تاريخ وثقافة

مجمع الإمارة في قره باغ.. ذاكرة التاريخ التي عادت إلى الحياة بعد سنوات الصمت والخراب

أغدام من مدينة جراح إلى معلم حضاري ينبض من جديد بفضل الترميم وإرادة البقاء

لم يكن مجمع الإمارة في قره باغ مجرد بناء قديم. بل كان مرآة للهوية. وكان سجلاً لحياة امتدت قروناً. وكان شاهداً على تحولات السياسة والناس والزمان. لهذا بقي راسخاً في الذاكرة. حتى عندما غابت ملامحه عن العيون.

يقع المجمع في مدينة أغدام. وهي مدينة حملت عبر التاريخ قيمة استراتيجية وثقافية عظيمة. واحتضن هذا المكان طابعاً معمارياً فريداً. وجمع بين الدين والتاريخ والفن. لذلك اكتسب مكانته الخاصة بين معالم أذربيجان.

منذ سنوات طويلة. كان الناس يقصدون مجمع الإمارة في قره باغ للزيارة والتأمل والتعلّم. وكان وجهتهم في المناسبات الدينية والاجتماعية. وكان ملتقى للذاكرة والروح والانتماء.

سنوات الاحتلال الأرميني وبداية مرحلة الدمار الشامل

في عام 1992. دخلت أغدام مرحلة مظلمة. سيطرت القوات الأرمينية على المدينة. ومع هذا الاحتلال. بدأ مسلسل من الخراب لم يكن عشوائياً فقط. بل كان منظماً في كثير من الأحيان.

تعرض مجمع الإمارة في قره باغ لأعمال تدمير ممنهجة. لم يكن الهدف العسكري فقط. بل كان الهدف محو المعالم المرتبطة بالهوية الثقافية. وكأن الذاكرة أصبحت عدواً يجب القضاء عليه.

تحطمت أجزاء كبيرة من الجدران. وسقطت القباب. وتحول المكان من مساحة عامرة بالحياة إلى هيكل منهك تتناثر حوله بقايا تاريخ محطم.

تخريب الأضرحة وقطع أشجار الدلب التاريخية

لم يسلم التراث من العبث. فقد تم تخريب الأضرحة التي كانت تحيط بالمجمع. وتعرّضت شواهد القبور للتكسير المتعمّد. وبعضها تم إطلاق النار عليه بشكل مباشر.

أما أشجار الدلب العريقة. فقد تم قطعها دون رحمة. وكانت هذه الأشجار شاهدة على أكثر من ألف عام من التاريخ. وكانت جزءاً من هوية المكان. ومع ذلك أُحرقت وسُويت بالأرض.

تحولت الحديقة التي كانت تحيط بالمجمع إلى أرض جرداء. وغاب اللون الأخضر. وحل مكانه الرماد والغبار. وغابت الطيور. وغاب الزائرون. وبقي الصمت فقط.

قره باغ بين الذاكرة والواقع المؤلم

لم يكن مجمع الإمارة في قره باغ وحده من عانى. بل عانت المنطقة كلها. تعرّضت البيوت للهدم. وتحوّلت الشوارع إلى أنقاض. وهاجر السكان قسراً. وبقيت المدينة فارغة إلا من آثار الألم.

ومع ذلك. ظل اسم قره باغ حياً في وجدان الشعب الأذربيجاني. وظل الحديث عن العودة لا ينقطع. وظلت صور المعالم القديمة تتداول بين الناس. وتمثل رمزاً للأمل والحق.

كانت الذكريات ثقيلة. لكنها كانت أيضاً وقوداً للاستمرار. فكل صورة للمجمع كانت تعني أن القصة لم تنته. وأن العودة ممكنة مهما طال الزمن.

عملية التحرير وبداية التحول الكبير في الإقليم

في السابع والعشرين من سبتمبر عام 2020. انطلقت عملية عسكرية هدفها استعادة الأراضي المحتلة. وخلال أربعة وأربعين يوماً. تغيّر مسار التاريخ في الإقليم.

استعادت أذربيجان السيطرة على مناطق واسعة. ثم تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وعادت أغدام إلى السيادة الأذربيجانية. وعاد معها الأمل بالترميم والبناء.

كانت لحظة تاريخية. ليس لأذربيجان فقط. بل لكل من يؤمن بحق الشعوب في استعادة أراضيها وتراثها.

عودة أغدام إلى أحضان الوطن بعد اتفاق وقف إطلاق النار

بمجرد إعلان الاتفاق. بدأت فرق العمل الميداني بزيارة المنطقة. قامت بتوثيق الدمار. ورصد الأضرار. ومن ثم وُضعت الخطط الأولى للإعمار.

كان مجمع الإمارة في قره باغ على رأس قائمة المواقع ذات الأولوية. لأنه يمثل رمزاً وطنياً وتاريخياً. ولأنه تعرّض لدمار واسع.

بدأت المعاينات الأولى. ثم تلتها قرارات رسمية بإعادة ترميمه وفق أسس علمية دقيقة. وشاركت في الخطة جهات مختصة بالآثار والتاريخ والهندسة المعمارية.

إدراج مجمع الإمارة ضمن خطة الترميم الوطنية

أدرجت الجهات المختصة مجمع الإمارة في قره باغ ضمن برنامج وطني شامل لإعادة إحياء المعالم التاريخية في الإقليم. وكان الهدف واضحاً. الحفاظ على الهوية. وإعادة الروح إلى المكان.

تمت إزالة الأنقاض أولاً. ثم تم تنظيف الموقع بشكل كامل. وبعدها بدأت عملية الترميم باستخدام مواد تحاكي المواد الأصلية. وتم الاعتماد على صور قديمة ومخططات تاريخية.

تم التعامل مع الموقع كقطعة تاريخ حيّة. وليس كمشروع بناء عادي. لذلك استغرقت العملية وقتاً وجهداً كبيرين.

خطوات إعادة البناء والحفاظ على الهوية المعمارية الأصلية

اعتمد فريق الترميم على مبدأ أساسي. وهو الحفاظ على الطابع المعماري الأصلي. لم يكن الهدف التغيير. بل الإحياء. ولم يكن المقصود التجميل فقط. بل إعادة الهوية كما كانت.

أعيد بناء القباب بعناية. وتم إصلاح الجدران المتضررة. ورُممت الزخارف التاريخية. كما أعيد زرع الأشجار حول المجمع. لتعويض ما تم قطعه.

عاد المشهد تدريجياً إلى ملامحه الأولى. وعاد للمكان وقاره الذي فقده سنوات طويلة.

شهادة سردار أونصال وحقيقة ما جرى على الأرض

خلال زيارة ميدانية للمنطقة. تحدث سردار أونصال. نائب رئيس اتحاد جمعيات الصداقة التركية الأذربيجانية. عن حجم الدمار الذي رآه.

أكد أن ما جرى لا يمكن وصفه بسهولة. وقال إنهم شاهدوا بأعينهم القبور المدمرة. والجدران المخترقة. والأشجار المحترقة. وكل ذلك ترك أثراً إنسانياً عميقاً.

وأشار إلى أن إعادة البناء ليست مجرد عملية هندسية. بل هي رسالة سياسية وثقافية للعالم أجمع.

إعادة إعمار أغدام بقيادة الدولة الأذربيجانية

بدأت مشاريع الإعمار في أغدام بوتيرة متسارعة. شملت الطرق. والمباني السكنية. والمدارس. والمنشآت العامة. والمراكز الثقافية.

وكان مجمع الإمارة في قره باغ أحد أبرز رموز هذه النهضة الجديدة. فهو يمثل نقطة التقاء بين الماضي والمستقبل.

وتسعى الدولة الأذربيجانية لتحويل المدينة إلى نموذج حضاري جديد. يعتمد على الحداثة دون أن يتخلى عن الجذور.

عودة الحياة إلى المجمع واستقبال الزوار من جديد

بعد اكتمال مراحل الترميم الأساسية. فُتح مجمع الإمارة في قره باغ أمام الزوار. وبدأ الناس يتوافدون إليه من مختلف المناطق.

جاءت عائلات. وجاء طلاب. وجاء باحثون. وجاء سياح أجانب. وكلهم وقفوا أمام هذا المعلم بإعجاب وتأمل.

عاد الصوت إلى المكان. وعادت الخطوات تدب في ساحته. وعادت الكاميرات تلتقط صور الحياة.

البعد الثقافي والسياحي لمجمع الإمارة بعد ترميمه

لم يعد المجمع موقعاً أثرياً فقط. بل أصبح مركزاً ثقافياً وسياحياً. تُنظم فيه الزيارات. وتُعقد حوله الندوات. وتُروى فيه الحكايات للأجيال الجديدة.

أصبح رمزاً للتحول من الدمار إلى البناء. ومن الاحتلال إلى السيادة. ومن الحزن إلى الأمل.

وهذا البعد الجديد يعزز مكانته على الخارطة السياحية والثقافية لأذربيجان.

أغدام نموذج للصمود بعد الدمار

تعكس قصة أغدام قدرة المدن على النهوض مجدداً. مهما بلغ حجم الخراب. ومهما طال زمن الألم. فالمدن تحمل ذاكرة لا تموت.

وما حدث في مجمع الإمارة في قره باغ هو مثال حي على ذلك. فقد عاد بعد أن ظن الكثيرون أنه انتهى إلى الأبد.

وهذا يؤكد أن الهوية أقوى من الدمار. وأن الصبر يصنع المعجزات.

أهمية حماية التراث في أوقات النزاعات

تظهر تجربة مجمع الإمارة في قره باغ مدى أهمية حماية التراث الثقافي في أوقات النزاعات. فالمعالم ليست مجرد حجارة. بل روح وهوية وحكاية شعب.

وعندما تُدمَّر. لا يُدمَّر حجر فقط. بل يُطمَس تاريخ كامل. لذلك يصبح الترميم عملاً أخلاقياً قبل أن يكون عمرانياً.

مجمع الإمارة.. رسالة إلى العالم بأن الهوية لا تُمحى

اليوم يقف مجمع الإمارة في قره باغ شامخاً من جديد. يروي قصة شعب لم يرضَ بالنسيان. ولم يقبل بالضياع. بل اختار البناء عن وعي وإصرار.

كل زاوية في المجمع تحكي قصة. وكل حجر فيه يحمل ذاكرة. وكل شجرة مزروعة حوله تنطق بوعد جديد.

إنه ليس مجرد مجمع. بل رسالة واضحة للعالم بأن الهوية لا تُمحى. وأن التاريخ يمكن أن يُبعث من تحت الركام.

اقرأ كذلك: معمار سنان ولد قبل 533 سنة، وعرف بمؤسس الهوية المعمارية العثمانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات