استراتيجية نتنياهو للاستمرار في المشهد السياسي
النظرية الانتقائية وتأثيرها على البقاء السياسي لنتنياهو ناقش كتاب منطق البقاء السياسي. الذي صدر عام 2023 عن مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. فكرة رئيسية ترتكز على ما يُعرف بـ “النظرية الانتقائية”. هذه النظرية تفترض أن القادة السياسيين في مختلف دول العالم يتحركون بناءً على دافع أساسي، وهو البقاء في السلطة. يقوم القادة باتخاذ قراراتهم السياسية والاستراتيجية بناءً على ما يخدم مصالحهم الشخصية ويضمن استمرارهم في مراكزهم.
النظرية تشير إلى أن قرارات القادة السياسية تُبنى في المقام الأول على ما يحافظ على سلطتهم. وليس على ما يخدم المصلحة العامة أو يحقق العدالة والرفاهية للشعوب. فالقادة يُقدرون كل خطوة يخطونها من حيث تأثيرها على وضعهم السياسي ومكانتهم في السلطة. كل قرار يتم دراسته بعناية فائقة لضمان استمرارية السيطرة على الساحة السياسية.
في هذا السياق، ما حدث في لبنان من تصعيد عسكري من قبل إسرائيل خلال الفترة الأخيرة يمكن فهمه من منظور هذه النظرية. فقد أقدمت إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين. نتنياهو على هجمات استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكية. وتصاعدت الأمور لتشمل ضربات صاروخية ومواجهات شديدة أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. يمكن النظر إلى هذه الهجمات ليس فقط كجزء من استراتيجية عسكرية. بل أيضًا كأداة لتعزيز مكانة نتنياهو السياسية وضمان بقائه في السلطة. فالحرب والمواجهات قد تكون وسيلة لتحقيق هذا الهدف من خلال صرف الأنظار عن أزماته الداخلية وضمان دعمه من التحالفات اليمينية المتطرفة في إسرائيل.
نتنياهو في مواجهة الأزمات القانونية
في 27 فبراير 2018، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إشعارًا رسميًا من الشرطة يتضمن اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة. تلك التهم تتعلق بقضايا فساد وقعت خلال فترة ولايته. وهي تُعد سابقة تاريخية لرئيس وزراء إسرائيلي يتعرض لتهم وهو في منصبه.
وفي نفس اليوم، ألقى نتنياهو خطابًا مؤثرًا للشعب الإسرائيلي تحدث فيه عن تاريخه في خدمة الدولة على مدار 50 عامًا. استعرض نتنياهو مسيرته المهنية بدءًا من خدمته في القوات الخاصة وصولًا إلى منصبه كسفير لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، في محاولة منه لإظهار ولائه للدولة وشعبها، ومحاولة إبعاد التهم التي تحوم حوله.
وفقًا لتقرير صادر عن مجلة الإيكونوميست، فإن نتنياهو وزوجته قد تلقيا هدايا باهظة الثمن. شملت الشمبانيا والسيجار الكوبي، بالإضافة إلى المجوهرات. وقدرت الشرطة الإسرائيلية قيمة تلك الهدايا بما يقارب 280 ألف دولار. هذه الهدايا والاتهامات المرتبطة بها جعلت نتنياهو في موقف حرج، خاصة وأنها تشكل سابقة خطيرة لرئيس وزراء إسرائيلي.
فشل مشروع التعديل القضائي
في ظل هذه الأزمات القانونية، حاول نتنياهو اتخاذ إجراءات قانونية لحماية نفسه من الملاحقة. قام حلفاؤه في الكنيست بصياغة مشروع قانون لتعديل النظام القضائي في إسرائيل.
من بين أبرز مواد هذا المشروع هو “القانون الفرنسي”. الذي ينص على أن الرئيس أو رئيس الوزراء لا يمكن ملاحقته قضائيًا أثناء وجوده في السلطة. هذا القانون، لو تم تمريره. كان سيمنح نتنياهو حصانة ضد تهم الفساد التي تلاحقه. ورغم هذه المحاولات. فشل مشروع القانون بعد مواجهة معارضة شديدة من الشارع الإسرائيلي. حيث شهدت البلاد مظاهرات حاشدة ضد هذا المشروع وضد السياسات التي يسعى نتنياهو إلى تنفيذها لضمان بقائه في السلطة.
الفشل الاستخباري في هجوم 7 أكتوبر
في 7 أكتوبر من العام الماضي، تعرض نتنياهو لانتقادات شديدة بسبب فشل استخباراتي صاحب هجوم على إسرائيل من قطاع غزة. خلال هذا الهجوم، تعرضت إسرائيل لهجمات صاروخية من قبل حماس، وهو ما أثار موجة من الغضب الشعبي والانتقادات الموجهة لحكومة نتنياهو.
نتنياهو ألقى باللوم على مجلس الوزراء الأمني لتردده في اتخاذ قرار بشن حرب شاملة ضد غزة. وأكد في تصريحاته أن هؤلاء الذين ادعوا أن حماس قد تم ردعها كانوا مخطئين تمامًا. لكن في الواقع، فإن المسؤولية الأكبر تقع على نتنياهو باعتباره رئيس الوزراء وصاحب القرار السياسي النهائي. هذا الفشل الاستخباراتي زاد من الضغوط السياسية عليه، خاصة في ظل التحديات القانونية التي يواجهها.
التصعيد العسكري واستمرار الحرب في غزة
في سياق هذه الضغوط، واجه نتنياهو موجة أخرى من الانتقادات عندما رفض قبول مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لإنهاء الحرب في غزة. كانت هناك دعوات متزايدة داخل إسرائيل تطالب بقبول هذا المقترح والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة من قبل عائلات الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
إلا أن اليمين المتطرف، الذي يعتمد عليه نتنياهو في تحالفه السياسي، هدد بإسقاط الحكومة في حال قبول أي اتفاق ينهي الحرب. في ظل هذه الضغوط، وصف نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار بأنه “غير قابل للتنفيذ”، مشيرًا إلى أن الشروط طويلة الأمد لإنهاء الصراع لم تتحقق بعد.
وفي نفس السياق، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أنه سيقوم بحل الحكومة إذا وافقت على الاتفاق. هذا التصعيد السياسي والعسكري كان بمثابة محاولة من نتنياهو للحفاظ على سلطته من خلال إرضاء التحالفات اليمينية المتطرفة التي تسعى إلى استمرار الحرب.
اغتيال قادة حزب الله وحماس: قراءة في التصعيد العسكري
في إطار التصعيد العسكري، شهدت المنطقة عدة عمليات اغتيال استهدفت قادة في حزب الله وحماس. تم اغتيال القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر في بيروت. ثم الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران. وأخيرًا، تم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. هذه العمليات قد تُفسر على أنها محاولة لنسف أي فرصة لتحقيق تسوية سياسية للحرب في غزة.. لذا، ورغم مرور أشهر على الصراع، لم تصل المواجهات إلى نقطة اللاعودة.
سيناريوهات مستقبل نتنياهو
مستقبل نتنياهو السياسي يعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة، وهناك سيناريوهان رئيسيان:
– السيناريو الأول: فوز كامالا هاريس بالرئاسة، مما قد يؤدي إلى تسوية سياسية في غزة. هذا السيناريو سيشكل تهديدًا لمستقبل نتنياهو السياسي، حيث إن تحقيق تسوية سلمية قد يؤدي إلى تفكيك تحالفه مع اليمين المتطرف.
– السيناريو الثاني: فوز دونالد ترامب بالانتخابات، مما سيمنح نتنياهو الدعم السياسي الذي يحتاجه للاستمرار في منصبه دون قيود.
التصعيد العسكري وسياقات بقاء نتنياهو
التحركات الأخيرة التي يقودها نتنياهو تأتي ضمن ثلاثة سياقات رئيسية:
1. المحافظة على التحالف اليميني المتطرف: حكومة نتنياهو تعتمد على دعم الأحزاب اليمينية التي تسعى إلى استمرار الحرب وتعزيز النفوذ العسكري.
2. قطع الطريق على أي تسوية سلمية: قبول أي تسوية قد يعني تفكك التحالف الحاكم. وبالتالي تهديد مباشر لبقاء نتنياهو في السلطة.
3. إحراج الديمقراطيين في الولايات المتحدة نتنياهو يفضل التعامل مع إدارة ترامب وحزبه الجمهوري بدلًا من الديمقراطيين الذين يسعون إلى تحقيق تسوية سلمية في غزة.
في النهاية، يبدو أن نتنياهو يستغل الظروف السياسية والعسكرية لضمان استمراره في السلطة. حتى لو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة بأكملها.
اقرأ كذلك: هل آن الأوان لرحيل اليهود من فلسطين؟