القسام ودبابات الميركافا. تسريبات تكشف حرب العقول والمعلومات داخل منظومة جيش الاحتلال
كيف تحولت شبكات التواصل إلى سلاح استخباراتي في أخطر اختراق أمني بإسرائيل
القسام ودبابات الميركافا. تسريبات تكشف حرب العقول والمعلومات داخل منظومة جيش الاحتلال … في عالم الحروب الحديثة. لا يكون السلاح دائمًا بندقية أو صاروخ فقط. بل تتحول البيانات إلى ذخيرة. وتتحول الصورة إلى مفتاح. ويتحول هاتف الجندي إلى ثغرة. لذلك. بدأت تتكشف في الفترة الأخيرة تسريبات إسرائيلية مثيرة. تؤكد حجم الاختراق الذي تعرضت له منظومة جيش الاحتلال خلال معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.
وفي هذا السياق. كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي تقارير صادمة للرأي العام داخل إسرائيل وخارجها. تتحدث عن قدرة كتائب عز الدين القسام على اختراق منظومة الجيش. وجمع معلومات حساسة ودقيقة على مدار سنوات. واستغلالها في واحدة من أكثر العمليات صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ تأسيسها.
أولًا: اختراق غير مسبوق للبنية العسكرية
كشفت التقارير الإسرائيلية أن كتائب القسام بدأت منذ سنوات في تتبع أنظمة العمل داخل قوات الاحتلال. وليس فقط خلال العام الأخير. بل منذ عام 2018 تحديدًا.
وبناءً على المعلومات. عملت وحدات استخبارية تابعة للقسام على جمع بيانات ممنهجة. وشاملة. ومتراكمة. عن طبيعة تسليح جيش الاحتلال. وخاصة دبابات ميركافا 4. التي تُعد من أكثر الدبابات تطورًا في العالم.
وفي الوقت نفسه. اعتمدت هذه الوحدات على مصادر مفتوحة. لكنها غنية. مثل منشورات الجنود على فيسبوك. وإنستغرام. وتيك توك. وتطبيق واتساب.
وهنا تظهر المفارقة. فبينما كان جنود الاحتلال ينشرون لحظات من حياتهم اليومية. كانت هناك عيون تراقب. وتحلل. وتجمع. وتخزن.
وهكذا. تحولت وسائل التواصل إلى كنز استخباراتي واسع.
ثانيًا: دبابات الميركافا تحت المجهر
بحسب التقرير. نجحت كتائب القسام في جمع معلومات تفصيلية عن دبابة ميركافا 4. من خلال صور وفيديوهات ومقاطع تدريبية. قام الجنود أنفسهم بنشرها من داخل الدبابات.
ومع مرور الوقت. تكوّنت قاعدة بيانات ضخمة وشاملة. شملت تفاصيل دقيقة عن أنظمة القيادة. وأزرار التحكم. ونقاط الضعف. وآليات التشغيل.
وبالتالي. لم تكن المعلومات سطحية. بل تطورت لتصبح معرفة تقنية عميقة. مكّنت عناصر مدربة من معرفة كيفية تعطيل هذه الدبابات.
وأفادت إذاعة جيش الاحتلال أن بعض مقاتلي القسام استطاعوا تعطيل عدد من الدبابات عبر الضغط على زر داخلي معين. يؤدي إلى تعطيلها مؤقتًا. بحسب ما ورد في التقرير العبري.
وهذه المعلومة أربكت المؤسسة العسكرية بشدة. لأن هذا الزر غير مصمم ليكون معروفًا خارج الأطقم المختصة فقط.
ثالثًا: وحدة دبابات داخل غزة
الأكثر إثارة في التقرير. هو الحديث عن تشكيل وحدة متخصصة أطلق عليها داخل القسام اسم “قوة الدبابات”.
هذه الوحدة. لم تكن وحدة عشوائية. بل خضعت لتدريب طويل ومنهجي. وعلى مدى سنوات.
وبحسب ما كشفه التقرير. جرى بناء نماذج مطابقة لدبابات الميركافا. بالحجم الحقيقي. للتدريب العملي. بالإضافة إلى برامج محاكاة متطورة. مكّنت العناصر من التدرب على القيادة والتشغيل داخل بيئة افتراضية دقيقة للغاية.
وهكذا. تحولت المعرفة الرقمية إلى مهارات واقعية. وتحولت الصور إلى خرائط. وتحولت البيانات إلى سيناريوهات تدريب.
وهذا ما يفسّر الصدمة الإسرائيلية لاحقًا. عندما اكتشفت هذه النماذج داخل أنفاق في قطاع غزة.
رابعًا: شبكات التجسس الرقمية
في موازاة ذلك. عملت وحدة استخبارات إلكترونية ضخمة. قُدّر عدد أفرادها بنحو 2500 عنصر.
هذه الوحدة ركزت بشكل كامل على شبكات التواصل. حيث جرى مراقبة ما يقرب من 100 ألف حساب لجنود إسرائيليين. سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو في وحدات التدريب.
لم يكن الأمر مراقبة عشوائية. بل عملية انتقاء دقيقة للأهداف. ثم مراقبة طويلة المدى. ثم تحليل متقدم للسلوك والمحتوى والموقع والنشاط.
بل إن التقرير تحدث عن استخدام تقنيات الهندسة الاجتماعية. وإنشاء حسابات وهمية. والتواصل مع الجنود. وبناء علاقات رقمية معهم على مدار سنوات.
وهكذا. تحولت العلاقة الافتراضية إلى مصدر معلومات ثمين. حول أماكن الخدمة. ونقاط التمركز. والروتين اليومي. وتحركات الوحدات.
خامسًا: التسلل إلى المجموعات المغلقة
لم تكتفِ تلك الوحدات بمتابعة الحسابات العامة فقط. بل تمكنت من الدخول إلى مجموعات مغلقة على واتساب. بعضها خاص بوحدات نخبوية داخل الجيش.
مثل مجموعات تخص وحدة إيغوز. وهي من الوحدات الخاصة المعروفة.
وقد استمرت عملية التغلغل هذه لسنوات. من مرحلة تجنيد بعض الجنود. وحتى تحولهم لضباط. بل وقادة وحدات لاحقًا.
هذا التسلسل الزمني منح القسام صورة متكاملة عن بنية الجيش. من الجندي. إلى الضابط. إلى قائد الكتيبة.
وهذا النوع من التراكم الزمني للمعلومة يُعد من أخطر أنواع الاختراقات الاستخباراتية في العالم.
سادسًا: بناء صورة شاملة لساحة المعركة
تشير التقارير كذلك إلى أن القسام لم يجمع معلومات فقط عن الأفراد. بل عن المواقع والبنى التحتية العسكرية.
ومن خلال آلاف الصور ومقاطع الفيديو. تم بناء خرائط دقيقة لقواعد الجيش. ومواقع الحراسة. ومخازن السلاح. وكاميرات المراقبة. وغرف التحكم.
بل إن برامج محاكاة ثلاثية الأبعاد استُخدمت لإنشاء نسخة شبه متطابقة 1:1 لبعض المواقع العسكرية القريبة من قطاع غزة.
وهذا المستوى من الدقة دفع بعض الضباط الإسرائيليين لاحقًا للاعتراف بأن هذه النماذج كانت دقيقة بشكل صادم.
وقال أحدهم. إن حماس كانت تعرف القواعد أكثر من بعض الجنود أنفسهم. رغم خدمتهم فيها لسنوات.
سابعًا: حيرة داخل المؤسسة الأمنية
كل هذه المعلومات أدت إلى حالة من الذهول داخل الأوساط العسكرية الإسرائيلية.
بدأت تحقيقات داخلية واسعة لمعرفة كيف حصل هذا الاختراق. ومن المسؤول. ولماذا لم يتم اكتشاف الأمر مبكرًا.
استمرت حالة الحيرة لأشهر. إلى أن تم العثور على وثائق وأدلة داخل أحد الأنفاق في عام 2024. كشفت عن حجم العمل الاستخباراتي الذي جرى خلال سنوات طويلة.
وهنا أدركت إسرائيل أن ما حدث لم يكن عملية عشوائية. بل مشروعًا استراتيجيًا طويل الأمد. له أهداف واضحة. وخطة زمنية منظمة.
ثامنًا: ما بعد السابع من أكتوبر
تصف الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل ما حدث في السابع من أكتوبر بأنه أكبر فشل أمني في تاريخ الدولة العبرية.
وعلى إثر ذلك. قدم عدد من المسؤولين استقالاتهم. أو أعلنوا تحملهم لجزء من المسؤولية.
في المقابل. يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض تحمل أي مسؤولية مباشرة عن هذا الإخفاق. رغم الاتهامات الواسعة التي تطاله من المعارضة.
وتزامن هذا مع حرب مدمرة على قطاع غزة. أسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين. بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
وفي خضم ذلك. تستمر حالة عدم الاستقرار. ويستمر تبادل الاتهامات. ويستمر النقاش داخل إسرائيل حول كيفية انهيار المنظومة الأمنية بهذه الصورة.
تاسعًا: حرب المعلومات قبل حرب السلاح
تكشف هذه القصة بوضوح أن الحروب الحديثة لم تعد تعتمد فقط على العتاد العسكري. بل على البيانات أولًا.
فمن يمتلك المعلومة. يمتلك القرار. ومن يتحكم في المعرفة. يستطيع تغيير المعادلات.
ولذلك. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة غير مرئية. لكن تأثيرها لا يقل خطرًا عن ساحات القتال التقليدية.
وهذا ما تعيشه اليوم كل الجيوش. وكل الدول. وكل المؤسسات.
العالم دخل عصرًا جديدًا. عنوانه. الأمن الرقمي. والسيادة المعلوماتية.
خاتمة تحليلية
ما كشفته التقارير الإسرائيلية لا يمثل مجرد حدث عابر. بل هو تحول عميق في مفهوم الأمن والاختراق والاستخبارات.
إنه درس عالمي في خطورة الاستهانة بالمعلومة. وخطورة نشر التفاصيل. وخطورة الثقة العمياء في الفضاء الرقمي.
وفي النهاية. تبقى الحقيقة الأهم واضحة.
المعركة لم تكن فقط على الأرض.
بل كانت في العقول. وفي الشاشات. وفي البيانات.
وهناك. كانت الصدمة الأكبر.
اقرأ كذلك: وصول الطائرة الألف من الأسلحة إلى مطار بن غوريون: تصعيد لوجستي استراتيجي