مدونات

“طوفان الأقصى”.. صراع متباين في المستوى دون اختلاف في الجوهر

تصعيد الصراع والاستراتيجيات المتباينة: تأرجح بين الصمود الفلسطيني والتكتيكات الإسرائيلية في ظل الاحتمالات المتغيرة والتأثيرات العالمية

تتكشف الأحداث المؤلمة في غزة كفصول متكررة من مسلسل الإبادة الجماعية الذي تنفذه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. فما يتم تداوله من صور وأخبار لا يعد بالجديد بمعنى النوع. بل هو تصعيد في شدة العنف وتكثيف للألم، الذي تتعدد مسبباته لكن يبقى الأثر المروع واحدًا في قلوب أهالي غزة. نقطة.

على امتداد خمسة وسبعين عامًا، لم تتوانَ إسرائيل عن ممارسة سياسات القتل والاعتقال والسجن، فضلًا عن هدم البيوت ونهب محتوياتها وتجريف الأراضي. وتتواصل محاولاتها المستميتة لاقتلاع الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة، أو جعل الحياة لا تُطاق لدفعهم إلى الفرار. نقطة.

ما نشهده اليوم هو تجميع لكل هذه الاعتداءات في هجوم شامل، مهيب ومفزع. يتميز هذا الهجوم بمشاركة عدد كبير من الضباط والجنود الإسرائيليين، استخدام أحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا، وشدة النيران المطلقة منها. الهجوم الذي وصفه الخبراء بـ”أحزمة النيران” يختلف كذلك في مدته، الصدى الواسع الذي أحدثه، والتفاعلات الإقليمية والدولية التي أثارها. نقطة.

معركة الوجود والهوية: نقطة تحول في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

تتجلى الأحداث الأخيرة كتجسيد لرغبة جامحة لدى إسرائيل في الانتقام لما حدث لجيشها في السابع من أكتوبر. هذا الرد الفعل جاء متناسبًا مع حجم الإهانة التي شعرت بها تل أبيب، ومع الإحساس المتنامي بأن وجود الدولة نفسه قد بات مهددًا. تصريحات كبار المسؤولين في تل أبيب وتحليلات خبراء في الإعلام العبري، بالإضافة إلى الدعم اللامحدود من الحلفاء الأميركيين والأوروبيين، تؤكد هذه النظرة. هؤلاء الحلفاء غضوا الطرف عن معاناة الشعب الفلسطيني ودعموا إسرائيل بشتى الوسائل لضمان تحقيق النصر، أو بمعنى أدق، لإخماد مصادر التهديد المحيطة بها إلى الأبد. نقطة.

من الجانب الآخر، برزت المقاومة الفلسطينية بصورة مغايرة هذه المرة. لم تقتصر الأعمال على مبادرات فردية كالاشتباكات أو الهجمات الصغيرة التي كان ينفذها أفراد من مختلف الفصائل. بل شهدنا تنظيمًا وتخطيطًا لعملية عسكرية مغايرة، تلقت الإعجاب والتقدير من الخبراء العسكريين حول العالم، حتى وإن لم يعلنوا ذلك صراحةً. نقطة.

هذه الاختلافات في الأسلوب والإستراتيجية بين الطرفين خلقت فصلًا جديدًا ومختلفًا تمامًا في الصراع. تحدث الإسرائيليون عن احتمالية الهزيمة الكبرى التي قد تؤدي إلى تفكك الدولة أو حتى زوالها. في المقابل، يتحدث الفلسطينيون عن نصر محتمل يقودهم إلى التحرر الكامل، حلم طالما راودهم وتغنوا به. نقطة.

صراع العقد الثامن: روايات وتأويلات في مواجهة الوجود

تتشابك الروايات والتأويلات في خلفية المعركة الجارية، تحت ظل ما يُعرف بـ”عقدة العقد الثامن”. من جانب، تدور رواية إسرائيل حول هاجس تاريخي، إذ سقطت دولتان يهوديتان سابقتان قبل بلوغهما الثمانين. هذا الإدراك يشكل جزءًا مهمًا من وعي الإسرائيليين بالصراع، بغض النظر عن مدى صحة هذه الفكرة علميًا، وفي ظل الحديث عن النماذج الإرشادية والحداثة السائلة. نقطة.

