الأسباب الكامنة وراء معركة طاعة المرأة لزوجها.. هل هو صراع على السلطة؟
الأسباب الكامنة وراء معركة طاعة المرأة لزوجها.. هل هو صراع على السلطة؟ … في 22 مارس 2019، أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش. في حديثه إلى أن “جوهر مشكلة عدم تحقيق المساواة بين الجنسين هو الصراع على السلطة”. وعبّر عن تعهده بمواصلة “الدفاع عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة داخل منظومة الأمم المتحدة”. وأوضح أن النساء قد تعرضن للتهميش والإقصاء بشكل منظم في مجتمع يهيمن عليه الذكور. هذه التصريحات تطرح الأساس الذي تقوم عليه العديد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة اليوم. وهو أن المسألة ليست مجرد مساواة على الورق، بل هي في صميمها صراع على السلطة بين الجنسين.
التفاوت بين الجنسين والتمييز الاجتماعي
في مقالته المنشورة في مارس 2020 بعنوان “التفاوت بين الجنسين في السلطة”. يواصل (غوتيريش) تسليط الضوء على هذا الصراع. ويذكر أن المرأة، في جميع أنحاء العالم. تعاني أوضاعًا أسوأ من الرجل لمجرد كونها امرأة. كما أن نساء الأقليات والمسنات وذوات الإعاقة والمهاجرات واللاجئات يعانين بشكل أكبر من غيرهن. ورغم التقدم الذي تم تحقيقه في العقود الأخيرة في مجال حقوق المرأة. مثل إلغاء القوانين التمييزية وزيادة الفتيات الملتحقات بالمدارس، فإن هناك قوى معاكسة تقف أمام هذه الإنجازات.
بعض الدول قامت بتخفيف القوانين التي تحمي النساء من العنف المنزلي والاغتصاب. في حين تعتمد دول أخرى سياسات معادية للمرأة تشمل التقشف والإنجاب القسري. وفي كل هذه السياقات. تتعرض الحقوق الجنسية والإنجابية للنساء للتهديد. هذا التراجع يعيدنا إلى لب القضية. وهو أن التفاوت بين الجنسين في السلطة هو نتيجة لصراع طويل الأمد بين الجنسين.
جذور الصراع بين الرجل والمرأة
إن التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي متجذر في السلطة الأبوية التي تشكلت عبر قرون. هذه السلطة التي كرست الفجوة الكبيرة بين الجنسين في مختلف القطاعات. سواء على مستوى الاقتصادات أو النظم السياسية أو المؤسسات التجارية. ومن هنا يتضح أن قضية المساواة بين الجنسين ليست مجرد مسألة حقوق، بل هي صراع على السلطة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وهذا الصراع يظهر في كل المجالات والمستويات. مما يعكس الحاجة الملحة لإعادة التفكير في كيفية التعامل معه.
الطاعة الزوجية: صراع على رئاسة الأسرة؟
إن ضخ فكرة أن جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة هو صراع على السلطة أدى إلى ترسيخ هذا المفهوم في أذهان الكثيرين. وأصبح هذا الصراع هو المعيار السائد في تحديد طبيعة العلاقة بين الجنسين، خاصة داخل الأسرة. فالأسرة هي المؤسسة الأساسية التي تجمع بين الرجل والمرأة في إطار من الشراكة والتفاعل المستمر. ومع ذلك، باتت فكرة الصراع على رئاسة الأسرة تغلب على الكثير من العلاقات الزوجية، مما دفع بعض النساء إلى رفض فكرة طاعة الزوج.
فمن الطبيعي أن ينتقل هذا الصراع إلى كل مؤسسة يشارك فيها الرجل والمرأة. وتصبح الأسرة بالتالي ساحة أخرى لهذا الصراع. هنا، يتبلور السؤال: هل الطاعة الزوجية في الإسلام تعتبر شكلًا من أشكال الهيمنة الذكورية أم أنها تحقق توازنًا ضروريًا لاستقرار الأسرة؟
دور الأمم المتحدة في تغيير الأنماط الاجتماعية
في إطار دعمها لمبدأ المساواة بين الجنسين، دعت الأمم المتحدة الدول المختلفة إلى ما أسمته “تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة”. وقد تم تضمين هذه الفكرة في المادة الخامسة من “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” التي اعتمدتها الأمم المتحدة في ديسمبر 1979. تنص المادة على ضرورة اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية القائمة على التحيزات التقليدية. بما في ذلك تلك التي تعتبر أحد الجنسين أدنى من الآخر أو التي تقوم على أدوار نمطية.
الكثير من الدول استجابت لهذه التعليمات عبر مناهجها التعليمية ووسائل الإعلام، مما أنتج جيلاً جديداً يحمل تصورات جديدة حول مفهوم المساواة. هذا الجيل بات يعتبر أن الحديث عن طاعة المرأة لزوجها يتناقض مع مفهوم المساواة. وأن الطاعة ما هي إلا شكل من أشكال الاستبداد الذكوري والتحيز الجندري.
الطاعة في ظل الإسلام: توازن وتكامل
على النقيض مما يتم الترويج له في بعض الدوائر الفكرية، فإن مفهوم الطاعة الزوجية في الإسلام قائم على أساس من التوازن والتكامل بين الزوجين. السلطة داخل الأسرة في الإسلام ليست تشريفية أو استبدادية، وإنما هي سلطة شورية تنفيذية. وهذا المفهوم يتماشى مع الكرامة الإسلامية التي يوليها الإسلام لكل من الرجل والمرأة.
ففي الإسلام، يضمن هذا التوزيع العادل للمهام داخل الأسرة استقرارها النفسي والاجتماعي. ويؤهلها لتحقيق أهدافها الكبرى، ومنها تربية جيل واعٍ وقادر على تحمل مسؤولياته في المجتمع. إن سلطة الرجل داخل الأسرة لا تعني السيطرة أو الاستبداد، بل هي سلطة قائمة على المشاركة والشورى.
تأثير الفكر الغربي على العلاقات بين الجنسين
يشير المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري إلى أن الفكر المادي الغربي قد انتقل عبر مراحل متعددة من التمركز حول الإنسان إلى التمركز حول جنس أو عرق معين. وقد أدى هذا التمركز إلى تعزيز الفكر العنصري تجاه الآخر. ومن ثم ظهرت حركات مثل الفاشية والنازية. وفقًا للمسيري، فقد اتبعت الحركة النسوية (الفيمنيزم) نفس المسار. حيث دعت إلى التمركز حول الأنثى، مما أدى إلى تعزيز فكرة الصراع بين الجنسين.
ويرى المسيري أن الحركة النسوية في إطارها المادي قد حقرت من دور المرأة داخل الأسرة وضربت بقيمته عرض الحائط. ولعل أبرز تعبير عن هذا التوجه هو ما قالته (سيمون دي بوفوار): “ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية”. هذا القول يعبر عن تمرد كامل على الأسرة التقليدية وعلى العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة.
الطاعة الزوجية في النموذج النبوي
عندما نتحدث عن نموذج الطاعة الزوجية في الإسلام، فإن السيدة خديجة رضي الله عنها تقدم لنا أبلغ مثال. فقد كانت سيدة مطاعة في قومها وتاجرة ناجحة، ومع ذلك لم تسعَ إلى فرض سلطتها داخل الأسرة عندما تزوجت من النبي محمد صلى الله عليه وسلم. بل جسدت نموذج الطاعة القائمة على التفاهم والشورى.
في موقف بدء الوحي، عندما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السيدة خديجة مرتجفًا، لجأ إليها طالبًا المشورة والمواساة. وهذا الموقف يظهر أن الطاعة في الإسلام لا تعني بالضرورة الخضوع التام، بل تعني التعاون والشورى لتحقيق مصلحة الأسرة.
مفهوم الطاعة في الإسلام: ليس استبدادًا بل استقرارًا
إن تصوير الطاعة الزوجية على أنها استعباد للمرأة داخل الأسرة هو تحريف للمفهوم الإسلامي. الطاعة في الإسلام ليست خضوعًا أعمى أو استبدادًا، بل هي ترتيب وظيفي يحقق التكامل بين الزوجين. وهذا المفهوم يضمن للأسرة استقرارها ويحافظ على تماسكها في مواجهة التحديات الخارجية.
الترويج لفكرة الصراع بين الرجل والمرأة داخل الأسرة هو دعوة إلى هدم الأسرة نفسها. الأسرة في الإسلام قائمة على أساس من التفاهم والتعاون، وليس على الصراع. لذلك، فإن الحفاظ على مفهوم الطاعة في إطار الشورى والتوازن يحقق استقرار الأسرة ويحميها من التفسخ والانهيار.
اقرأ أيضاً: لماذا يمضي الوقت بسرعة عندما نستمتع ويبطئ عندما نشعر بالملل؟