ما الذي يحدث عندما نفقد شخصًا عزيزًا للمرة الأولى؟
كيفية مواجهة ألم فقدان الأحبة: الصبر والتحمل كسبيل للتعافي من مشاعر الحزن العميق ومراحل الحداد المتعددة والتكيف مع الحياة بعد الفراق
ما الذي يحدث عندما نفقد شخصًا عزيزًا للمرة الأولى؟… تأثير فقدان الأحباء: كيف نواجهه ونستمر في الحياة؟ فقدان الأحبة يعد تجربةً قاسيةً ومؤلمةً يمر بها معظم الناس في حياتهم، وقد يكون تأثيرها عميقًا وشديدًا لدرجة يصعب تخطيه بسهولة. بالنسبة للأشخاص الذين لم يسبق لهم خوض تجربة فقدان شخص عزيز، قد يتخيلون أن الأمر يتمثل فقط في البكاء لفترة ثم العودة للحياة بطبيعية. دون وعي تام بأبعاد تلك التجربة المؤلمة. هذه الفكرة تُشبه الصورة النمطية التي تُظهر الفقدان وكأنه مجرد حدث مؤقت يعقبه استعادةٌ تلقائيةٌ للحياة. لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا ومعقدًا بشكل أكبر. حيث تكون الصدمة والحزن العميق هما المشاعر الأساسية التي تُسيطر على الإنسان. وتشكل التجربة مشقةً نفسيةً تحتاج إلى وقت وجهد لتجاوزها.
الصدمة: الشعور الطاغي بعد الفقدان
عند فقدان شخص قريب، يمر الإنسان بحالةٍ من الصدمة العميقة التي تجعل من الصعب عليه استيعاب الواقع. الصدمة تكون في البداية هي الشعور الأساسي. حيث يدخل الإنسان في حالة من عدم التصديق أو الإنكار المؤقت. وفي تلك اللحظات. يصعب عليه تخيل الحياة بدون هذا الشخص العزيز الذي كان يشكل جزءًا أساسيًا من يومه وحياته. ربما يجد الإنسان نفسه غير قادر على تخيل نفسه وهو يستمر في الحياة بعد غياب الشخص المفقود. مما يسبب شعورًا بالفراغ العميق والاضطراب الداخلي.
إن الفقدان العميق يجعل الشخص يشعر أن حياته فقدت جزءًا جوهريًا. خاصةً عندما يكون الفقيد له تأثير كبير في تفاصيل حياته اليومية. فكل شيء، من الأنشطة البسيطة إلى القرارات الكبيرة، يكون مرتبطًا بوجود هذا الشخص في حياته، لذلك يصبح تصور الحياة دونه أمرًا مؤلمًا وغامضًا. لا يدرك الشخص كيف سيواجه الحياة دون دعم ومساندة الفقيد، وهذه التساؤلات تسبب له ألمًا نفسيًا وعاطفيًا مستمرًا.
مراحل الحزن والتعافي
إن فقدان الأحباء لا يقتصر فقط على الحزن: بل يتضمن المرور بمراحل نفسية متتابعة قد تختلف من شخص لآخر، ولكنها عادةً تتضمن الصدمة. ثم الإنكار. وبعدها الغضب. ومن ثم الحزن العميق الذي قد يستمر لفترة. قد يجد الإنسان نفسه متجمدًا في مرحلة معينة من الحزن، غير قادر على تخطيها، مثلما حدث معي شخصيًا. إذ استمرت مشاعر عدم التصديق لفترة طويلة بعد مضي الأشهر على وفاة أحد أفراد عائلتي. كنت أجد نفسي أنسى للحظات ما حدث. وكأنني أعيش في وهم بأن الشخص ما زال حيًّا وأقوم بالتصرفات التي تتناسب مع ذلك الوهم. كانت هذه التجربة تجعلني أشعر أنني أعيش ألم الفقدان مرارًا وتكرارًا.
من الطبيعي أن يمر الإنسان بمراحل الحزن هذه. ولكن كل مرحلة تحتاج إلى وقت وصبر لتجاوزها. يساعد الإنسان أن يدرك أنه قد يواجه مشاعر الحزن الشديد وعودة الذكريات المؤلمة بين حين وآخر، وهذا ليس أمرًا غريبًا أو غير طبيعي. بل هو جزء من عملية الشفاء. البعض يعتقد أن الحزن مؤقت وسيمر سريعًا، ولكن الحقيقة أن تأثير الفقدان يبقى طويلًا، وقد يظهر من وقت لآخر في مناسبات أو لحظات غير متوقعة. خاصةً حينما نتذكر اللحظات الجميلة التي جمعتنا مع من فقدناهم.
تأثير الحب والارتباط العاطفي على حجم الحزن
الحب العميق للأشخاص الذين نفقدهم يجعل من الصعب علينا تجاوز الفقدان بسهولة، إذ أن مشاعر الحب تجعل الذكريات أقوى وأكثر حضورًا. البعض يعتقد أن الحزن على الشخص يعود فقط إلى ارتباطنا القريب به مكانيًا. ولكن الحقيقة أن الحب مشاعر متجذرة في قلوبنا. وهذه المشاعر تزداد كلما كنا قريبين من الشخص عاطفيًا. فقد جاء في الشعر قول الشاعر محمد مهدي الجواهري:
“قد يقتل الحزن مَن أحبابه بَعُدوا عنه، فكيـفَ بمـن أحـبابه فُـقِـدوا.”
وهذا البيت يعبر بوضوح عن مشاعر الحزن الشديدة التي يمر بها الإنسان عند فقدان الأحباب.
فالحزن يصبح مضاعفًا مع تعاظم حبنا للشخص. ومع الذكريات التي كانت تربطنا به. وحين يكون الموت هو السبب، تزداد مشاعر الفراق صعوبةً وألمًا؛ لأن الفراق هنا أبديٌ ولا توجد فرصة للقاء أو الاستماع إلى كلماتهم مجددًا. هؤلاء الأحباء قد يغادرون العالم، لكنهم لا يغادرون قلوبنا، حيث تبقى ذكراهم حاضرةً في كل تفاصيل حياتنا.
الصبر وأهميته في مواجهة الفقدان
الصبر هو السبيل الذي يعين الإنسان على تحمل مشاق الحزن وأعبائه. فالصبر ليس فقط الكلمة التي نرددها لتهدئة النفس. بل هو فعل يتحول إلى طوق نجاة. يقول ابن القيم في كتابه “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين”:
“الصبر هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي، والجوارح عن التعبير المؤلم.”
حين يدرك الإنسان أن الصبر هو الأسلوب الأمثل لتحمل الفقدان. فإنه يجد داخله قدرةً أكبر على التحمل. ويدرك أن الصبر يساعده في تخطي الحزن شيئًا فشيئًا. حتى وإن كان الحزن في البداية يبدو وكأنه لا ينتهي.
في بعض الأوقات، يصبح الصبر هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من الوقوف مجددًا بعد الفقدان. حين يتذكر الإنسان أن هذه الحياة ليست أبدية، وأن كل شيء مقدر له نهاية. يستطيع أن يتعامل مع الحزن بشكل أفضل، ويعي أن الحزن والألم لا يدومان كما لا يدوم الفرح. القرآن الكريم يعطينا آيات تساعدنا على الصبر، مثل قوله تعالى: {إنّ الله مع الصابرين}. والتي تجعلنا ندرك أن الصبر هو أمرٌ مباركٌ يساعدنا على تحمل واقع الحياة.
الصبر بين الكرام واللئام
أشار ابن القيم إلى أن الصبر يمكن أن يتخذ أشكالًا مختلفة. فقد صنف الصبر إلى نوعين، أحدهما صبر الكرام. والآخر صبر اللئام. فالكريم يصبر برغبةٍ منه وقناعةٍ بأهمية الصبر. وهو يعتقد أن الصبر سيمنحه عاقبةً طيبة. بينما اللئيم يصبر اضطرارًا لأنه لا يملك خيارًا آخر. ويقول ابن القيم:
“الكريم يصبر في طاعة الرحمن، واللئيم يصبر في طاعة الشيطان.”
وهنا يظهر لنا الفرق الكبير في التعامل مع الفقدان. فالإنسان يجب أن يختار صبر الكرام الذي يساعده على تحمل الألم برضى وهدوء.
الإنسان في حياته يجب أن يختار كيف يصبر. هل سيكون صبره على طاعة الله والتزام الصلوات والدعاء؟ أم سيختار الجزع والغضب الذي لا يغير شيئًا؟ الصبر في طاعة الله يجلب السكينة للقلوب ويعطي الإنسان شعورًا بالرضا، ويجعله يرى الأمور بشكل مختلف. بينما الصبر الممزوج باليأس قد يزيد من مشاعر الحزن ويؤدي إلى التعاسة.
الصبر وأجره العظيم
لا يكون الصبر عونًا فقط للإنسان على تحمل الحزن. بل هو وسيلة لتكفير الذنوب أيضًا. ففي الحديث الشريف. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى، إلا كفر الله بها من خطاياه.” فعندما يدرك الإنسان أن صبره على الألم يساعده في تخفيف ذنوبه، يعظم ذلك في نفسه أهمية الصبر ويزيد من عزيمته على التحمل. يساعد هذا الإدراك في منح الإنسان القوة للتعامل مع الفقدان بطريقة هادئة وإيجابية.
وفي حديث آخر. قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “ومن يتصبر يصبره الله.” هنا يظهر أن الصبر ليس مجرد موقف يتخذه الإنسان. بل هو هبة من الله تعالى تأتي لمن يسعى للتصبر والتحمل. فالله يمنح الصابرين سكينةً خاصة. ويجعلهم يشعرون بوجوده معهم. مما يخفف من وطأة الألم.
ختامًا: الصبر كسبيل للتعامل مع الابتلاءات
الحياة مليئة بالابتلاءات. والموت هو أقساها. لا يجب أن نترك أنفسنا تذوب في دوامة الحزن والعجز. بل علينا أن نتمسك بالصبر ونثق بالله. الصبر يعيننا على تجاوز الألم ويمنحنا القدرة على التكيف مع الحياة بعد فقدان الأحباء. إذا نظرنا إلى الصبر كطريق للنجاة ووسيلة للتغلب على الآلام. سنجد أن الحياة. مهما كانت مليئة بالتحديات. ستصبح أقل وطأة.
أذكر جدتي التي فارقتنا وأدعو الله لها ولجميع موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة. فقد كانت تجربة فقدها درسًا في أهمية الصبر
اقرأ كذلك :طرق الحصول على مقعد درجة رجال الأعمال في الطائرة بأسعار مخفضة