضطربة داخلياً. لكنها طموحة خارجياً.

هذا الخطاب يخدم هدفاً مهماً. وهو تهيئة الرأي العام لأي مواجهة قادمة. عندما يتم وصف الخصم بهذا الشكل. يسهل تسويق فكرة ضربه تحت عنوان “الدفاع الوقائي”.

ولذلك. انتشرت تقارير تتحدث عن مصير البرنامج النووي. وعن غموض كمية اليورانيوم المخصب. وعن مواقع سرية جديدة. وعن تعاون محتمل مع قوى دولية منافسة للغرب.

كل هذه الروايات. سواء كانت دقيقة أو مبالغاً فيها. تصب في اتجاه واحد. وهو خلق مناخ نفسي مهيأ للتصعيد المقبل.


خامساً. الماء. سلاح جديد في الحرب غير التقليدية

لم تعد الحروب الحديثة تعتمد فقط على الصواريخ والطائرات. بل دخلت الأزمات البيئية على خط الصراع. وفي مقدمتها ملف المياه.

تعاني عدة مناطق في إيران من انخفاض حاد في مخزون السدود. وتراجع مستويات الأمطار. واشتداد فترات الجفاف. وهذا الواقع ضغط بقوة على الحياة اليومية للمواطن.

هذا الوضع استثمرته أطراف معادية. عبر حملات إعلامية واسعة. تُظهر عجز الحكومة عن إدارة الموارد. وتضخم مشاعر الغضب والاحتقان.

وهكذا. تحولت أزمة الماء إلى أداة ضغط سياسي. ووسيلة لإثارة الفوضى الداخلية. في محاولة لإضعاف الجبهة الداخلية قبل أي مواجهة خارجية.


سادساً. تصعيد الخناق على حلفاء طهران

لم تقتصر الضغوط على إيران نفسها. بل امتدت إلى حلفائها في المنطقة. خاصة في لبنان والعراق.

في لبنان. عاد ملف سلاح حزب الله إلى الواجهة بقوة. وطالبت جهات دولية الحكومة باتخاذ خطوات واضحة لنزع هذا السلاح. بحجة تطبيق القرارات الدولية.

كما لوّحت إسرائيل بتوسيع عملياتها إذا لم يحدث تغيير ميداني في الجنوب. وبدأت بالفعل ببناء تحصينات عسكرية جديدة قرب الحدود.

أما في العراق. فقد وصلت رسائل شديدة اللهجة إلى بغداد. تحذر من أي دعم للفصائل المرتبطة بإيران. وتتوعد برد قوي إذا حدث أي تدخل منها في نزاع مقبل.

هذه الضغوط المتزامنة تشير إلى خطة شاملة. تهدف إلى تقليص نفوذ طهران الإقليمي. قبل الانتقال إلى المرحلة التالية.


سابعاً. السياسة الداخلية وقود إضافي للأزمة

العامل الانتخابي لا يمكن تجاهله. ففي الولايات المتحدة. تقترب الاستحقاقات الانتخابية. ويصبح كل ملف خارجي ورقة سياسية داخلية.

وكذلك في إسرائيل. يواجه نتنياهو تحديات سياسية وقضائية وشعبية. ويحتاج إلى إنجاز كبير يعيد تقديمه كرجل أمن قوي.

في التاريخ السياسي. كثيراً ما استُخدمت الحروب القصيرة لصناعة الزعامة. أو لتأجيل الأزمات الداخلية. وهذا ما يجعل مراقبين يربطون بين التوقيت المحتمل لأي تصعيد. وبين مواعيد الانتخابات المقبلة.


ثامناً. إعادة بناء القوة في إيران

في المقابل. لم تجلس طهران مكتوفة الأيدي. بل بدأت عملية مراجعة شاملة لما حدث في الجولة السابقة. وسعت إلى سد الثغرات. وتعزيز منظومات الدفاع الجوي. وتطوير قدرات الردع.

وتحدثت تقارير عن شراء منظومات متقدمة. وعن تحديث أسطول الطيران العسكري. وعن تعاون تقني مع قوى كبرى.

هذا يعني أن مرور الوقت قد لا يصب في مصلحة إسرائيل. بل قد يمنح إيران قدرة أكبر على الرد في المستقبل. ولهذا السبب. قد يصبح عامل الزمن سبباً للتعجيل لا للتأجيل.


تاسعاً. محاولة إعادة مفتشي الطاقة الذرية

في أحد الخطوط الدبلوماسية المهمة. ظهرت محاولات أوروبية لإعادة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى بعض المواقع الإيرانية.

هذه الخطوة تُقرأ بطريقتين. الأولى تهدف للرقابة والاحتواء. والثانية تهدف لجمع معلومات دقيقة يمكن استخدامها لاحقاً في أي خطة عسكرية.

وبين هذا وذاك. يبقى الملف النووي الإيراني محوراً حساساً. وذريعة جاهزة لأي تصعيد مرتقب.


عاشراً. ساعة الصفر تقترب ببطء

عندما نجمع كل هذه العناصر معاً. نرى صورة معقدة ولكنها مترابطة. أسواق قلقة. مضائق حساسة. أسلحة متقدمة. أزمات داخلية. ضغوط إقليمية. واستحقاقات سياسية.

كلها تشكل مشهداً يبدو فيه أن العد التنازلي قد بدأ بالفعل. ولكن دون إعلان رسمي.

وربما تكون أخطر مراحل الصراع هي تلك التي تسبق الانفجار. لأنها تكون مليئة بالإشارات الصامتة. والقرارات السرية. والتحركات الخفية.

ولهذا. فإن “ساعة الصفر بين إيران وإسرائيل” لم تعد مجرد تعبير إعلامي. بل أصبحت احتمالاً جيوسياسياً قائماً. ينتظر فقط لحظة التحول من التوتر إلى الفعل.


الخلاصة الاستراتيجية

ما يحدث اليوم ليس حدثاً منفصلاً. بل نتيجة تراكمات طويلة من الصراع غير المباشر. والأهداف المتعارضة. والتحالفات المتبدلة.

ووسط هذا المشهد. يبقى الشرق الأوسط أمام مفترق طرق جديد. إما أن يتجه نحو احتواء حذر. أو ينزلق إلى مواجهة أوسع. قد تغير شكل المنطقة لسنوات طويلة.

ومع كل يوم يمر. تزداد أهمية المتابعة الدقيقة. لأن ما سيأتي بعدها. قد لا يشبه ما قبلها أبداً.

اقرأ كذلك: إسرائيل تغتال قيادياً عسكرياً بارزاً في حزب الله وتفجّر توتراً جديداً في لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات