مدونات

ترامب والتخلي عن إسرائيل: مصالح اقتصادية تكتيكية تغيّر المعادلة

في مقاله المنشور بصحيفة معاريف العبرية، يرى الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام بـ(بيع إسرائيل) من أجل مصالح اقتصادية وصفقات تكتيكية. ويؤكد أن هذا التوجه شمل التفاهم مع جماعة أنصار الله الحوثيين، وقد يمتد لاحقًا ليشمل اتفاقًا مع إيران. كل ذلك بهدف تفادي أزمة اقتصادية داخلية تهدد مستقبله السياسي، خاصة فرصه في الفوز بولاية رئاسية ثانية.

تفاهمات ترامب: تحول خطير في العلاقة مع إسرائيل

يشير داسكال إلى أن اللحظة التي فضّل فيها ترامب التفاهم مع الحوثيين على حساب مصالح إسرائيل شكلت تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية. إذ يعتبر هذا الموقف نقطة انعطاف مفصلية تهدد الموقع الجيوسياسي لتل أبيب. كما قد تخرجها من دائرة الأطراف الفاعلة في معادلات الشرق الأوسط. فقد أدركت إسرائيل فجأة أنها لم تعد طرفًا محوريًا في حسابات واشنطن الجديدة.

تصاعد خيبة الأمل الإسرائيلية من إدارة ترامب

يرى الكاتب أن التقدير السائد اليوم في الأوساط الإسرائيلية هو أن ترامب ألقى بإسرائيل تحت عجلات الحافلة. هذا التصرف لم يكن نتيجة خلافات شخصية مع بنيامين نتنياهو فحسب، بل لأنه لم يعد يرى في إسرائيل أولوية إستراتيجية. بل تحولت إلى ورقة تفاوض يمكن تجاوزها بسهولة إن اقتضت المصلحة الأمريكية ذلك. ويظهر هذا التحول بوضوح في تعامل ترامب الأخير مع قضايا الشرق الأوسط.

الحوثيون والنفط: حسابات ترامب الجديدة

يشرح داسكال أن ترامب توصل إلى تفاهمات مع الحوثيين. هذه التفاهمات تضمنت وقف الهجمات على السفن الأمريكية قرب باب المندب. الهدف الأساسي من ذلك هو الحفاظ على استقرار طرق التجارة، وخاصة تدفق النفط. لأن أي تهديد لتلك الطرق ينعكس مباشرة على أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة. ومن خلال هذا الاتفاق، نجح ترامب في خفض حدة التوتر مؤقتًا، ما أراح السوق الأمريكي.

الاتفاق النووي مع إيران: الخيار القادم؟

لا يستبعد داسكال أن يقدم ترامب، في المرحلة المقبلة، على توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران. هذا الاتفاق قد يسمح لطهران باستخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية. وإذا كان هذا السيناريو يخدم هدفه الرئيسي، وهو تجنب الركود الاقتصادي، فلن يتردد في المضي قدمًا. فكل خطواته الخارجية أصبحت ترتبط مباشرة بحسابات الربح والخسارة داخل الولايات المتحدة.

النمو الأميركي يتراجع: خلفية الأزمة

وفقًا لأرقام نشرها صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو الأميركي إلى 1.8% بحلول عام 2025. هذا التراجع قد يؤثر على مجمل الاقتصاد العالمي، خاصة على حلفاء واشنطن التقليديين. بينما في المقابل، تشير المؤشرات إلى أن الصين لا تزال تحقق نموًا أعلى، رغم التحديات الاقتصادية. هذه الأرقام تجعل ترامب في سباق مع الزمن للبحث عن حلول مباشرة لتقوية الاقتصاد الداخلي.

موقع إسرائيل يتراجع في معادلات الطاقة

مع تنامي أهمية دول النفط والغاز، لم تعد إسرائيل قادرة على تقديم ما يغري الولايات المتحدة. فهذه الدول تستطيع تقديم حوافز اقتصادية أكبر، وصفقات أكثر ربحًا. ومن هنا، يرى داسكال أن موقع إسرائيل في الحسابات الأميركية سيتراجع تدريجيًا. خاصة في ظل تزايد الدور الجيوسياسي لدول الخليج، وما تمتلكه من نفوذ في أسواق الطاقة والتجارة.

تفكك الهيمنة الأمريكية: بداية النهاية؟

لا تقتصر تحولات ترامب على الشرق الأوسط فقط، بل ترتبط بتغيّرات أكبر تمس المنظومة الدولية. إذ يرى داسكال أن الهيمنة الاقتصادية التي بنتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بدأت تتفكك. فالدول الكبرى مثل الصين وروسيا والهند، بالإضافة إلى دول البريكس، تسعى الآن إلى فك ارتباطها بالدولار. وهي خطوات متقدمة لبناء نظام تجاري بديل لا يعتمد على العملة الأميركية.

تهديد الدولار الأميركي: الاقتصاد كسلاح يتراجع

حين يبدأ العالم بالتعامل بعملاته المحلية بدلًا من الدولار، تفقد واشنطن أحد أهم أدواتها: سلاح العقوبات الاقتصادية. ويشير داسكال إلى تصريحات السيناتور الأمريكي ماركو روبيو، الذي حذر من هذا التحول. إذ قال إن العالم يبني الآن اقتصادًا لا يخضع للدولار الأميركي. وفي حال استمر هذا النهج، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على فرض العقوبات كما اعتادت منذ عقود.

القيم المشتركة: مبرر الدعم الأميركي لإسرائيل يتلاشى

على مدى عقود، لم تقتصر العلاقة الأميركية الإسرائيلية على المصالح العسكرية فقط. بل ارتكزت أيضًا على ما تسميه واشنطن “القيم الديمقراطية المشتركة”. ومن خلال هذه العلاقة، حصلت إسرائيل على دعم متواصل في مجلس الأمن، وصفقات عسكرية متقدمة. ويضرب الكاتب مثالًا بمنظومة “السهم” الدفاعية، التي أنقذت إسرائيل -بحسب قوله- من الهجمات الإيرانية، والتي جاءت نتيجة لاتفاق إستراتيجي وُقع عام 1987.

منظومة السهم وتفوق سلاح الجو الإسرائيلي

يقول داسكال: “نظام السهم، الذي وفر الحماية لإسرائيل، هو ثمرة اتفاق بين وزير الدفاع الأميركي فرانك كارلوتشي وإسحاق رابين”. ويضيف أن تفوق القوات الجوية الإسرائيلية، وهو أحد أعمدة القوة العسكرية للدولة العبرية، يرجع بشكل مباشر إلى الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. لكن هذه الركائز بدأت تهتز، في ظل توجه ترامب نحو مصالح شخصية واقتصادية مباشرة، بعيدًا عن تلك القيم المزعومة.

ترامب: الربح السريع فوق كل شيء

في ختام مقاله، يوضح داسكال أن ترامب لم يعد يضع “القيم الديمقراطية” ضمن أولوياته. بل باتت حساباته موجهة نحو الربح السياسي والاقتصادي السريع. لم تعد إسرائيل شريكًا مميزًا في عهده. بل أصبحت طرفًا قابلاً للتخلي عنه. وهذا التحول، وفقًا للكاتب، قد يُحدث زلزالًا إستراتيجيًا في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن، خاصة إذا استمرت إدارة ترامب في هذا المسار البراغماتي الذي لا يعترف إلا بالمصلحة المباشرة.

اقرأ كذلك: تسريبات: حكومة إسر!ئيل صدّقت على خطة لاحتـ .ـلال غزة بالكامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات