مدونات

لماذا يصر أمن السلطة على ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية مع تصاعد الأحداث ؟

تحولات النضال الوطني الفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو: التعاون الأمني والتحديات وسبل تحقيق الاستقلال

في هدوء تام، دخل قيس السعدي، الأسير الفلسطيني المحرر وأحد قادة كتائب القسام . الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) – إلى محل الملابس في حي الهدف بمخيم جنين في الضفة الغربية. لكن هذا الهدوء تحوّل إلى صخب واشتباكات عنيفة مع ظهور عناصر من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية.

ومن خلال كاميرات المراقبة التي وثقت الحادث، حاول العشرات من عناصر أمن السلطة اقتحام المحل واعتقال السعدي. الذي لاحظ الأمر في اللحظات الأخيرة وهرب بسرعة، ولكن أفراد الأمن الوقائي أطلقوا النار عليه. أصيب السعدي بجروح متوسطة، لكنه تمكّن من الفرار.

وعندما انتشرت الأنباء، توجه العشرات من مقاتلي المقاومة الفلسطينية إلى المخيم لنجدة أحد قادتهم. واندلعت اشتباكات بين أجهزة الأمن الفلسطينية والمقاومين في مخيم جنين استمرت لساعات.

وقد نجا السعدي، الذي كان يتعرض لمطاردة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ إطلاق سراحه في عام 2021. من محاولات اغتيال إسرائيلية عدة.

تأتي هذه الاشتباكات في سياق اشتداد الصراعات. حيث وقعت اشتباكات بين المقاومين وأجهزة الأمن الفلسطينية في مدينة طوباس الشهر الماضي. خرج المقاومون إلى شوارع المدينة لمواجهة احتمال اقتحام قوات الاحتلال للمدينة بعد رصد تواجد عسكري إسرائيلي في المنطقة. ولكنهم تفاجؤوا بمطاردتهم من قبل عناصر الأمن الفلسطينية، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين الجانبين.

وفي يناير الماضي، اتهمت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – الأجهزة الأمنية الفلسطينية باغتيال المقاومين أحمد هاشم عبيدي وبهاء الكعكبان.

تصعيد الأجهزة الفلسطينية في مواجهة المقاومة والتنسيق الأمني مع إسرائيل

“للأسف الشديد في وقت تتشكل فيه غرفة عمليات في وزارة الأمن القومي الإسرائيلي التي يقودها اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، لوضع خطط للقضاء على المقاومة في الضفة الغربية ووقف عملياتها خلال شهر رمضان المبارك. تسارع كافة القطاعات داخل أجهزة الأمن الوطنية الفلسطينية للمشاركة فيها.” يقول الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية عبد الله العقرباوي تعليقاً على اشتباكات جنين.

ويضيف العقرباوي للجزيرة نت أن أجهزة أمن السلطة كثفت في الفترة الأخيرة من عمليات ملاحقة المقاومة الفلسطينية في الضفة. وكانت محاولة اعتقال قيس السعدي والاشتباك مع المقاومة في جنين لتضع الأمور في سياقها الأكثر وضوحاً.

ويعتقد الباحث الفلسطيني أن الأجهزة الأمنية تنفذ التوجهات السياسية للسلطة الفلسطينية. فرغم كل ما قامت به إسرائيل من إبادة جماعية في قطاع غزة ومن استهداف وقتل في الضفة الغربية التي يقترب عدد الشهداء فيها من 450 منذ طوفان الأقصى. فإن السلطة لم تغادر مربع المراهنة على مسار المفاوضات غير الموجود وغير الفعال والالتزام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال.

وأردف “السلطة خلال 30 عاماً التي تلت التوقيع على اتفاقية أسلو أسقطت من يدها كل الخيارات الأخرى التي يمكن للفلسطيني أن يستخدمها، وزاد ذلك بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات. وتصدر قيادات فلسطينية لا تؤمن بالمقاومة، والتي سلمت مهمة تشكيل العقيدة القتالية للجنرال الأميركي كيث دايتون”.

ويضيف العقرباوي أن دايتون نجح في ترسيخ عقيدة أمنية داخل الأجهزة الأمنية تكره المقاومة وتعتبرأنها تهديدًا للأمن الفلسطيني. وتابع قائلاً: “هناك تشرذمًا كبيرًا داخل السلطة الفلسطينية بين القوى السياسية المختلفة. وهذا ينعكس على السياسات الأمنية والتنسيق مع إسرائيل”.

السلطة الفلسطينية وتحولات النضال الوطني: أوسلو وبعدها

في دراسة بعنوان “النضال الفلسطيني في الضفة الغربية وتحدي المأسسة الأمنية”. يوضح الباحث السياسي الفلسطيني محمود جرابعة أهمية اتفاقيات أوسلو التي تم توقيعها عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. ويعتبر هذا التوقيع نقطة تحول في تاريخ النضال الفلسطيني.

ويشير جرابعة في دراسته التي نُشِرَتْ في مركز الجزيرة للدراسات إلى أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. في أعقاب حرب الخليج الثانية وتراجع الدعم العربي والضغط الدولي المتزايد. اختار “خيار السلام” مع إسرائيل بدلاً من الكفاح المسلح.

ويؤكد الباحث أن اتفاقيات أوسلو ألزمت السلطة الفلسطينية بالتعاون الأمني مع إسرائيل. وذلك من خلال المشاركة في التنسيق الأمني والمعلوماتية ومنع الأعمال العدائية ضد إسرائيل.

ويضيف أن السلطة الفلسطينية حرصت على الالتزام بالتفاهمات الأمنية لكي لا تُستَغَلَ من قِبَل إسرائيل لتجاوز الاتفاقات السياسية. وقد قامت السلطة بعد ذلك بحملات اعتقال استهدفت بشكل خاص نشطاء حركة حماس وقادتها. ووصلت ذروتها في عام 1996 حين اعتقلت السلطة حوالي 2000 قائد وناشط في قطاع غزة والضفة الغربية.

ومع فشل عملية السلام ومواصلة إسرائيل لسياساتها التوسعية، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. المعروفة أيضًا باسم “انتفاضة الأقصى”، في سبتمبر/أيلول 2000 بدعم من عرفات. وشاركت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المقاومة المسلحة، مما دفع إسرائيل لاحتلال الضفة الغربية وتدمير مقار الأجهزة الأمنية وحصار عرفات حتى وفاته في عام 2014.

محمود عباس يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية

ومع تولي محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية في عام 2005. بدأت عملية إعادة هيكلة أجهزة الأمن تحت إشراف الجنرال الأميركي كيث دايتون. وتهدف هذه العملية إلى تحسين كفاءة وقدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتأهيلها لتحمل المسؤولية الأمنية في المناطق التي تخضع للسلطة الفلسطينية وفقًا لاتفاقيات أوسلو.

ومنذ ذلك الحين، تواصل السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع إسرائيل والتزامها بمنع العنف والأعمال العدائية من جانب الفلسطينيين. ويتضمن ذلك تنسيق الأمن، وتبادل المعلومات. والعمل المشترك في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

ومع ذلك، فإن التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يواجه تحديات عدة. فالاحتلال الإسرائيلي واستمرار الاستيطان والقيود على حركة الفلسطينيين تعيقان قدرة السلطة الفلسطينية على تحقيق سيادتها الفعلية وبناء مؤسساتها الأمنية.

وبالإضافة إلى ذلك، تواجه السلطة الفلسطينية تحديات داخلية تتعلق بالانقسام الفلسطيني وعدم التوصل إلى اتفاق سياسي دائم مع إسرائيل. فالانقسام بين حركة فتح وحماس يعرقل التوحيد الفلسطيني وقدرة السلطة الفلسطينية على تحقيق الاستقلال الكامل.

اقرأ كذلك: بوريل يقترح: السلطة الفلسطينية قادرة على إدارة غزة بعد الحرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات