زيارة أردوغان إلى القاهرة: تداعياتها على العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي
تحولات العلاقات المصرية التركية وتداعياتها على الساحة الإقليمية
أكمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارته للقاهرة، بعد فترة قطيعة تقارب استمرت نحو 10 سنوات. تلا طرح أنقرة رفضها للتدخل في الشأن المصري والتمسك بالرئيس الراحل محمد مرسي. مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين وتصاعد التوتر حتى وصلت إلى حافة التصعيد في ليبيا. بسبب تدخل تركيا لدعم حكومة طرابلس ضد القوات المدعومة من مصر والإمارات.
وقد رأى مراقبون أن هذه الزيارة قد فتحت أفاقًا جديدة للتعاون بين البلدين، مما أدى إلى تفاؤل في أوساط الشعبين. وقد جاءت في وقت يشهد فيه الإقليم توترًا كبيرًا بسبب التصعيد الإسرائيلي في غزة. مما دفع بمصر لتعزيز موقفها تجاه هذه التحديات.
ومن جانبه، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعداده لزيارة تركيا خلال أبريل/نيسان المقبل. للمشاركة في جلسات مجلس التعاون الاستراتيجي، مؤكدًا على أهمية هذه الزيارة في تعزيز العلاقات بين البلدين.
تأثيرات تقارب أردوغان ومصر على الوضع في غزة
ترى المحللون في مصر أن التقارب مع تركيا يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على الوضع في غزة والمنطقة بشكل عام. نظرًا للوزن السياسي للبلدين. رفضهما للحروب والتزامهما بعدم تهجير الفلسطينيين. بالإضافة إلى قدرتهما على التصدي لأي عملية عسكرية قد تستهدف مدينة رفح، ستكون رسالة قوية تجاه الدول الغربية. ومن المحتمل أن يسعى التقارب الجديد لتشكيل تحالف دولي لمواجهة السياسات الإسرائيلية في المنظمات الدولية.
تأتي كلمة أردوغان بشأن الوضع في غزة لتؤكد أهمية تقديم المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وتعبر عن تقديرها لموقف مصر من رفض التهجير القسري. كما اتفق الرئيسان على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة وتهدئة التوتر في الضفة الغربية. بهدف تحقيق السلام في المنطقة. وأكد أردوغان أيضًا على استمرار التعاون مع مصر في جهود إعادة إعمار غزة بعد الأحداث الأخيرة.
زيارة أردوغان إلى القاهرة: تجاوز الخلافات وآفاق التعاون الإقليمي
يرى السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن هذه الزيارة ستسهم في حل الخلافات بين البلدين وتجاوز الصعوبات التي واجهتهما خلال السنوات الماضية. مع الاعتراف بوجود اختلافات في وجهات النظر حول ملفات عدة. وأضاف أن هذه الخلافات يمكن حلها بناءً على مصالح البلدين والوصول إلى حلول وسط بينهما.
وأكد السفير أن زيارة أردوغان للقاهرة قد تعزز فكرة وجود نظام أمني إقليمي يجمع العديد من القوى الإقليمية الهامة. خاصةً في ظل التحديات التي تواجه دول المنطقة. مما يستدعي التنسيق بين هذه القوى الكبرى لإنشاء نظام يتصدى لتلك التحديات، وبخاصة فيما يتعلق بالأوضاع في غزة.
وأضاف أيضًا أن هذه الزيارة تمثل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، لكنه أشار إلى أن هذا التقدم لن يتحقق فجأة. بل سيحتاج إلى جهود مستمرة، خاصةً إذا ما تمت الموافقة على الخطوات المطلوبة من قبل الطرفين.
العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا: تعزيز التبادل التجاري في ظل الزيارة الرئاسية
لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا سلبًا بسبب التوترات السياسية خلال السنوات العشر الماضية. إذ وصلت قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 10 مليارات دولار في عام 2022، وكانت تركيا الأكثر استفادة من هذه العلاقة. أكد الرئيس السيسي خلال الاجتماع أن مصر تهدف لرفع قيمة التبادل التجاري مع تركيا إلى 15 مليار دولار من خلال اتفاقيات متعددة، وأكد الرئيس أردوغان الدعم لهذا الهدف في كلمته.
رأى الخبير الاقتصادي المصري هاني عادل أن زيارة أردوغان والحركة الاقتصادية المحيطة بها ستعزز التعاون الاقتصادي وستدعم الاقتصاد المصري الذي يواجه تحديات. من المتوقع أن يسهم التحسن في العلاقات السياسية في زيادة الاستثمارات التركية في مصر، التي تبلغ حاليًا أكثر من ملياري دولار، وقد تتوسع إلى قطاعات جديدة مثل النفط والغاز في شرق المتوسط وصناعات النسيج والبتروكيماويات. كما تهدف البلدين إلى تعزيز التجارة المتبادلة من خلال تبادل العملات المحلية في التعاملات التجارية، ولكن تأجيل هذا الجانب بسبب غياب محافظي البنك المركزي في الزيارة يعني أن هذا الملف قد يحتاج إلى مزيد من المفاوضات.
الزيارة التاريخية لأردوغان إلى مصر: تعزيز العلاقات والتأثيرات الإقليمية
شعرت الأوساط التركية بحالة من الارتياح تجاه الزيارة التي قام بها أردوغان، حيث اعتبر مراقبون تركها “تاريخية”، مؤكدين أنها ستفتح صفحة جديدة للتعاون مع مصر وتخلق فرصًا إيجابية في جميع المجالات، وتعمل على تعزيز العلاقات التي استمرت لعقود، وتوسيع نطاقها في السياسة والاقتصاد والجانب العسكري، وهو ما يأتي في إطار مفاوضات لتوريد مصر بطائرات مسيرة تركية.
رأى مراقبون تركيون أن أردوغان يسعى من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز نفوذ تركيا الإقليمي وزيادة تأثيرها في أفريقيا، وتعميق العلاقات مع العالم العربي، والمساهمة في قضية فلسطين، ودعم استقرار ليبيا، بالإضافة إلى حماية مصالحها في شرق المتوسط.
تهدف أنقرة أيضًا إلى زيادة فرص التصدير إلى الأسواق التي تعتبر مهمة بالفعل لتركيا، ومن المتوقع أن يؤدي التعاون في مجال الصناعات الدفاعية إلى تعزيز القدرات العسكرية لكلا البلدين، مما يعتبر تحولًا استراتيجيًا يمكن أن يؤثر على التعاون الإقليمي، خاصةً مع العلاقات الطيبة التي تربط القاهرة بقبرص واليونان.
وبالنسبة لتأثير الزيارة على غزة، أشار الباحث السياسي إبراهيم أوزغور إلى أن سياسة أردوغان تجاه الصراع الفلسطيني تعبر عن التزامًا عميقًا يتجاوز الاعتبارات الجيوسياسية، وأن الدعم التركي للقضية الفلسطينية يعكس هوية سياسية أساسية لتركيا، مما يؤثر بشكل كبير على مواقفها تجاه إسرائيل وغزة.
أضاف الباحث أن الزيارة تدعم تغييرًا محتملًا في الديناميات الإقليمية، حيث يسعى أردوغان إلى استخدام العلاقات مع مصر لتعزيز دوره في التوسط في الصراع الفلسطيني، وأن الواقع السياسي يفرض على تركيا ضرورة تعزيز دورها في المنطقة، معتبرًا أن مصر تمثل شريكًا أساسيًا في القضايا التي تهم تركيا، مما يدفع القيادة التركية لتعزيز العلاقات مع القاهرة.
اقرأ كذلك: توسّع تركيا في أفريقيا: تصاعد العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والعسكري