بنجاح مهمة مأهولة رئيسية .. تركيا تحقق إنجازًا تاريخيًا في برنامجها الفضائي
تركيا وأقمارها الاصطناعية: دور حيوي في الاستشعار عن بعد وتعزيز الأمن الوطني
في خطوة تاريخية مذهلة، أطلقت تركيا أول رائد فضاء تركي نحو محطة الفضاء الدولية. وهذه اللحظة تمثل بداية جديدة مثيرة في برنامجها الفضائي المُبهِر.
مهمة “أكسيوم 3” انطلقت في الساعة 00:49 من يوم أمس الخميس 18 يناير/كانون الثاني. من مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” في ولاية فلوريدا. تعد هذه المهمة الثالثة التي تقوم بها رواد فضاء خاصة إلى محطة الفضاء الدولية.
فريق المهمة يضم أربعة أعضاء مميزين، بما في ذلك الطيار الحربي التركي ألبير غزر أوجي. ورائد الفضاء السابق في ناسا الإسباني لوبيز أليغريا، والطيار الحربي الإيطالي والتر فيلادي. ورائد الفضاء في وكالة الفضاء الأوروبية السويدي ماركوس واندت.
الفريق يسافر إلى الموقع المداري على متن الكبسولة الفضائية “دراغون” التابعة لشركة سبيس إكس. والتي تحملها صاروخ “فالكون 9” التابع للشركة ذاتها. تم تأجيل المهمة ليوم واحد عن الموعد المحدد لها للسماح للفرق بإجراء الفحوص النهائية وتحليل البيانات الموجودة على متن الصاروخ.
مع انطلاق هذه الرحلة، تحقق تركيا الخطوة الأولى في برنامجها الطموح “الفضاء الوطني التركي”. وهو الهدف العاشر الذي أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2021 بإرسال مواطن تركي إلى الفضاء.
رحلة تركيا إلى الفضاء: معلومات مثيرة حول مهمة أول رائد فضاء تركي إلى محطة الفضاء الدولية
رحلة المركبة الفضائية إلى محطة الفضاء الدولية تمتد لمدة يوم ونصف. حيث تقترب من الوجهة المرتقبة على ارتفاع نحو 400 كيلومتر عن سطح الأرض.
وخلال فترة مكوثه في محطة الفضاء الدولية لمدة 14 يومًا. سيقوم رائد الفضاء التركي ألبير غزر أوجي بتنفيذ 13 تجربة علمية متنوعة في مجالات الطب. والوراثة، والخلايا المناعية، وعلم الفلك.
في مايو/أيار 2022، أعلنت تركيا عزمها اختيار مواطنين تركيين اثنين لمهمة فضاء علمية. حيث قدّم نحو 36 ألف متقدم طلبًا يطمحون في الحصول على هذه الفرصة الفريدة.
وبعد فرز الطلبات، استدعت وكالة الفضاء التركية 30 مرشحًا إلى العاصمة أنقرة. حيث أُختبروا في مجالات الهندسة، والفيزياء، والطب، وعلم الفلك. بالإضافة إلى اجتيازهم اختبارات طبية ونفسية تمهيدًا لمشاركتهم في تلك المهمة الفضائية.
وخلال مهرجان “تكنوفيست” لتكنولوجيا الطيران والفضاء في إسطنبول، الذي انعقد في 29 أبريل/نيسان 2023. أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن اختيار ألبير غزر أوجي كرائد فضاء رئيسي للمهمة. بالإضافة إلى اختيار توفا جيهانغير أتاسيفر كرائد فضاء احتياطي.
فالكون 9″ – الصاروخ القابل لإعادة الاستخدام الذي غيّر اللعبة في رحلات الفضاء
في لحظة تاريخية مذهلة، انفصل الصاروخ “فالكون 9” عن المركبة الفضائية بعد دقائق قليلة من الإطلاق. لينجح في العودة بنجاح إلى قاعدة الإطلاق. هذا الصاروخ. الذي تم تصميمه وصنعه بواسطة شركة “سبيس إكس” الأميركية، يعتبر أول صاروخ قابل لإعادة الاستخدام في العالم.
الصاروخ “فالكون 9” يبلغ طوله 70 مترًا، وقطره 3.7 أمتار. ويزن حوالي 550 طنًا. وبإمكانه حمل 22 ألف كيلوغرام من الحمولة في مدار أرضي منخفض. و8300 كيلوغرام في المدار الثابت بالنسبة للأرض، و4000 كيلوغرام إلى المريخ.
هذا الصاروخ يتألف من مرحلتين لنقل الأشخاص والحمولات بأمان إلى مدار الأرض وخارجه. إمكانية إعادة استخدامه تسمح لشركة سبيس إكس باستخدام الأجزاء الأكثر تكلفة في الصاروخ. مما يقلل بشكل كبير من تكلفة الوصول إلى الفضاء.
المرحلة الأولى من “فالكون 9” تحتوي على 9 محركات ميرلين وخزانات مصنوعة من سبائك الألمنيوم والليثيوم تحمل الأكسجين السائل والكيروسين الصاروخي. وهي مصممة لإعادة الاستخدام. تُستخدم هذه القسم لإبطاء الصاروخ أثناء هبوطه قبل العودة إلى الأرض.
أما المرحلة البينية، فهي هيكل مركب يربط بين المرحلتين الأولى والثانية. وتضم دافعات هوائية تمكن الصاروخ من الانفصال أثناء الطيران.
المرحلة الثانية من الصاروخ تأتي مزوّدة بمحرك فراغي واحد من طراز ميرلين ينقل الكبسولة الفضائية إلى المدار المطلوب.
يمكن لكبسولة “دراغون” حمل ما يصل إلى 7 أشخاص إلى ومن مدار الأرض في القسم المضغوط من المركبة الفضائية. ويمكنها أيضًا حمل كميات كبيرة من الأدوات والأطعمة من وإلى محطة الفضاء الدولية في الصندوق غير المضغوط. والذي يستوعب أيضًا الحمولات الثانوية.
“دراغون” تعتبر أول مركبة فضائية خاصة تنقل البشر إلى المحطة الفضائية. حيث يبلغ قطرها 4 أمتار وطولها 8.1 أمتار.
برنامج الفضاء التركي: رحلة طموحة نحو القمر
تسعى تركيا بشغف للانضمام إلى الدول النادرة التي واجهت تحدي الهبوط على سطح القمر. في محاولة ملهمة للوصول إلى أعماق الفضاء.
منذ توقف المهام الفضائية الأميركية والسوفياتية إلى القمر في سبعينيات القرن الماضي. نجحت الصين والهند فقط في تحقيق هذا الإنجاز الرائع عبر هبوط ناجح على سطحه.
برنامج الفضاء التركي يعمل بجد لتحقيق 10 أهداف رئيسية. وفي أعلى القائمة يأتي هدف تحقيق أول تماس مع القمر في مئوية الجمهورية التركية عام 2023. ضمن مشروع برنامج البحث القمري (AYAP). ورغم أن هذا الهدف الطموح لا يزال في مراحله الأولى. إلا أنه من المتوقع أن يتم تحقيقه في عام 2026.
المهمة القمرية تضمن إرسال مركبة فضائية تم تطويرها بالكامل بموارد وخبرات وطنية إلى المدار القريب من القمر. ومن ثم جمع البيانات الحيوية قبل الشروع في هبوط قوي وتحدي على سطحه خلال المرحلة الأولى.
المرحلة الثانية من المشروع تشمل هبوط مركبة جوالة بسلاسة على سطح القمر. حيث تحمل حمولات متعددة لاستخدامها في مختلف القياسات العلمية والأبحاث. هذا الإنجاز سيساهم بشكل كبير في تطوير العلوم الفضائية في تركيا وزيادة مشاركتها في التعاون الدولي من خلال البيانات النفيسة التي ستتاح من المركبة الفضائية.
وبالإضافة إلى ذلك، يهدف برنامج الفضاء التركي إلى تطوير نظام تحديد الموقع الوطني. وإنشاء مرفأ فضائي خاص بها، وزيادة الاستثمار في تقنيات الأرصاد الجوية الفضائية، والبحوث الفلكية. ورصد الأجسام السماوية من سطح الأرض.
برنامج الأقمار الاصطناعية التركية: رحلة نحو الفضاء
قبل ثلاثة عقود من الآن، بدأت تركيا مسيرتها في مجال الفضاء باطلاق أول قمر اتصالات تركي، “تركسات إيه1”. في 24 يناير/كانون الثاني 1994. ورغم أن تلك المحاولة الأولى لم تحقق النجاح بسبب مشكلة فنية أدت إلى سقوطه في المحيط بعد دقائق من الإطلاق، إلا أنها لم تيأس واستمرت في مسعاها.
وبعد شهور قليلة فقط من تلك التجربة الفاشلة. نجحت تركيا في إطلاق القمر الاصطناعي الأول الناجح “تركسات بي1” في أغسطس/آب من العام نفسه. هذا الإنجاز الهام جعل تركيا تحقق خطوة نحو بناء سلسلة من الأقمار الاصطناعية للاتصالات تحمل اسم “تركسات”.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2021، تم إطلاق “تركسات 5 بي”. وهو ثامن قمر اتصالات يمتلكه تركيا حتى الآن. يعد هذا القمر الاصطناعي، الذي تم إنتاجه بواسطة شركة إيرباص الفرنسية. الأقوى في تاريخ تركيا. يمتلك القدرة على نقل البيانات بسرعة إجمالية تزيد عن 55 غيغابايت، ومن المتوقع أن تستمر مهمته لأكثر من 35 عامًا.
وتخطط مؤسسة البحث العلمي والتكنولوجي التركية “توبيتاك”، التابعة لوزارة الصناعة والتكنولوجيا. لإطلاق أول قمر اصطناعي اتصالات محلي الصنع بعنوان “تركسات إيه6” منتصف عام 2024، مستمرة في مسعاها لتحقيق تطور مستدام في مجال الأقمار الاصطناعية.
تركيا في عالم الأقمار الاصطناعية: الاستشعار عن بعد والأمن الوطني
تمتلك تركيا تشكيلة متنوعة من الأقمار الاصطناعية تخدم أغراضًا متعددة بالإضافة إلى أقمار الاتصالات، حيث تحلق هذه الأقمار على مدارات منخفضة نسبيًا لأغراض الاستشعار عن بعد وتوفير البيانات الرقمية والجغرافية، بالإضافة إلى الاستخدامات العسكرية الحساسة.
“رصد” (RASAT)، الذي تم إطلاقه من روسيا في 17 أغسطس/آب 2011. يعد القمر الاصطناعي الأول التركي الذي تم إنتاجه بخبرات وإمكانات محلية. وهو الثاني من فئة الأقمار الاصطناعية الصغيرة بعد بيلسات (2003)، وما زال يعمل بفعالية. يتم استخدام الصور النقية والواضحة التي يرسلها في رسم الخرائط ومراقبة الكوارث ودعم الزراعة وحماية البيئة والتخطيط الحضري.
قام القمر الاصطناعي إيمجه (imece) الذي تم تطويره بواسطة “توبيتاك” وأُطلق في المدار في 15 أبريل/نيسان 2023، بتحقيق تقدم كبير في تحقيق الاعتماد الذاتي لتركيا في مجال الصور الفضائية العالية الجودة. باستخدام كاميرات كهروضوئية خاصة، يوفر إيمجه البنية التحتية اللازمة لأنظمة الاتصالات ومراقبة النجوم وأجهزة الاستشعار الشمسية، وهذا يلبي احتياجات المؤسسات التركية بشكل فعال ويعزز من الأمن الوطني.
اقرأ كذلك: تركيا: سنستخدم التكنولوجيا المحلية في الرحلات الى القمر