مدونات

من يتحمل المسؤولية القانونية عن إعادة إعمار غزة وتعويض الفلسطينيين؟

التعويضات عن أضرار حرب الإبادة: ضرورة وضع أسس قانونية سليمة لتحميل إسرائيل المسؤولية المدنية والجزائية

كشف تسريب لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن دعوته لشنّ “هجوم مميت على جميع البنى التحتية في لبنان . وتدمير مراكز ثقل حزب الله . وإلحاق أضرار جسيمة بعاصمة الإرهاب في بيروت” . حسب نص كلامه . داعيًا إلى خلق وضع يكون فيه لبنان منشغلًا في السنوات العشرين المقبلة.

وبخصوص الضفة الغربية قال: “ليعلم سكان جنين وطولكرم وقلقيلية أنه بسبب الإرهاب الذي يخرج من أراضيهم ستصبح مدنهم مدن خراب كما في غزة . إنها اللغة الوحيدة المفهومة في الشرق الأوسط”.

كلام سموتريتش يعزز الاعتقاد بأن لدى إسرائيل سياسة منهجية متكررة في حروبها منذ العام 1982 وحتى حرب غزة . تقوم على إحداث دمار هائل لا يتناسب بأي حال مع ما فعله الطرف الآخر . بهدف إحداث صدمة لا يجرؤ بعدها أحد على القيام بعمل مثله . وبعد انتهاء أي حرب، ينشغل العالم بإعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية . من غير أن يكون للاحتلال أية مساهمة في ذلك . لا في التعويض ولا في إعادة الإعمار.

وبعد الحديث عن مقترح بايدن الأخير وإمكانية وقف الحرب على قطاع غزة . نحاول الإجابة عن السؤال التالي: من هو المسؤول قانونيًا عن إعمار قطاع غزة . وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار البالغة التي أصابتهم؟

المركز القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة

يؤكد القانون الدولي وخاصة القانون الإنساني وقرارات الأمم المتحدة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004 أن الضفة الغربية والقدس وغزة هي أراضٍ محتلة. إعادة الانتشار من غزة عام 2005 لم يغير الوضع القانوني. الاحتلال مسؤول قانونيًا عن سكان هذه الأراضي. أي حرب تشنها إسرائيل على الفلسطينيين تعتبر عدوانية، ولا ترتبط بحق الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وعلى هذا الأساس، فحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعتبر عدوانية. تتحمل إسرائيل المسؤولية الجزائية والمدنية عن الأضرار، بما فيها قتل المدنيين وجرحهم وتهجيرهم وتجويعهم. كما تتحمل مسؤولية تدمير البنى التحتية واستهداف المراكز الإنسانية التي تقدم المساعدات الإغاثية.

مسؤولية إسرائيل المدنية

المسؤولية المدنية الدولية تعني إلزام دولة بتعويض مادي أو معنوي نتيجة ارتكابها بصفتها أو ارتكاب أحد أشخاصها باسمها فعلًا غير مشروع في القانون الدولي. إذا ترتب على هذا الفعل ضرر مادي أو معنوي لدولة أخرى أو لرعاياها، تكون الدولة ملزمة بالتعويض. إسرائيل ملزمة بالتعويض عن كل الأضرار الناجمة عن الاحتلال والانتهاكات في حرب الإبادة ضد سكّان غزة.

وفقًا لهذا المفهوم، تُعَدّ إسرائيل ملزمة بالتعويض عن كل الأضرار الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي ابتداءً، وعن كل الانتهاكات الناجمة عن حرب الإبادة ضد سكان غزة. الضرر بشكل عام يعني الأذى الذي يصيب الشخص في حقّ من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له، سواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة ذا قيمة مالية أو لم يكن.

يتجلى الضرر في الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي تصيب الفلسطينيين نتيجة لهذا العدوان. يشمل الدمار الذي أصاب الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة نتيجة استخدام القوة على نحو غير مشروع.

تحديد الأضرار الناجمة عن حرب الإبادة

الأضرار تنقسم إلى نوعين: مادية ومعنوية.

 الأضرار المادية

تشمل الأضرار المادية الخسائر التي تصيب الذمة المالية للدولة المتضررة أو أحد رعاياها نتيجة للعمل غير المشروع. تتضمن الدمار والخراب في الأرواح والممتلكات، بما في ذلك المنشآت الاقتصادية والمرافق الخدمية كالمدارس والمستشفيات والبنية التحتية في غزة. كذلك تشمل الإصابات الجسدية والممتلكات الشخصية.

الأضرار الناجمة عن الممارسات الإسرائيلية تزداد مع تزايد التقنيات المستخدمة في صناعة أسلحة الحرب والدمار. يصعب حصر هذه الأضرار بدقة أو تحديدها بصورة نهائية، إذ قد تكون هناك أضرار غير معلومة تصيب الأشخاص والممتلكات بدون أن تظهر نتائجها وخطورتها مباشرة. هناك أيضًا الأضرار التي تنتقل آثارها إلى الأجيال المختلفة.

أبرز الأضرار المادية هي الخسائر البشرية الناتجة عن الجرائم الإسرائيلية. الإنسان الفلسطيني هو الضحية الأولى، ومعظم الضحايا هم مدنيون. تشمل الأضرار القتل، العاهات الدائمة أو المؤقتة، والإصابات الجسيمة، بالإضافة إلى أذى التعذيب البدني أو الاعتداء الجنسي.

أما الخسائر المادية الأخرى المترتبة على حرب الإبادة فهي متعددة ومعقدة ويصعب حصرها بدقة. تشمل تدمير منشآت البنية التحتية، وكذلك الممتلكات العامة والخاصة.

 الأضرار المعنوية

تشمل الأضرار المعنوية المساس بشرف أو باعتبار ومكانة الشخص الدولي أو بأحد رعاياه. تتضمن كل ألم يصيب الإنسان في جسمه أو عاطفته.

في حالة حرب الإبادة على غزة، هناك العديد من الأضرار المعنوية المترتبة. مثال ذلك ما يصيب الإنسان من حزن وألم بسبب وفاة بعض الأقارب، أو نتيجة للاحتجاز أو التعذيب أو الإجبار على الاختفاء. تشمل أيضًا العيش في ظروف صعبة وقاسية أو التعرض هو أو أحد أقاربه لفعل الاغتصاب أو أي من أعمال الاعتداء أو التعذيب التي قد تؤدي إلى إصابة بعاهة دائمة أو مؤقتة.

صور التعويض عن أضرار حرب الإبادة

التعويض يمكن أن يكون عينيًا أو نقديًا.

التعويض العيني

إعادة الشيء إلى حالته قبل وقوع الضرر. يشمل إنهاء احتلال غزة، وإعادة الممتلكات العامة والخاصة، والإفراج عن المعتقلين. يشمل أيضًا إعادة بناء المنشآت والبنى التحتية التي دمرتها الحرب، وضمان عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة.

التعويض المالي

دفع مبلغ مالي للدولة المتضررة لتعويضها عن الضرر بشكل كافٍ. هذا التعويض هو الأكثر شيوعًا في العمل الدولي عند تنفيذ المسؤولية الدولية. النقود تعتبر المقياس المشترك لقيمة الأشياء المادية، سواء كانت منقولة مثل المكتبات والمراكز البحثية والسيارات والوثائق، أو ممتلكات عقارية ومنشآت مثل الأبنية والمصانع.

في حالات كثيرة، يتعذر التعويض العيني حين يتعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه، أو عندما تكون هناك أضرار لا يكفي لإصلاحها التعويض العيني. بذلك يصبح التعويض المالي مكملًا، بحيث يكون معادلًا للقيمة التي يمكن أن تؤديها إعادة الحال إلى ما كانت عليه.

موضوع التعويضات للفلسطينيين

رغم أن الأمم المتحدة أثارت موضوع التعويضات للكويتيين عام 1998 بعد الغزو العراقي للكويت، لم يُثر موضوع التعويضات للفلسطينيين عن الأضرار الناجمة عن الحروب العدوانية حتى الآن. عمليات الإعمار اعتمدت على مساهمات الدول، وليس على إسرائيل كدولة معتدية.

أهمية إعداد ملف قانوني سليم

يجب التنبيه إلى القصور في التعامل مع مسألة التعويضات. نفتقر إلى إعداد ملف قانوني سليم ومتكامل معزز بالأدلة والوثائق وتقارير لجان التحقيق الدولية. لا يجب الاكتفاء بالمطالبات السياسية والدعوات الإعلامية. فتح هذا الملف ينبغي أن يكون على أسس قانونية سليمة تعزز حقوقنا ومطالباتنا.

تحميل إسرائيل المسؤولية

يجب تحميل إسرائيل المسؤولية المدنية عن إعمار قطاع غزة وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار المادية والمعنوية. هذا يجب أن يكون أحد أهم ميادين العمل الحقوقي والقانوني، إضافة إلى إثارة المسؤولية الجزائية عن جرائمها.

اقرأ كذلك: إطلاق 100 صاروخ في دقائق.. خمسة أسرار تكشف قوة منظومة حزب الله الصاروخية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات