العالم

التوتر الأمني في الساحل السوري.. صراع النفوذ ومستقبل الاستقرار

الساحل السوري في قلب المواجهة.. هل تنجح الدولة في احتواء التهديدات الأمنية؟

عاد الساحل السوري إلى الواجهة مجددًا بعد سلسلة من الكمائن المسلحة التي نفذتها فلول النظام السابق في محيط جبلة بريف اللاذقية. وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 15 من أفراد الأمن العام، مما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات مشددة لضبط الأوضاع الأمنية. هذه التطورات تعكس حجم التحديات التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة في فرض سيطرتها على المنطقة. فهل تنجح الدولة في احتواء هذه التهديدات، أم أن الساحل سيظل ساحة لصراع النفوذ؟

محاولات لزعزعة الأمن.. من يقف وراء التصعيد؟

يرى الخبير العسكري عصمت العبسي أن النظام السابق يسعى إلى إعادة إشعال الفتنة في الساحل السوري. فبحسب رأيه، تعمل فلول بشار الأسد على تحريك بعض القوات المنهارة لتنفيذ عمليات هجومية ضد قوى الأمن، في محاولة لتعطيل الاستقرار وإرباك الإدارة الجديدة.

ويؤكد العبسي أن هذه التحركات ليست عشوائية، بل تستند إلى دعم خارجي واضح. إذ أشار إلى التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تعكس موقفًا داعمًا لهذه الفلول. كما وصف الهجمات الأخيرة بأنها جزء من مخطط معدّ مسبقًا، وليس مجرد تحركات فردية.

جبهة مقاومة جديدة.. هل تتحول إلى تهديد إقليمي؟

كشفت وكالة مهر الإيرانية، الثلاثاء الماضي، عن تأسيس “جبهة المقاومة الإسلامية” في سوريا، والتي أُطلق عليها اسم “أولي البأس”. وأوضحت الوكالة أن الهدف من هذه المبادرة هو “توحيد الصفوف في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد”، مشيرة إلى أن الإعلان عنها جاء في ظل التطورات الأمنية المتسارعة.

لكن هذا الإعلان يثير تساؤلات حول الدور الفعلي لهذه الجبهة. فهل ستكون مجرد قوة دفاعية، أم أنها ستتحول إلى أداة تستخدمها قوى إقليمية لتعزيز نفوذها في سوريا؟ هذا الاحتمال قد يزيد من تعقيد المشهد، خاصة إذا تطورت هذه الجبهة إلى فصيل مسلح يعمل خارج سيطرة الدولة.

قدرة القوات الأمنية على ضبط المشهد.. هل يكفي الدعم الداخلي؟

على الرغم من هذه التهديدات، يؤكد العبسي أن القوات الأمنية التابعة للإدارة السورية الجديدة قادرة على فرض الاستقرار في الساحل. إذ شدد على أن الجيش وقوات الأمن العام والأمن الداخلي لا يعانون من أي نقص في الموارد أو الإمكانيات اللازمة لمواجهة هذه التحديات.

وأوضح أن التعزيزات الأمنية التي أُرسلت إلى الساحل لا تعكس ضعفًا، بل تحمل دلالات رمزية. فهي تهدف إلى إيصال رسالة واضحة مفادها أن جميع المحافظات السورية موحدة في مواجهة فلول النظام السابق، وأن استعادة الأمن في الساحل قضية وطنية لا تقتصر على منطقة بعينها.

تحركات عسكرية لدعم الأمن.. تكتيك استراتيجي أم إجراء طارئ؟

ذكرت مصادر للجزيرة أن قوات تابعة لإدارة العمليات العسكرية بدأت في التحرك من محافظات إدلب وحماة وحمص وحلب باتجاه الساحل السوري. ويأتي هذا الدعم بهدف تعزيز العمليات الأمنية وضمان عدم تمدد الخلايا المسلحة في المنطقة.

ويرى مراقبون أن هذا التحرك ليس مجرد رد فعل طارئ، بل يعكس إستراتيجية شاملة تهدف إلى إنهاء أي تهديد قد يؤثر على استقرار الدولة. فالقيادة الأمنية تدرك أن ترك الساحل بدون ضبط قد يسمح بعودة النظام السابق من خلال خلاياه المتبقية، مما قد يؤدي إلى موجة جديدة من الفوضى.

دور وزارة الدفاع في استعادة السيطرة.. ما الخطوات القادمة؟

أكد مصدر أمني سوري أن وزارة الدفاع وقوات الأمن تنفذان عمليات ميدانية مكثفة لضبط الأمن وملاحقة العناصر الإجرامية في اللاذقية. وأوضح أن المجموعات المتحصنة هناك تضم مجرمي حرب كانوا تابعين للضابط السابق سهيل الحسن، والذي كان يُعرف بولائه المطلق للنظام السابق.

وأشار المصدر إلى أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة استقرار وبناء تحت سلطة القانون. وأضاف أن الدولة لن تسمح بفرض أي واقع جديد خارج إطار السلطة الشرعية، وستواصل عملياتها الأمنية حتى يتم القضاء على كل المجموعات الخارجة عن القانون.

فرض القانون أم تصعيد المواجهة.. أي مستقبل ينتظر الساحل؟

شددت القيادة السورية على أن استعادة السيطرة الكاملة على الساحل مسألة لا تقبل التفاوض. إذ أكدت أن الدولة ستفرض سلطتها على جميع المناطق، ولن تسمح بوجود أي تنظيمات مسلحة تعمل خارج إطار القانون.

كما دعت جميع المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه. هذا التعاون يُعدّ عنصرًا أساسيًا في نجاح العمليات الأمنية، حيث يساعد في كشف التحركات المشبوهة قبل أن تتحول إلى تهديدات فعلية.

الانعكاسات الإقليمية.. هل يتدخل اللاعبون الدوليون؟

لا يمكن فصل التصعيد في الساحل السوري عن التغيرات الإقليمية. فالدعم الإيراني لفلول النظام السابق يشير إلى احتمال تورط قوى خارجية في زعزعة استقرار المنطقة. وهذا قد يدفع أطرافًا أخرى، مثل تركيا وروسيا، إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا.

كما أن استمرار التوتر قد يؤثر على العلاقة بين دمشق وبعض القوى الغربية. فالمجتمع الدولي يراقب الوضع عن كثب، وقد يؤثر تصاعد العنف على جهود إعادة الإعمار والمفاوضات السياسية المستقبلية.

هل تنجح سوريا في تجاوز الأزمة؟

الساحل السوري يواجه تحديًا أمنيًا خطيرًا، لكنه ليس التحدي الأول الذي يواجه البلاد. فالقيادة الأمنية أثبتت قدرتها على التعامل مع أزمات مشابهة، وهي تعمل الآن على فرض الاستقرار ومنع أي محاولات لزعزعة الأمن.

لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستتمكن الدولة من القضاء على فلول النظام السابق دون الدخول في مواجهة أوسع؟ أم أن هذه الأحداث ستكون مقدمة لصراع جديد قد يعيد تشكيل المشهد السوري؟

الإجابات لا تزال غير واضحة، لكن ما هو مؤكد أن الساحل السوري سيظل محورًا رئيسيًا في المعادلة الأمنية السورية خلال الفترة القادمة.

اقرأ كذلك: إسرائيل وسوريا: هل تقود تل أبيب دمشق نحو التفكك أم الخضوع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات