معالم تطور العلاقات التركية المصرية في الحقبة الجديدة
هذا بالضبط ما فعلته براغماتية أردوغان في التحول من خطاب النقد الشخصي الحادّ للسيسي خلال حقبة الأزمة إلى خطاب القادة فيما بينهم
مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير. أصبح من الواضح أن حقبة جديدة قد بدأت في العلاقات التركية المصرية. رغم إعادة تبادل السفراء في يوليو الماضي. فإن زيارة أردوغان كان لها أهمية خاصة. فقد دشّنت دبلوماسية القادة مع السيسي وساعدت في تخفيف التوتر السياسي الذي استمر لفترة طويلة.
بالنظر إلى الآثار الطويلة المدى للأزمة على العلاقات بين البلدين، فإن التعافي التام سيحتاج إلى الوقت. لذلك، يمكن أن نرى التحولات الإيجابية التي بدأت بالفعل، بدءًا من المحادثات الاستكشافية وصولاً إلى إعادة تبادل السفراء والزيارات الرسمية. وهي خطوات نحو إرساء قواعد جديدة للتعاون بين البلدين.
قدم الرئيسان أردوغان والسيسي في القمة خريطة طريق تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، والتعاون في القضايا الإقليمية المهمة.
تحليل العلاقات التركية المصرية: النقلة الاقتصادية والتحولات الإقليمية
حقيقة أن العلاقات الاقتصادية والتجارية، إلى جانب التنسيق الأمني والاستخباراتي، بقيت نشطة حتى خلال فترة الأزمة. توضح جليًا تحول الاهتمام التركي المصري نحو مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري في الحقبة الجديدة. ومع ذلك، ستظل السياسات الإقليمية محط اهتمام كبير بعد التصالح.
الأسباب التي دعت أنقرة والقاهرة إلى تجاوز القطيعة متعددة ومتنوعة. من بينها الحاجة المشتركة لتحقيق المنافع الاقتصادية والتجارية والتعاون في القضايا الإقليمية. وبالإضافة إلى ذلك. فإن السياق الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط والتحولات الجيوسياسية قد أدت إلى إعادة ضبط العلاقات بين القوى الفاعلة في المنطقة.
وبما أن المنطق السياسي الذي هيمن على العلاقات خلال الأزمة قد تحدى هذه الواقعية. فإن الأزمة أتاحت فرصة لتشكيل واقع جديد. مما قوض من قدرة تركيا ومصر على التعاون في مناطق مثل ليبيا وشرق البحر المتوسط، وأتاحت الفرصة لقوى أخرى للتدخل في القضايا الإقليمية.
تحليل العلاقات التركية المصرية وتأثيرها على المشهد الليبي
بينما كانت القطيعة السياسية بين أنقرة والقاهرة عائقًا أمام توافق مصالحهما في ليبيا خلال العقد الماضي. فقد فتحت الباب أمام قوى أخرى لزيادة تأثيرها في الصراع الليبي، مُشكِّلة تحديات إضافية لدور تركيا ومصر في هذا السياق.
توضح الأساليب التي تحث القوى الإقليمية الكبرى على مراجعة استراتيجياتها في حالات التصادم. أهمية النظر إلى تبعات الصراع المتصاعد، مما يدفعها نحو تغيير مواقفها. هذا النهج كان حافزًا قويًا لأنقرة والقاهرة لتعديل دورهما في ليبيا عندما كاد دعمهما لأطراف متنازعة في عام 2019 يؤدي إلى تصعيد عسكري مباشر.
يمكن اعتبار التوتر بين تركيا ومصر في ليبيا نقطة تحول في علاقاتهما. حيث تحولت من الصراع إلى التعايش بعدما وصلت إلى ذروتها، مما يعكس المفهوم المتسلح للواقعية الجيوسياسية.
باعتبار تركيا ومصر قوتين إقليميتين كبيرتين، فإن الواقعية الجيوسياسية تعتبر نقطة توازن بين المنافسة وتجنب المخاطر. وتشير المؤشرات بعد زيارة أردوغان إلى القاهرة والمحادثات مع السيسي إلى تغيير في السياسات الثنائية في ليبيا بما يتماشى مع المصالح المشتركة وجهود التسوية.
على الرغم من وجود عقبات مستمرة أمام التعاون الثنائي. يركز التفاهم بين تركيا ومصر على النقاط المشتركة في ليبيا، مما يفتح المجال لتحقيق التوافق وتحسين العلاقات.
تأثير الأزمة التركية المصرية على الصراع في شرق البحر المتوسط
على صعيد الصراع الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط. فإن الأزمة التركية المصرية لم تقوض فقط قدرة البلدين على التوافق في هذه المنطقة. بل فتحت الباب أمام دول أخرى – كاليونان – لتعزيز مواقفها وتأثيرها في المنطقة.
حقيقة أن تركيا ومصر لديهما أطول سواحل على البحر المتوسط يجعل التعاون بينهما بوابة لتحويل المنطقة إلى مساحة للسلام والتعاون. ومع ذلك، التعقيدات المحيطة بهذا التعاون ستظل مؤثرة.
بالرغم من ميل القاهرة نحو التعاون مع أنقرة في شرق البحر المتوسط. فإنها ستسعى لتحقيق التوازن بين علاقتها مع تركيا واليونان. هذا التوازن يمكن أن يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الإقليمي في المنطقة.
البراغماتية التي يتّسم بها الرئيس رجب طيب أردوغان تُجسد الواقعية السياسية وتحقق نقلة في العلاقات التركية المصرية. تُعتبر هذه الحكمة عاملاً مهماً في دفع القادة نحو التركيز على مصالح بلادهم، حتى لو استدعى ذلك تغييرًا جذريًا في السياسات.
اقرأ كذلك: زيارة أردوغان إلى القاهرة: تداعياتها على العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي