الدب القطبي.. أعجوبة الخلق الذي لا يتجمد فراؤه مهما حصل
كيف يحافظ الدب القطبي على دفئه في الجليد دون أن يتجمد؟
يعيش الدب القطبي في بيئة قاسية تتميز بالثلوج والجليد ودرجات حرارة منخفضة جدًا. ومع ذلك، فإن فراءه لا يتجمد حتى في أقسى الظروف. يمتلك الدب القطبى قدرات فريدة، بدءًا من سرعته التي تصل إلى 40 كيلومترًا في الساعة. وصولًا إلى مخالبه الحادة التي تساعده على الصيد والتنقل على الجليد بسهولة.
لكن ما السر الذي يجعله قادرًا على مقاومة التجمد؟ هذا السؤال حيّر العلماء لعقود حتى تمكنت دراسة حديثة من كشف اللغز.
لماذا لا يلتصق الجليد بفراء الدب القطبي؟
أظهرت دراسة حديثة نشرتها مجلة “ساينس أدفانسز” أن الدب القطبى يمتلك مادة دهنية طبيعية تفرزها غدد في جلده. وهذه المادة تمنع فراءه من التجمد في درجات الحرارة المنخفضة. هذه الخاصية تجعله متميزًا عن بقية الثدييات التي تعيش في المناطق الباردة.
كيف بدأت رحلة الاكتشاف؟
بدأت الفيزيائية النرويجية بوديل هولست دراسة هذا الموضوع عندما لاحظت في أحد البرامج الوثائقية أن الكاميرات الحرارية لم تتمكن من التقاط حرارة الدب القطبي بسهولة. كان فراؤه يبدو بنفس درجة حرارة البيئة المحيطة، مما أثار فضولها حول كيفية تمكنه من البقاء دافئًا وجافًا دون أن يتجمد.
تساءلت هولست عن سبب عدم تغطية فراء الدب القطبى بالجليد، حتى بعد السباحة في المياه الباردة. في حين أن العديد من الثدييات الأخرى تعاني من تجمد فرائها عند التعرض لنفس الظروف.
اختبارات علمية تكشف السر
لمعرفة السبب، تعاون فريق من 12 باحثًا دوليًا لاختبار مدى مقاومة فراء الدب القطبى للجليد. في البداية، اعتقدوا أن بنية الشعرة نفسها قد تكون هي السر. لكن الفحوصات المجهرية أظهرت أنها تشبه شعر الإنسان إلى حد كبير.
لذلك، قرر الباحثون التركيز على الزيوت الدهنية الموجودة في الفراء. قاموا بمقارنة فراء الدب القطبي المغسول وغير المغسول، بالإضافة إلى شعر الإنسان، وبعض المواد الأخرى مثل الجلود المستخدمة في الزلاجات المغطاة بمواد تمنع الالتصاق.
ما الذي يجعل فراء الدب القطبي مقاومًا للجليد؟
1. الدهون الطبيعية
كشفت الاختبارات أن فراء الدب القطبي غير المغسول يحتوي على طبقة دهنية تمنع الجليد من الالتصاق به، تمامًا مثل الطلاءات الخاصة التي تستخدم على الزلاجات لمنع الاحتكاك بالجليد. وعندما غُسلت الدهون، فقد الفراء هذه الخاصية وأصبح أكثر عرضة لتجمد الجليد عليه.
2. غياب مادة “السكوالين”
عند تحليل الدهون الموجودة في فراء الدب القطبي، وجد الباحثون أنها تحتوي على مزيج فريد من الكوليسترول وثنائي أسيل الجلسرين والأحماض الدهنية. ومن المثير للاهتمام، أن هذه الدهون لا تحتوي على مادة السكوالين، وهي مادة لزجة موجودة في شعر البشر وثعالب الماء والعديد من الثدييات الأخرى. هذه المادة تجعل الشعر أكثر عرضة لالتصاق الجليد به.
كيف يستفيد سكان القطب الشمالي من فراء الدب القطبي؟
لم يكن العلماء أول من لاحظ هذه الخاصية، فقد أدرك سكان القطب الشمالي، مثل الإنويت، منذ قرون قدرة فراء الدب القطبي على مقاومة الجليد. لذلك، كانوا يحتفظون بالزيوت الدهنية عند معالجة الفراء لاستخدامه في الملابس والأحذية.
1. استخدامه في الملابس
كان صيادو الإنويت يرتدون ملابس مصنوعة من فراء الدب القطبى أثناء تحركهم على الجليد، مما يسمح لهم بالمشي بهدوء دون أن يلتصق الثلج بملابسهم.
2. منع التصاق الجليد بالمقاعد
استخدم الإنويت قطعًا من فراء الدب القطبي تحت أرجل المقاعد لمنعها من الالتصاق بالجليد خلال رحلات الصيد الطويلة.
3. الأحذية الصامتة
صنعوا أحذية خاصة من جلود الدب القطبي، مما ساعدهم على التسلل بهدوء أثناء مطاردة الفريسة دون أن يحدث أي صوت على الجليد.
ما علاقة هذا الاكتشاف بالتكنولوجيا الحديثة؟
1. تطوير طلاءات مقاومة للجليد
يمكن أن يلهم هذا الاكتشاف تطوير مواد طبيعية لمقاومة الجليد دون الحاجة إلى المواد الكيميائية الضارة المستخدمة حاليًا.
2. استبدال المواد الكيميائية السامة
حاليًا، تعتمد العديد من الصناعات على مواد كيميائية تسمى بيرفلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل، والتي تُستخدم في الطلاءات المقاومة للجليد، لكنها قد تلوث البيئة وتسبب مشاكل صحية.
3. تحسين صناعة الزلاجات والطائرات
يمكن للمهندسين استخدام المكونات الطبيعية المستوحاة من دهون الدب القطبي لتطوير طلاءات تمنع التصاق الجليد بالزلاجات والطائرات وحتى معدات التزلج.
هل يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في المستقبل؟
يأمل الباحثون أن يتمكنوا من استنساخ هذه الخاصية الطبيعية لإنتاج مواد أكثر صداقة للبيئة تحاكي مقاومة الدب القطبي للجليد. يمكن لهذه التقنية أن تؤدي إلى تقليل استخدام المواد الكيميائية السامة في العديد من التطبيقات اليومية، مما يجعل المنتجات أكثر أمانًا وصديقة للبيئة.
الدب القطبي.. أعجوبة طبيعية لم تكتشف بالكامل بعد
يظل الدب القطبي مثالًا رائعًا على كيفية تكيف الحيوانات مع بيئتها القاسية. ورغم أننا كشفنا بعض أسراره، إلا أن هناك الكثير مما لا يزال مجهولًا حول قدراته الفريدة. ومع استمرار الأبحاث، قد يساعدنا فهم هذه الآلية في تطوير تقنيات جديدة لمقاومة الجليد، مستوحاة من أحد أقوى الحيوانات المفترسة في العالم.
اقرأ كذلك: “صابون الصحراء” في الجزائر.. كنز بيئي لتنظيف الأرض من الملوحة وتعزيز الاستدامة