أنفاق حزب الله الهائلة والمعقدة: هل تشكل عامل الحسم في صراعه مع إسرائيل؟
"كيف أصبحت الأنفاق سلاحًا إستراتيجيًا لحزب الله في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي خلال الحروب والصراعات الحديثة؟"
أنفاق حزب الله: من التكتيك العسكري إلى استراتيجية الدفاع في 16 أغسطس/آب الماضي، قبل بدء العملية البرية الإسرائيلية في الجنوب اللبناني، قام الإعلام الحربي التابع لحزب الله بخطوة استثنائية. حيث نشر مقطعًا مصورًا تحت عنوان “جبالنا خزائننا”، ليعرض قدرات الأنفاق التي بناها الحزب ومنشآته تحت الأرض في جنوب لبنان القريبة من الحدود الإسرائيلية.
نقطة الانطلاق كانت منشأة عسكرية ضخمة، أطلق عليها الحزب اسم “عماد 4″، وهي واحدة من سلسلة منشآت محصنة شُيدت داخل أنفاق ضخمة. صممت هذه الأنفاق لتكون قادرة على استيعاب الشاحنات الكبيرة، مركبات الدفع الرباعي والدراجات النارية، كما تم نصب منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية على فوهاتها. تم تسمية هذه المنشأة تيمنًا باسم عماد مغنية، القائد العسكري البارز في حزب الله الذي اغتالته إسرائيل عام 2008.
في الأوساط الإسرائيلية، تلقت هذه الخطوة ردود فعل متنوعة، حيث وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مقطع حزب الله بأنه “فيديو تهديدي”، واعتبرت المنشأة التي ظهرت فيه بأنها أكثر تطورًا بكثير من الأنفاق البدائية التي استخدمها الحزب في حرب يوليو/تموز 2006. في تلك الحرب، منيت إسرائيل بهزيمة نكراء، مما دفعها إلى إجراء تحقيقات داخلية عديدة لتحديد أوجه القصور التي تسببت في نتائج الحرب غير المرغوب فيها.
الأنفاق: أداة تكتيكية قديمة ولكن فعالة
لا يعد استخدام الأنفاق في الحروب أمرًا حديثًا، بل هو تكتيك قديم يمتد عبر العصور. وفقًا للمصادر التاريخية، كان الآشوريون هم أول من استخدموا الأنفاق لاقتحام المدن المحصنة قبل أكثر من 4 آلاف عام. وفي العصر الحديث، استخدم هذا التكتيك بشكل متزايد في الحروب غير المتماثلة أو الهجينة، حيث يعتمد طرف أقل قوة على الأنفاق لتحقيق مزيد من المناورة والتفوق التكتيكي على العدو.
في هذا السياق، يمكن أن تكون الأنفاق أداة حاسمة في الحروب التي تشمل طرفًا قويًا وآخر أقل قدرة، إذ تساهم الأنفاق في إخفاء تحركات القوات والعتاد، وتفادي الهجمات الجوية أو البرية المباشرة من العدو الأقوى. على الرغم من أن الأنفاق لا تقتصر على هذه الحروب، فقد استخدمت أيضًا في الحروب التقليدية بين الدول التي تشهد مواجهات بين جيشين نظاميين.
أمثلة تاريخية على استخدام الأنفاق في الحروب
في الخمسينيات، بعد انتهاء حرب الكوريتين، أقامت كوريا الشمالية عدة أنفاق على الحدود بين الكوريتين، وفي السبعينيات، اكتشفت كوريا الجنوبية أربعة من هذه الأنفاق المتطورة، التي كانت تهدف إلى شن هجوم مفاجئ على الجنوب.
ومن جهة أخرى، شهدت الحرب الروسية الأوكرانية استخدام الأنفاق بشكل متكرر من قبل الجيش الأوكراني. تلك الأمثلة تشير إلى أن الأنفاق يمكن أن تكون أداة فعالة جدًا في مختلف الحروب، لا سيما في الحروب التي تميزها التفاوت الكبير في القوة.
وفي غزة، استخدمت المقاومة الفلسطينية الأنفاق بشكل موسع ضد الاحتلال الإسرائيلي. فقد تبين أن هذه الأنفاق أكبر وأكثر تعقيدًا مما كان يعتقده الجيش الإسرائيلي في البداية. في لبنان، يستخدم حزب الله الأنفاق حاليًا بطريقة مشابهة، مما يثير تساؤلات حول سر استخدامها من قبل خصوم إسرائيل كجزء أساسي من تكتيكات المواجهة.
بنية الأنفاق لدى حزب الله
لطالما كانت إسرائيل تتمتع بتفوق جوي وتقني، مما دفع خصومها إلى الابتكار والبحث عن وسائل جديدة لمواجهة هذا التفوق. وفقًا لما قاله إيال وايزمان، المهندس المعماري الإسرائيلي، في كتابه “أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي”، فإن المقاومة تحت الأرض كانت الحل الأمثل لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي. فكلما زادت فعالية السلاح الجوي الإسرائيلي، كان لزامًا على خصومها أن يتراجعوا أعمق تحت سطح الأرض.
إسرائيل حاولت تدمير شبكة أنفاق حزب الله في عملية “درع الشمال” عام 2018، عندما أعلنت عن اكتشاف 6 “أنفاق هجومية” تمتد إلى 40 مترًا تحت الأرض. ومع ذلك، فإن المعلومات الدقيقة حول عمق وطول شبكة الأنفاق التابعة لحزب الله ظلّت محدودة. لكن الدراسات أظهرت أن الأنفاق تتراوح عمقها بين 40 و60 مترًا، فيما يصل طول بعضها إلى 45 كيلومترًا.
استراتيجية حزب الله في بناء الأنفاق
منذ نهاية حرب لبنان الثانية عام 2006، بدأ حزب الله في إعداد خطة دفاعية شاملة تحسبًا لأي غزو إسرائيلي جديد. الأنفاق كانت جزءًا أساسيًا من هذه الخطة الدفاعية. وبحسب دراسة لمركز أبحاث “ألما” الإسرائيلي، أصبح لحزب الله شبكة معقدة وواسعة من الأنفاق التي تصل مئات الكيلومترات، وبعضها يمتد إلى سوريا. الأنفاق لا تقتصر على كونها مجرد ممرات، بل هي بمثابة “مدن تحت الأرض” تضم مراكز للقيادة، مستشفيات ميدانية، مستودعات للأسلحة، ومنصات لإطلاق الصواريخ.
بحسب الباحثين، يُعتقد أن كوريا الشمالية قد قدمت المساعدة في تطوير هذه الأنفاق في عام 2000، مستفيدة من خبرتها الواسعة في بناء المنشآت العسكرية تحت الأرض. تدرّب مستشارون من كوريا الشمالية بعض فرق حزب الله في كيفية حفر الأنفاق واستخدام الأجهزة التكنولوجية الهندسية اللازمة لهذا الغرض.
الأنفاق: أداة حاسمة في مواجهة التفوق الإسرائيلي
تتميز الأنفاق في لبنان عن نظيرتها في غزة من حيث بيئة الأرض والجبال. ففي غزة، على الرغم من وجود الأنفاق. فإن الأرض هناك أكثر هشاشة مقارنة بالجنوب اللبناني الذي يحتوي على صخور صلبة وجبال تجعل حفر الأنفاق أكثر صعوبة. ولكن في المقابل، تجعل الأنفاق أكثر قوة وصمودًا في مواجهة القصف. في الوقت الذي يمكن أن تُدمّر فيه أنفاق غزة بسرعة باستخدام أدوات حفر يدوية بسيطة. يحتاج حزب الله إلى آلات حفر ثقيلة وطويلة لإتمام عمله.
الأنفاق تعطي حزب الله ميزة في المواجهات البرية. حيث يمكن للمقاتلين التسلل عبر خطوط العدو وتنفيذ كمائن مفاجئة. وهو ما يصعّب على الجيش الإسرائيلي التنقل بحرية. ويجعله يواجه صعوبة في حسم المعارك البرية. في حرب لبنان الثانية عام 2006، كانت الأنفاق إحدى الأسباب التي ساعدت حزب الله في مقاومة التفوق الجوي الإسرائيلي. حيث كانت المعارك تدور في “لبنان الأعلى” الذي تسيطر عليه القوات الإسرائيلية جويًا، وفي “لبنان الأسفل” حيث تتحكم الأنفاق.
الأنفاق في معركة حرب 2006
خلال حرب تموز 2006، استُخدمت الأنفاق بشكل تكتيكي لمهاجمة قوات الاحتلال، وخاصة سلاح المدرعات. وقد ذكر جنود إسرائيليون أنهم فوجئوا عندما اكتشفوا أن الأنفاق تحتوي على أسلحة متطورة وأجهزة حربية متقدمة. ما جعلهم يعيدون تقييم تأثير هذا التكتيك.
الأنفاق كانت بمثابة شبكة دفاعية متعددة الأبعاد. حيث كانت تمكّن الحزب من تخزين العتاد والمواد اللازمة. وتوفير الحماية ضد القصف الجوي. هذه الشبكة كانت قادرة على تحمل الهجمات الجوية والمدفعية الإسرائيلية. وهو ما جعل الجيش الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة في تدمير هذه الأنفاق.
التأثير الاستراتيجي للأنفاق
يعتقد العديد من المحللين العسكريين أن الأنفاق لا تشكل فقط نقطة قوة لحزب الله. بل هي عنصر أساسي في إستراتيجيته للدفاع والقتال ضد إسرائيل. على الرغم من أن الأنفاق ليست الوحيدة التي تعزز قدرة حزب الله. فإنها تظل وسيلة فعالة في المواجهات البرية. حيث يمكن من خلالها التحايل على التفوق الجوي الإسرائيلي.
التقارير الأخيرة تشير إلى أن الأنفاق قد لا تكون العامل الحاسم الوحيد في هذه المعركة. فمن جهة أخرى. أظهر حزب الله تطورًا هائلًا في تسليحه واستخدامه للطائرات المسيّرة والصواريخ المتقدمة. ما يجعل المعركة أكثر تعقيدًا بالنسبة لإسرائيل.
اقرأ كذلك :هل حصل ترامب فعلاً على دعم المسلمين في الانتخابات؟