من الجانب الآخر، يتمسك الفلسطينيون، وبالأخص من حماس والجهاد، بتأويلات دينية وتاريخية وسياسية تنبئ بنهاية إسرائيل. وفق “الإعجاز العددي” للقرآن الكريم و”حساب الجُمّل”، تُفهم آيات من سورة “الإسراء” بأن تحقيق هذه النهاية سيبدأ في عام 2023. نقطة.

وفي الأثناء، تتحلق التأويلات والإدراكات التوراتية والقرآنية في أجواء محملة بالتاريخ. نجد لدى الطرفين مشاعر متناقضة. تشعر إسرائيل بإذلال شديد، لا تقبله، ما يدفعها للإفراط في العنف بهدف استعادة هيبتها وردعها، ولبناء جدار سميك يحميها من الانهيار. في المقابل، يظهر الفلسطينيون استبسالًا وتحملًا فائقًا، فما يمرون به يفوق كل تصور، ولا يمكن أن تعوضه أية صفقات سياسية بعد الحرب. نقطة.

بالإضافة إلى ذلك، نشهد صراع إرادات بين قيادتين، كل منهما يسعى للانتصار على الآخر بلا رحمة. فقادة إسرائيل يخططون للقضاء على قادة المقاومة في غزة وخارجها، أو على الأقل ترحيلهم لتحويلهم من مقاتلين شرسين إلى ذكرى باهتة أو حسرة ضائعة. نقطة.

معادلة الصراع: مواجهة مصيرية في ظل الإصرار والمقاومة

في قلب الصراع، يسعى قادة المقاومة لجعل الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها الرئيس بنيامين نتنياهو، تدفع ثمن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني. هذا الاعتقاد يأتي في ظل استمرار إسرائيل في الحرب لإنقاذ نفسها، مما يجعل إسقاط حكومتها جزءًا من إستراتيجية الصمود والنصر. نقطة.

تتكاثف الروايات والإدراكات والمشاعر المتناقضة، مما يصعّد من حدة الصراع، محولًا إياه إلى ما يشبه “المعادلة الصفرية”. خاصة في ظل حكومة يقودها نتنياهو، المتكئة على التطرف اليميني، والتي تقف عائقًا أمام من يسعى للتحول من مسار الحرب إلى السياسة. نقطة.

من ناحية أخرى، تقف القيادة العسكرية لحماس، خائفة من أن تتم تسوية سياسية للجولة الحالية من القتال على حسابها، وخصوصًا إذا كانت الشائعات صحيحة بأن عملية “طوفان الأقصى” تمت دون علم القيادة السياسية للحركة. نقطة.

بالنسبة لإسرائيل، فإن فكرة تصفير المعادلة، حتى وإن كانت مجرد وهم، تقود إلى تكثيف الأذى. هذا التكثيف، الذي يقوم على فكرة استئصال حماس وتدمير غزة بحيث تصبح غير صالحة للسكن، قد وصل إلى مستويات مذهلة، مع تقديرات تشبه الضرر الذي وقع على غزة بتسع قنابل نووية صغيرة. نقطة.

رغم استمرار الإيذاء، أصبح لدى الفلسطينيين خبرة في التعامل معه. وأصبح لدى العالم العربي، الذي يتابع الأحداث بلا انقطاع على مدى ثلاثة أرباع القرن، تبلد مزمن. هذا التبلد يتلاشى في أول أيام اشتداد الصراع، ثم سرعان ما يعود إلى سابق عهده، في انتظار جولة أخرى من القتال. نقطة.

لكن، مع “طوفان الأقصى”، حدث بعض الاختلاف. لأول مرة، يتحدث الإسرائيليون عن انهيار محتمل للدولة، بينما يتجاوز الفلسطي

اقرأ كذلك: ما بعد الحرب في غزة .. ماذا حققت الأطراف المتصارعة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات