مدونات

تحدِّيات الزمن واختبارات العصر

التحديات المستمرة في مواجهة الزمن: بناء الوعي والعمل الجاد لحمل الأمانة وتجاوز امتحان العصر بكرامة وتفوق

نعيش هذه الأيام في استهلال شهر رمضان العظيم، وهو الشهر الذي شهد انتصارات كبيرة للمسلمين في مجالات الحضارة والعلم والأدب، فقد سجلت تلك الانتصارات مساراً تاريخياً عظيماً، مادياً ومعنوياً، خلال قرون من الزمن. ومع ذلك، نجد أنفسنا اليوم أمام تحديات جديدة تجعل وقوفنا عند أبواب هذا الشهر يتزايد صعوبة مع مرور الزمن.

إذاً، ما هي هذه التحديات؟ وكيف يمكننا فهمها بشكل أعمق؟ تلك الأسئلة تستدعي منا مراجعة تاريخنا وحاضرنا بدقة وعمق، حيث يظهر أن جيل بعد جيل من الأمة الإسلامية يتحمل عبءاً ثقيلاً، ليس فقط بسبب تحديات العصر الحديث بل لأسباب تمتد إلى عقود مضت.

فنحن كمسلمين لم نعد نعيش وفقاً لأسسنا وقيمنا الحقيقية، بل نعيش وسط تطورات سريعة ومتلاحقة، تجعلنا نشعر بأننا نفقد جوهر الهوية والقيم. هذا الانغلاق على الذات، وتخلّينا عن كرامتنا ومقدساتنا، هو ما يمكن وصفه بمحاولة لتطبيع الوضع، تلك الظاهرة التي تعكس عجز البعض عن التصدي للتحديات والمشاكل بشكل جاد وبناء.

لم يكن التطبيع أبداً حلاً، بل هو تخلي عن المبادئ والقيم التي جعلتنا نتفاخر بها في الماضي. إنها دعوة لعودة الأمور إلى “طبيعتها”، وهذا ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال. الزمن الذي نعيشه يحتاج إلى تغيير جذري في التفكير والعمل، لنحافظ على هويتنا وقيمنا ونحقق التقدم الحقيقي. إن تصدينا للتحديات واجب لا بد من تحقيقه، وهذا يتطلب إعادة النظر في كل جانب من جوانب حياتنا الفردية والجماعية.

فالزمن يمر بتغييرات لا يمكن تجاهلها، ولكن يمكننا أن نكون على يقين بأن الوصول إلى الحلول المناسبة يتطلب تضافر جهودنا وتحمل المسؤولية، وبعيداً عن التطبيع والتساهل، يمكننا أن نبني مستقبلاً أفضل لأجيالنا القادمة.

الهزائم المستمرة وتحديات الزمن

هذه الأمانة العمرية والمنقذة الصلاحية، تقف شاهدة على فشل مستمر لأمة المليار نفس. الهزيمة العسكرية هي شيء، لكن الهزيمة المعنوية والحضارية تمثل تحدياً آخر تماماً. إنها الهزيمة التي لم تُرهَن قيم المسلمين ودينهم بالشك والتشكيك، بل أزادتهم إصراراً على تحقيق رسالتهم في الأرض.

يشهد إخوتنا في غزة مذابح مستمرة وسط صمت محيط، والعالم يبتعد عن رؤية معاناتهم بستار رقيق يدعو إلى نسيان الضمير. في هذه الأثناء، نستعد لمواجهة انتهاكات سنوية في قدسنا الحبيبة ومسجدنا الأقصى المحتل. نحن أمة الإسلام أمام اختبار مستمر، حيث ترتسم بيضاوات في بعض الأحيان وأحياناً أخرى تملأ الصفحات بالسواد.

هكذا يمضي الزمن، ونحن نواجه التحديات بكل قوة وإيمان، متعلمين من الهزائم ومستعدين للقيام بالواجبات. لن نستسلم أبداً، بل سنواصل النضال من أجل الحق والعدل والسلام، مهما كانت الظروف صعبة. إن الزمن يحمل معه تغييرات وتحولات، ولكن العزيمة والإرادة الصلبة هي التي تحدد مسارنا وتجعلنا نواجه الصعاب بكل شجاعة وثقة.

لن تكون الصفحة القادمة سوداء بل ستكون فرصة لكتابة قصة النصر والتحدي، ولن نتراجع في الدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا، داعين الله أن يمنحنا القوة والصبر لنكون دائماً على الموعد في وجه التحديات المستمرة.

بناء الوعي والعمل الجاد

ليس أمامنا إلا جوابان: إما أن نحتمل الأمانة كما حملناها، ونبدأ -على الأقل- بخطوات جادة على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول لنعيد الوعي بقضيتنا. لا نريد أن تنسى الأجيال القادمة ولا تهمل الشباب دورهم. نسعى لأن نكون خطوة أمام الطريق، ولبنة في سلالم الوصول وبذرة في بستان النضال.

وإما أن ننظر وننتظر، ونهدم بيوتنا بأيدينا ونتوضئ بدماء إخوتنا ونرقص على أشلائهم، وننثر رمادهم على تلال من الفراغ، ثم نفخر بأننا بقينا على قيد الحياة.

النضال لا يجلب النتائج السريعة، لكن الصبر والإصرار يمكن أن يغيران الواقع. المحتلون لم يحققوا أهدافهم في يوم وليلة، بل بذلوا أجيالاً وأموالاً ليصلوا إلى ما هم عليه اليوم. هل نأمل أن نصل إلى هذا المستوى بجهد قصير المدى؟

منذ سبعين عاماً ننظر إلى أقصانا مطأطئي الرؤوس، وندخله مما يُسمح لنا، لأننا ضيعنا أمانة سلمها إلينا الأجداد. إنها أمانة عظيمة، أثقل من كتف واحد أو دولة واحدة. إنها امتحان عصرنا، وقد حان وقت بدء الإجابة.

فلننظر إلى أوراقنا ونصوغ الحلول بوعي وعمل جاد، لنحمل الأمانة ونجتاز امتحان العصر بكرامة وتفوق.

اقرأ كذلك: عندما تقدَّم التضحية في شهر العبادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات