سياحة

لا تكتمل زيارة إسطنبول دون تجربة جولة في البازار الكبير

البازار الكبير في إسطنبول: رحلة عبر الزمن لاكتشاف تاريخ التجارة العثمانية وتجربة تسوق فريدة في قلب المدينة

زيارة إسطنبول لا تكتمل إلا بجولة في البازار الكبير. لا تكتمل الرحلة إلى إسطنبول دون زيارة “البازار الكبير” أو “كابالي شارشيه”، الذي يُعد واحدًا من أقدم وأشهر الأسواق في تركيا. يُعتبر البازار الكبير من أكبر الأسواق المغطاة في العالم، ويعد وجهة أساسية للسياح والمقيمين على حد سواء. بمجرد أن تطأ قدماك أزقته الضيقة، ستشعر وكأنك قد انتقلت إلى حقبة زمنية قديمة، حيث تعيش في عالم آخر مليء بالعراقة والتاريخ. في كل زاوية من زوايا السوق ستجد آثارًا تاريخية تحكي قصصًا عن مئات السنين من التجارة والحياة اليومية في إسطنبول.

البازار الكبير: قلب إسطنبول النابض

وصف الشاعر الروسي جوزيف برودسكي، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، البازار الكبير بأنه “قلب ودماغ وروح إسطنبول”. لقد عبر عن هذا الشعور في كتابه “رحلة إلى إسطنبول”، الذي نشره عام 1992. يعتبر البازار معلمًا بارزًا يعكس هوية المدينة وتاريخها العريق. هذا السوق ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو متحف حي يعرض تاريخًا طويلًا من التجارة والعلاقات الثقافية.

تاريخ طويل يعود إلى العهد العثماني

تأسس “البازار الكبير” في القرن الـ15 الميلادي، وكان جزءًا من جهود السلطان محمد الفاتح (1432-1481م) لتعزيز التجارة في إسطنبول بعد فتح القسطنطينية. بدأ بناء البازار في عام 1455، وبعد ثماني سنوات، في عام 1461، تم الانتهاء من بناء السوق. ومنذ ذلك الوقت أصبح البازار الكبير نقطة محورية للتجارة في المدينة وأحد أبرز معالم إسطنبول التاريخية.

في البداية كان البازار مجرد هيكل خشبي بسيط، ولكن مع مرور الوقت تم استخدام الطوب والحجارة في بناء السوق، مما جعله يتسع تدريجيًا ليصبح من أكبر الأسواق في العالم. كان البازار الكبير في بداياته مخصصًا للتجارة في السلع الأساسية مثل الأقمشة والتوابل، ولكن مع مرور الزمن توسع ليشمل مجموعة واسعة من السلع الأخرى، مثل المجوهرات والذهب والفضة والحرف اليدوية.

الظروف الجوية وتأثيرها على تصميم السوق

بسبب الطقس السيئ في فصل الشتاء، بدأ التجار في كل شارع من شوارع السوق في بناء أسقف لحماية زبائنهم من الأمطار والبرد. سرعان ما أصبح السوق مغطى بالكامل، وأصبح معروفًا بلقب “السوق المغطى”. لا يقتصر تصميم السوق على كونه مجرد سقف يحمي الزوار من العوامل الجوية، بل يحتوي أيضًا على نوافذ وفتحات صغيرة توفر الضوء والهواء الطبيعي للسوق. بالإضافة إلى ذلك، تم تزيين سقف السوق برسومات هندسية ونباتات جميلة، مما أضاف جمالية خاصة لهذا المعلم التاريخي.

الموقع الجغرافي وأهمية السوق

يقع البازار الكبير في قلب المنطقة التاريخية داخل أسوار المدينة القديمة في منطقة الفاتح بإسطنبول. يمتد البازار على مساحة تزيد عن 30 ألف متر مربع، ويضم 18 بابًا رئيسيًا، منها باب جامع نور عثمانية، باب المنجدين، باب محمود باشا، وباب بايزيد. يعتبر البازار جزءًا أساسيًا من المدينة القديمة، وهو بمثابة نقطة التقاء بين العديد من الثقافات والتقاليد التي شكلت تاريخ إسطنبول.

داخل السوق، يمكنك العثور على العديد من المعالم السياحية والخدمية مثل المساجد والنوافير والمقاهي. يحتوي السوق أيضًا على أربعة نوافير ومسجدين، إضافة إلى مراكز للشرطة ومراكز معلومات لخدمة الزوار والسياح.

البازار الكبير وأحياءه المتنوعة

يضم البازار أكثر من 60 شارعًا فرعيًا، يختص كل منها بنوع معين من السلع. على سبيل المثال، تجد في شارع خاص بسوق الذهب، وآخر للفضة، وآخر للنحاس، وآخر للأقمشة والسجاد. كل شارع يحمل اسم الحرفة أو النشاط التجاري الذي يتم تداوله فيه، مما يتيح للزوار التنقل بين الأحياء بسهولة للعثور على ما يبحثون عنه.

البازار الكبير اليوم يحتوي على نحو 6 آلاف متجر يعمل بها أكثر من 26 ألف شخص، مما يجعله أحد أكبر أسواق العالم من حيث عدد المحلات التجارية وحجم التجارة اليومية. لا تقتصر الحركة التجارية في البازار على بيع السلع المادية فقط، بل تشمل أيضًا الخدمات مثل الصرافة وتبديل العملات.

سوق الذهب: وجهة المتسوقين المهتمين بالمجوهرات

من أبرز أسواق البازار الكبير هو سوق الذهب، الذي يُعد من أفضل الأماكن لشراء الذهب والمجوهرات في إسطنبول. يضم هذا السوق أكثر من 400 متجر لبيع الذهب والمجوهرات، بعضها يعود إلى قرون مضت، مثل متجر “جومروك موشاورليجي”، الذي تأسس في عام 1748 ولا يزال يعمل حتى اليوم.

سوق الذهب في البازار ليس مجرد مكان لشراء المجوهرات، بل كان في الماضي مركزًا للبورصة في العهد العثماني، حيث كان يتم تداول المجوهرات والمعادن الثمينة. اليوم، يعتبر هذا السوق واحدًا من أكثر أسواق الذهب شهرة في العالم، حيث يضم العديد من المتاجر التي تقدم أرقى وأجود أنواع الذهب والمجوهرات، بما في ذلك القطع المصنوعة يدويًا.

الذهب وعلاقته بالاقتصاد التركي

الذهب في تركيا يُعد عنصرًا أساسيًا في ثقافة الاستثمار وحفظ الثروة، خاصة في ظل تقلبات سعر صرف الليرة التركية والتضخم. يلعب سوق الذهب في البازار الكبير دورًا محوريًا في تحديد أسعار الذهب في تركيا، حيث تتأثر الأسعار بشكل مباشر بالطلب على الذهب.

عندما يرتفع الطلب على الذهب في السوق، يؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار، مما يؤثر في سعر صرف الليرة التركية. عادةً ما يتم تداول الذهب بالدولار الأمريكي، وبالتالي عندما تنخفض قيمة الليرة أمام الدولار، يضطر المشترون إلى دفع المزيد من الليرات لشراء نفس الكمية من الذهب، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار المحلية.

التحديات والأزمات التي مر بها البازار

على مر العصور، تعرض البازار الكبير لعدة أزمات وكوارث طبيعية مثل الزلازل والحرائق. من أشهر الأزمات التي مر بها البازار كان “الحريق الكبير” الذي دمر جزءًا كبيرًا من السوق عام 1940. هذا الحريق كان نتيجة إهمال بعض التجار في تأمين أسطح المحلات، وهو ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من السوق.

من أجل الحفاظ على هذا المعلم التاريخي، تم تأسيس “جمعية البازار الكبير” في عام 1950. كانت الجمعية مسؤولة عن تنظيم شؤون السوق. وتطوير قوانين السلامة، وصيانة الهيكل المعماري الأصلي للسوق. منذ تأسيس الجمعية. تم إجراء العديد من التحديثات على البنية التحتية للسوق. بما في ذلك تحديث أنظمة الإضاءة والصرف الصحي. مما يساهم في توفير تجربة مريحة وآمنة للزوار.

التجربة السياحية في البازار الكبير

تعتبر زيارة البازار الكبير جزءًا لا يتجزأ من التجربة السياحية في إسطنبول. هناك. يمكن للزوار الاستمتاع بالتسوق في الأسواق الفرعية المختلفة. وتذوق المأكولات التركية التقليدية. واستكشاف المعالم التاريخية التي تملأ السوق. يمكن للزوار أيضًا زيارة المقاهي التي تزين أرجاء السوق. حيث يمكنهم أخذ قسط من الراحة والاستمتاع بمشروب تركي تقليدي.

عند التجول في شوارع البازار الكبير. يمكن للزوار أن يشعروا وكأنهم قد عادوا في الزمن. حيث يشهدون مزيجًا من الأصوات والروائح التي تعكس تاريخًا طويلًا من التجارة والتفاعل الثقافي.

البازار الكبير في إسطنبول هو أكثر من مجرد سوق؛ إنه معلم ثقافي وتاريخي يروي قصة عراقة المدينة وتاريخها العميق. من خلال جولة في هذا السوق. يمكن للزوار اكتشاف عوالم متعددة من الثقافة والتجارة والاقتصاد. ما يجعله من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول.

اقرأ كذلك :استمتع بزيارة المتاحف الليلية في قلعة بودروم التركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات