العالم

برلمانية أسترالية تُشعل جدلاً واسعًا بعد دخولها مجلس الشيوخ بالنقاب

جدل سياسي وإعلامي حول الحرية والهوية وحدود الاحتجاج داخل البرلمان الأسترالي

في واحدة من أكثر اللحظات إثارة للجدل داخل المؤسسات التشريعية الأسترالية. دخلت البرلمانية الأسترالية بولين هانسون مجلس الشيوخ وهي ترتدي نقاباً أسود. كان المشهد صادماً للبعض. وكان مستفزاً للبعض الآخر. ومع ذلك فإن الحدث تجاوز كونه مجرد ظهور استثنائي. بل تحوّل سريعاً إلى قضية رأي عام. ثم انتقل إلى النقاش السياسي العميق. ثم أصبح محط تحليل في وسائل الإعلام.

هذا الظهور لم يكن عفوياً. بل جاء بعد دقائق قليلة من رفض مشروع قانون تقدمت به بولين هانسون. كانت تسعى من خلاله إلى فرض حظر كامل على تغطية الوجه في أستراليا. لذلك اعتبر كثيرون المشهد ردّاً احتجاجياً مباشراً. ورأى آخرون أنه مشهد استفزازي محسوب. وبين هذا وذاك بدأ الجدل. وبدأت الأسئلة تتكاثر. وتكاثرت معها ردود الفعل.

ومع ذلك فإن القصة لم تبدأ هنا. بل تعود جذورها إلى سنوات طويلة من الجدل. سنوات تحدثت فيها هانسون عن الهجرة. وتحدثت فيها عن الإسلام. وتحدثت فيها عن الهوية الوطنية. ولذلك فإن المشهد داخل مجلس الشيوخ لم يكن سوى حلقة في سلسلة طويلة. حلقة فتحت أبواباً واسعة للنقاش.


من هي بولين هانسون في نظر الرأي العام

تُعد بولين هانسون واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الحياة السياسية الأسترالية. اشتهرت بمواقفها المتشددة تجاه الهجرة. كما عُرفت بتصريحاتها القاسية تجاه المسلمين. ولذلك فهي شخصية انقسامية بامتياز.

يرى مؤيدوها أنها صريحة وشجاعة. وفي المقابل يرى معارضوها أنها تستغل الخوف. كما يرون أنها تعتمد على الخطاب الاستفزازي. ولذلك كان كل تحرك تقوم به يثير ضجة. وكل تصريح منها يتحول إلى عنوان رئيسي.

وعندما دخلت مجلس الشيوخ وهي ترتدي نقاباً. لم يرَ البعض فيها سوى رسالة سياسية مدروسة. بينما رأى البعض الآخر سخرية واضحة من ثقافة ودين. لذلك بدأ الجدل يحتدم لحظة بعد لحظة.


لحظة دخول النقاب إلى قاعة المجلس

حدث ذلك بعد رفض مشروع القانون مباشرة. كانت بولين هانسون قد حاولت تمرير مقترح يمنع تغطية الوجه بالكامل في الأماكن العامة. وعندما رُفض المقترح. غادرت القاعة للحظات. ثم عادت وهي ترتدي نقاباً أسود كاملاً.

جلست في مقعدها دون أن تتحدث في البداية. لكن وجودها وحده أشعل القاعة. اشتعل الغضب بين عدد من أعضاء المجلس. وبدأت الهمسات تنتشر. ثم بدأت الأصوات تعلو.

هنا لم يعد الأمر مجرد لباس. بل تحوّل إلى قضية كرامة. تحوّل إلى قضية احترام. وتحوّل إلى قضية تمس ملايين البشر حول العالم.


ردود فعل مباشرة وغاضبة

لم يتأخر الرد. إذ وصفت زعيمة حزب الخضر ما حدث بأنه تصرف عنصري. كما اعتبرته استهزاءً بثقافة دينية. ورأت فيه استفزازاً مباشراً للمسلمين في أستراليا.

ثم تدخلت وزيرة الخارجية. وأكدت أن ما حدث لا يليق بالمجلس. وشددت على أن أعضاء المجلس يمثلون شعباً متنوعاً. ينتمي إلى خلفيات متعددة. ويتحدث بلغات متعددة. ويعتنق أدياناً مختلفة. ولذلك يجب الحفاظ على الاحترام.

وأكدت في حديثها أن دخول المجلس امتياز كبير. وأن هذا الامتياز يحمّل الأعضاء مسؤولية كبيرة. مسؤولية تحتم عليهم الالتزام بالسلوك اللائق. والسلوك المحترم. والسلوك الواعي.

ومع ذلك لم تتراجع بولين هانسون في تلك اللحظة. بل ظلت جالسة بالنقاب. الأمر الذي دفع إدارة المجلس إلى تعليق الجلسة. وهنا وصل المشهد إلى ذروته.


تعليق الجلسة وانعكاساته

عندما تقرر تعليق الجلسة. فهم الجميع أن الأمر خرج عن السيطرة الاعتيادية. لم يكن التعليق إجراءً بسيطاً. بل كان رسالة واضحة بأن ما حدث تجاوز حدود البروتوكول.

وانتشر الخبر في وسائل الإعلام بسرعة هائلة. بدأت القنوات تتحدث. وبدأت الصحف تكتب. وبدأت وسائل التواصل تضج بالآراء. انقسم الناس بين مؤيد ومعارض. وبين غاضب ومدافع.

ومع ذلك فإن الجميع اتفق على أمر واحد. أن هذه اللحظة ستظل محفورة في الذاكرة السياسية الأسترالية. لأنها كشفت هشاشة التوازن بين حرية التعبير واحترام الآخر.


العودة إلى حادثة عام 2017

لم تكن هذه المرة الأولى. ففي عام 2017 قامت بولين هانسون بالفعل ذاته. ارتدت النقاب داخل البرلمان. واعتبرت ذلك تحذيراً من مخاطر أمنية حسب وصفها. وربطت حينها بين النقاب والإرهاب.

ذلك التصرف أثار ضجة كبيرة وقتها أيضاً. وواجهت انتقادات واسعة من مختلف الأطراف. ومع ذلك أعادت المشهد مرة أخرى. وكأنها تعيد فتح الجرح. ثم تعيد صب الملح عليه من جديد.

ويؤكد هذا السلوك أنها تتعمد إثارة القضايا الشائكة. كما يؤكد أنها تستخدم الرمزية البصرية للتأثير على الرأي العام. لذلك فإن النقاش لم يعد عن النقاب فقط. بل عن النوايا السياسية وراءه.


تصريحات سابقة تزيد من حدة الجدل

لم تكتفِ بولين هانسون بهذه التصرفات. بل سبق أن صرحت بأن الإسلام لا يتوافق مع المجتمع الأسترالي بحسب رأيها. وهو تصريح أثار موجة كبيرة من الغضب والاستياء.

ورأى كثيرون في هذا التصريح تعميماً خطيراً. لأنه يتجاهل ملايين المسلمين الذين يعيشون في أستراليا بسلام. ويعملون بجد. ويساهمون في بناء المجتمع.

وبالتالي فإن ظهورها بالنقاب لم يُفهم على أنه تصرف عابر. بل فُهم على أنه امتداد لسلسلة طويلة من المواقف المتشددة.


المجتمع الأسترالي بين التنوع والتوتر

تُعرف أستراليا بتنوعها الثقافي. فهي تحتضن أعراقاً متعددة. وديانات متعددة. وثقافات متعددة. وهذا التنوع كان دائماً أحد مصادر قوتها.

لكن في الوقت نفسه ظهرت خلال السنوات الأخيرة توترات متزايدة. توترات غذّتها الخطابات المتشددة. وتغذّت من الخوف من الآخر. وتغذّت من الأزمات العالمية.

لذلك جاء هذا الحدث في وقت حساس. وقت يحتاج إلى التهدئة. وليس إلى التصعيد. ويحتاج إلى التقارب. وليس إلى الاستفزاز.


الإعلام ودوره في تضخيم المشهد

لعب الإعلام دوراً مركزياً في تصدير القضية إلى العالم. فقد تحوّلت اللقطات إلى مادة قابلة لإعادة المشاركة ملايين المرات. وانتقل الحدث من كونه محلياً إلى كونه عالمياً.

ومن جهة أخرى حاول بعض الإعلاميين تحليل الحدث بهدوء. وربطه بالسياق السياسي العام. وربطه بصعود الخطاب الشعبوي في العالم. كذلك ربطه بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ومع ذلك فإن الصورة بقيت أقوى من الكلمات. صورة سيناتورة بنقاب داخل قاعة برلمان غربي. كانت صورة صادمة للكثيرين. ومؤلمة للكثيرين.


حرية التعبير أم إساءة مقصودة

هنا انقسم الرأي العام إلى تيارين. تيار يرى أن ما فعلته بولين هانسون يدخل ضمن حرية التعبير. ولو كان استفزازياً. وتيار آخر يرى أن الحرية لا تعني الإساءة.

وأكد كثيرون أن حرية التعبير يجب أن تقف عند حدود كرامة الآخرين. وعند حدود احترام الأديان. وعند حدود المسؤولية الأخلاقية.

وفي المقابل قال مؤيدوها إنها كانت تريد إيصال رسالة سياسية. وإن طريقتها ربما كانت صادمة. لكنها في نظرهم مشروعة.

وهكذا استمر الجدل دون نهاية واضحة.


أثر الحادثة على الجالية المسلمة

تلقت الجالية المسلمة في أستراليا المشهد بحزن واستياء. شعر كثيرون بأنهم مستهدفون بشكل مباشر. وشعر آخرون بأن صورتهم تُستخدم في لعبة سياسية.

وبرغم ذلك دعا عدد من القادة المسلمين إلى التهدئة. كما دعوا إلى عدم الانجرار وراء الاستفزاز. وشددوا على أهمية الحوار.

وهذا الموقف العاقل ساهم في تجنب تصعيد أكبر. لكنه لم يُنهِ الجدل الدائر في الشارع.


البرلمان بين الرسالة والهيبة

البرلمان ليس مسرحاً. بل مؤسسة تمثل إرادة الشعب. ولذلك فإن أي تصرف داخله يجب أن يكون محسوباً. لأن الشعب يرى فيه نموذجاً للسلوك العام.

وعندما تقع مثل هذه الحوادث. تهتز صورة المؤسسة في أعين الناس. ويبدأ المواطن بالتساؤل عن جدية العمل السياسي. وعن نزاهته. وعن هدفه الحقيقي.

ولذلك رأى كثيرون أن ما حدث لا يمس شخصاً واحداً فقط. بل يمس هيبة البرلمان ذاته.


قراءة تحليلية أعمق للمشهد

إذا نظرنا بعمق إلى ما حدث. نجد عدة رسائل متداخلة. هناك رسالة سياسية من بولين هانسون. وهناك رسالة رفض من بقية الأعضاء. و رسالة من الإعلام. وكذلك رسالة من الشارع.

كما نجد صراعاً بين خطاب الإقصاء وخطاب التعدد. وبين الخوف والتعايش. وبين العزلة والانفتاح.

وهذا الصراع لا يخص أستراليا فقط. بل يظهر اليوم في دول كثيرة حول العالم. ولذلك فإن هذه الحادثة ليست استثناء. بل هي نموذج لحالة عالمية أكبر.


إلى أين تتجه الأمور بعد هذه الحادثة

من غير المتوقع أن تنتهي تداعيات هذا الحدث سريعاً. بل سيبقى مادة للنقاش في البرامج السياسية. وسيبقى مادة للأبحاث الأكاديمية. وسيبقى مثالاً يُذكر عند الحديث عن التسامح. أو عند الحديث عن العنصرية.

وقد تؤثر الحادثة على مسار بولين هانسون السياسي مستقبلاً. إما بزيادة شعبيتها عند فئة معينة. أو بتراجعها عند فئة أكبر.

وفي الوقت ذاته قد تدفع البرلمان إلى مراجعة بعض القوانين الداخلية. وربما إلى تشديد قواعد السلوك. وربما إلى فتح نقاش أوسع حول الرمزية والاحترام.


خلاصة المشهد ورسالة الواقع

ما حدث داخل مجلس الشيوخ الأسترالي لم يكن مجرد لقطة عابرة. بل كان مرآة تعكس صراع الأفكار. وصراع الهويات. وصراع المفاهيم.

أثبت هذا الحدث أن التعايش يحتاج إلى وعي دائم. ويحتاج إلى احترام متبادل. ويحتاج إلى خطاب مسؤول.

كما أثبت أن الكلمات ليست أخطر من الصور فقط. بل إن الرموز أحياناً تكون أقوى من الخطب الطويلة.

ويبقى السؤال مفتوحاً. هل نتعلم من هذه اللحظات. أم نكررها بصيغة أخرى وفي مكان آخر.

اقرأ كذلك: الطائفة القرائية بين الرفض الحاخامي والاستقلال العقدي عبر التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات