تاريخ وثقافة

تاريخ الاجتياحات الإسرائيلية للبنان: من تفجير الطائرات المدنية إلى ما بعد طوفان الأقصى

الآثار السياسية طويلة الأمد للتدخل العسكري الإسرائيلي في لبنان من 1968 إلى 2024

على مدى عقود، تعرض لبنان لاجتياحات وحروب وعمليات عسكرية إسرائيلية . كان الهدف الرئيسي لهذه العمليات ملاحقة حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي . بدأت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية منذ عام 1968 . في ذلك العام، شنت إسرائيل هجوما على مطار بيروت الدولي . تلت هذه العملية عمليات كبيرة مثل عملية الليطاني وعملية “عناقيد الغضب” عام 1996 . بالإضافة إلى اجتياح لبنان عام 1982 وحرب يوليو/تموز 2006 .

نفذ الاحتلال سلسلة اغتيالات في الأراضي اللبنانية . استهدفت هذه الاغتيالات كبار قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي . استمرت هذه العمليات على مر السنين واستهدفت مختلف الفصائل .

أسباب الاجتياحات الإسرائيلية

تدخلت إسرائيل عسكريا في لبنان بحجة ضرب قواعد منظمة التحرير الفلسطينية . سعت أيضا إلى إنشاء منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية . جاء هذا التدخل بعد عملية نفذتها المناضلة الفلسطينية دلال المغربي في 11 مارس/آذار 1978 . استهدفت العملية حافلتين إسرائيليتين قرب تل أبيب وأسفرت عن مقتل 37 إسرائيليا .

اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في أبريل/نيسان 1975 كان سببا مباشرا آخر . أدت الحرب إلى استنزاف طاقات القوى الوطنية اللبنانية . كما خلقت تحالفات متقلبة بين الأطراف اللبنانية المتفرقة . جعلت هذه الأوضاع لبنان أكثر ضعفا أمام الاجتياحات الإسرائيلية .

أبرز الحروب الإسرائيلية على لبنان

هجوم على مطار بيروت

في 28 ديسمبر/كانون الأول 1968، شنت إسرائيل هجوما على مطار بيروت الدولي . جاء ذلك انتقاما لعملية اختطاف طائرة من تل أبيب إلى روما . نفذت العملية المقاومة الفلسطينية .

دخلت وحدة كوماندوس إسرائيلية المطار وزرعت عبوات ناسفة بطائرات الشرق الأوسط اللبنانية . فجرت 13 طائرة مدنية . كان ضمن الوحدة بنيامين نتنياهو، الذي أصبح لاحقا رئيس وزراء إسرائيل .

اغتيال 3 من كبار قادة حركة فتح

في 9 أبريل/نيسان 1973، نفذت إسرائيل عملية ليلية في شارع فردان ببيروت . سميت العملية “فردان” أو “ينبوع الشباب” . اغتالت خلالها 3 من قادة حركة فتح: كمال نصر، كمال عدوان، وأبو يوسف النجار .

ردت حركة فتح على الاغتيالات بعملية “سافوي” في تل أبيب . نفذتها مجموعتان من الفدائيين . أسفرت عن مقتل وجرح نحو 100 إسرائيلي بين عسكري ومدني .

عملية الليطاني

في مارس/آذار 1978، شنت إسرائيل عملية “الليطاني” لطرد الفصائل الفلسطينية المسلحة من جنوب لبنان . جاء ذلك بعد هجوم فلسطيني قرب تل أبيب . اجتاح 25 ألف جندي إسرائيلي جنوب لبنان خلال 8 أيام .

أسفرت العملية عن مقتل 18 جنديا إسرائيليا وجرح 113 . استشهد نحو 300 مقاتل فلسطيني و1100 مدني لبناني . نزح بين 100 ألف و250 ألف شخص .

الاجتياح الإسرائيلي للبنان (حرب لبنان الأولى)

غزت إسرائيل لبنان عام 1982 في عملية “سلام الجليل” . زعمت أنها رد على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن . الهدف كان القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية . بدأت العملية في 6 يونيو/حزيران 1982 .

احتلت القوات الإسرائيلية مناطق جنوب لبنان ووصلت إلى ضواحي بيروت . فرضت حصارا شديدا على بيروت الغربية في يوليو/تموز 1982 . أدى القصف إلى كوارث إنسانية .

وفق تقرير اليونيسيف، بلغ عدد الضحايا المدنيين 26,506 منهم 11,840 طفلًا . انتهت المأساة يوم 19 أغسطس/آب 1982 بإجلاء الفلسطينيين خارج لبنان . ارتكبت إسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا بين 16 و18 سبتمبر/أيلول، قتل فيها أكثر من 1300 شخص .

انسحاب جزئي وتأسيس الشريط الحدودي

عام 1985، انسحبت إسرائيل جزئيا من لبنان . احتفظت بمنطقة أمنية حدودية في جنوب لبنان بالتعاون مع جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد .

عملية “تصفية الحساب”

في يوليو/تموز 1993، ردت إسرائيل على هجمات حزب الله الصاروخية بعملية “تصفية الحساب” . استهدفت العملية جنوب لبنان ومناطق أخرى . استمرت 7 أيام . أسفرت عن استشهاد 120 لبنانيا ومقتل 26 إسرائيليا .

عملية “عناقيد الغضب”

بين 11 و27 أبريل/نيسان 1996، شنت إسرائيل عملية “عناقيد الغضب” . بلغت الغارات الإسرائيلية 139 غارة . يوم 18 أبريل/نيسان، قصفت إسرائيل مركزا للأمم المتحدة بقرية قانا . استشهد 175 لبنانيا وجرح 300 . نزح عشرات الآلاف .

الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان

في مايو/أيار 2000، انسحبت إسرائيل بشكل كامل من جنوب لبنان . جاء الانسحاب بعد 22 عاما من الاحتلال وتحت ضغط المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله .

حرب لبنان الثانية

في 12 يوليو/تموز 2006، هاجم حزب الله دورية إسرائيلية . خطف جنديين وقتل 3 آخرين . شنت إسرائيل حربا استمرت 34 يوما حتى 14 أغسطس/آب . عرفت الحرب باسم “حرب تموز” . استشهد فيها أكثر من 1300 لبناني .

الاشتباكات الحدودية

في يناير/كانون الثاني 2015، وقعت اشتباكات حدودية بين حزب الله وإسرائيل . هاجم حزب الله دورية إسرائيلية في مزارع شبعا . أدى الهجوم إلى مقتل جنود إسرائيليين . رد الجيش الإسرائيلي بإطلاق أكثر من 50 قذيفة على قرى لبنانية .

ما بعد عملية طوفان الأقصى

ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله منذ عملية طوفان الأقصى . شنت المقاومة الفلسطينية هذه العملية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 . استهدفت مستوطنات غلاف غزة . تلاها عدوان إسرائيلي على قطاع غزة استمر عدة أشهر .

شهدت جبهة جنوب لبنان تصاعدا في حدة الاشتباكات . كانت هناك تحذيرات دولية من أن إسرائيل ستحوّل أنظارها من غزة إلى لبنان . تزامن ذلك مع تهديدات من مسؤولين إسرائيليين بتوسيع الهجمات على الأراضي اللبنانية . طالبوا بانسحاب مقاتلي حزب الله بعيدا عن الحدود .

اغتالت إسرائيل القيادي في حزب الله سامي طالب عبد الله يوم 11 يونيو/حزيران 2024 . وقع الاغتيال في بلدة جويّا في جنوب لبنان .

كما اغتالت إسرائيل محمد نعمة ناصر الملقب بـ”الحاج أبو نعمة” يوم 3 يوليو/تموز 2024 . كان ثاني أرفع مسؤول عسكري في حزب الله . تمت العملية بغارة على سيارة في بلدة الحوش جنوب لبنان .

الخسائر البشرية

عملية الليطاني

قُتل نحو 1100 شخص، معظمهم من المدنيين . أُصيب أكثر من ألفين في هذه العملية .

الاجتياح الإسرائيلي للبنان (حرب لبنان الأولى)

قُتل نحو 20 ألف شخص . كان أغلب الضحايا من المدنيين .

عملية تصفية الحساب

قُتل فيها نحو 120 شخصا . كان معظم الضحايا من المدنيين .

عملية عناقيد الغضب

قُتل فيها نحو 175 شخصا، معظمهم من المدنيين . بلغ عدد الجرحى 351 .

حرب لبنان الثانية 2006

قُتل نحو 1300 شخص . كان معظم الضحايا من المدنيين اللبنانيين .

ما بعد 2006

تضمنت هذه الفترة مواجهات متقطعة حتى عام 2024 . سقط مئات الضحايا نتيجة الاشتباكات المتقطعة والغارات الجوية .

النتائج السياسية

كان للتدخل العسكري الإسرائيلي في لبنان منذ عام 1968 وحتى عام 2024 نتائج سياسية هامة . انعكست هذه النتائج على العلاقات الدولية والإقليمية، وعلى السياسات الداخلية لكل من إسرائيل ولبنان . فيما يلي بعض النتائج السياسية الرئيسية:

تعزيز دور حزب الله

أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى تأسيس حزب الله . أصبح الحزب قوة سياسية وعسكرية رئيسية في لبنان . زاد نفوذه على الساحة اللبنانية والإقليمية .

أدى الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 إلى تغيير ديناميكيات الصراع . اعتبر حزب الله هذا الانسحاب انتصارا . أسهم ذلك في زيادة شعبيته ونفوذه السياسي والعسكري .

التوترات الإقليمية

أدت التدخلات العسكرية المتكررة إلى تقويض السيادة اللبنانية . أصبحت مناطق جنوب لبنان ساحة للصراعات بين إسرائيل وحزب الله . أثر ذلك على استقرار لبنان ووحدته .

شجعت التدخلات الإسرائيلية تدخلات خارجية أخرى في لبنان . أصبحت الساحة اللبنانية مركزا للصراعات بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية مثل الولايات المتحدة الأميركية وإيران وسوريا .

زادت التوترات بين إسرائيل والدول العربية ودول المنطقة، وخاصة سوريا وإيران . دعمت بعض هذه الدول حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة . دعمت دول أخرى -خاصة أوروبية وغربية- إسرائيل .

دور الأمم المتحدة

تدخلت الأمم المتحدة بقرارات مثل قرار مجلس الأمن رقم 425 . دعا القرار إلى انسحاب إسرائيل من لبنان . كما تدخلت بقرار مجلس الأمن رقم 1701 . دعا القرار إلى وقف الأعمال العدائية في حرب 2006 .

السياسات الداخلية في إسرائيل

أثرت التدخلات العسكرية على السياسات الداخلية في إسرائيل . أثارت حروب لبنان نقاشات واسعة حول جدوى العمليات العسكرية . دار النقاش حول تأثير التدخلات الخارجية على الأمن الداخلي الإسرائيلي .

أدت الهجمات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تسببت في خسائر بشرية كبيرة مثل قانا وصبرا وشاتيلا، إلى انتقادات دولية واسعة . وضعت هذه الانتقادات ضغوطا سياسية على إسرائيل من قبل المجتمع الدولي .

اقرأ كذلك: وليام ستيفنسون: الجاسوس الذي قلب مسار الحرب العالمية الثانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات