لوفيغارو: كيف تراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا
كيف تسارعت خطوات القطيعة بين فرنسا وأفريقيا: انسحاب عسكري وفقدان نفوذ في مواجهة تحولات سياسية واجتماعية عميقة

انهيار العلاقات الفرنسيا الأفريقية: قراءة مفصلة في التحولات والتحديات. تواجه العلاقات بين فرنسا والدول الأفريقية حقبة جديدة من التوتر والتراجع غير المسبوق. تأتي هذه المرحلة في أعقاب قرارات مفاجئة من قبل عدد من الدول الأفريقية لإنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها. في هذا السياق، يظهر انسحاب القوات الفرنسية من مالي، النيجر، وبوركينا فاسو كجزء من سلسلة متسارعة من الأحداث التي تعكس فقدان باريس لنفوذها التقليدي في القارة.
تشاد والسنغال: بداية القطيعة
في يوم الجمعة الماضي، أعلنت تشاد قرارها إلغاء اتفاقيات الدفاع المشترك مع فرنسا وطلبت بشكل مفاجئ رحيل ألف جندي فرنسي من قاعدة نجامينا العسكرية. في نفس اليوم، صرحت السنغال بأنها تعتزم إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها. هذا الإعلان المتزامن يعكس تحولات جذرية في سياسات الدول الأفريقية التي كانت تاريخياً تعد من أبرز شركاء فرنسا في القارة.
انسحاب القوات الفرنسية: تراجع استراتيجي
مع هذه التطورات، تقلص وجود القوات الفرنسية في أفريقيا بشكل لافت. لم يبقَ سوى عدد محدود من الجنود في دول مثل الغابون وكوت ديفوار. حتى في منطقة القرن الأفريقي، التي كانت ذات يوم تحت سيطرة فرنسية، تواجه باريس منافسة قوية من قوى أخرى مثل الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى الوجود الياباني.
انهيار النفوذ الفرنسي
وصفت صحيفة لوفيغارو هذا الوضع بأنه “رمز لخسارة النفوذ والهيبة الفرنسية”. في عام 2013، عندما أطلقت فرنسا عملية سرفال العسكرية في مالي، كانت تتصور أن بإمكانها القضاء على الجماعات المسلحة بشكل سريع. إلا أن الوقائع كشفت العكس. فبينما كانت العملية تهدف لاحتواء الصراع، توسعت رقعة النزاع لتشمل النيجر وبوركينا فاسو. تصاعدت المعارضة الشعبية وظهرت شكوك حول نوايا فرنسا، خاصة مع فشلها في تحقيق انتصارات حاسمة ضد الجماعات المسلحة.
التوترات بين باريس وحلفائها الأفارقة
العلاقة بين فرنسا وشركائها الأفارقة شهدت توتراً متزايداً خلال السنوات الأخيرة. في مالي، أدى التدخل الفرنسي إلى تعميق الخلافات مع الحكومة المحلية. عبّر العقيد المالي داكو عن استيائه من عدم إبلاغه بالغارات الجوية على تمبكتو. هذا السلوك عزز شعور الأفارقة بأن فرنسا تتصرف بشكل أحادي.
دور الأجيال الجديدة في القارة
الأجيال الشابة في أفريقيا تسعى بشكل متزايد لإعادة تعريف السيادة الوطنية. هذه الأجيال ترفض النفوذ الفرنسي التقليدي وتطالب بمزيد من الاستقلالية. هذا الاتجاه الجديد يضع فرنسا في مواجهة تحديات غير مسبوقة في سعيها للحفاظ على دورها في القارة.
عملية برخان: نهاية الهيمنة العسكرية
في محاولة لإعادة بناء نفوذها، أطلقت فرنسا عملية برخان العسكرية، لكنها سرعان ما واجهت عراقيل كبيرة. بالرغم من زيادة عدد القوات، لم تتمكن فرنسا من هزيمة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. بدلاً من ذلك، انتشرت حملات مناهضة لفرنسا، مدفوعة بشكوك السكان في نواياها. كما أن التغيرات السياسية المتسارعة في المنطقة، مثل الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، زادت من عزلة باريس.
التدهور في ظل إدارة ماكرون
مع انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2017، كان يُتوقع أن تنتهج فرنسا سياسات أكثر انسجاماً مع التحولات الأفريقية. لكن سياسات ماكرون جاءت بنتائج عكسية. تصريحاته بشأن ضرورة أن “توضح دول الساحل موقفها” أثارت استياء القادة الأفارقة، الذين شعروا بالإهانة. كما أن قراره زيادة عدد القوات العسكرية لم يحقق الأهداف المرجوة، بل زاد من المعارضة الشعبية.
صدمة العمليات العسكرية
في عام 2019، تعرضت فرنسا لصدمة كبيرة بعد مقتل 13 جندياً فرنسياً في مالي. أدى هذا الحادث إلى تنظيم قمة مع دول الساحل، حيث استخدم ماكرون لهجة حادة، قائلاً: “أتوقع أن توضحوا موقفكم”. لكن هذه القمة لم تحقق نتائج ملموسة. على العكس، زادت من حدة الانتقادات الموجهة لفرنسا.
الانقلابات العسكرية وتعاظم الخطاب المناهض
بعد الانقلاب العسكري في مالي عام 2020، تبنى المجلس العسكري خطاباً نقدياً ضد فرنسا. تجاهلت باريس هذا التغيير الجوهري وواصلت سياساتها التقليدية. لكن الوضع تصاعد مع وقوع انقلابات مشابهة في بوركينا فاسو والنيجر. باتت فرنسا في مواجهة خطاب رسمي معادٍ لها من قبل السلطات الجديدة في هذه الدول.
المنافسة الدولية في أفريقيا
إضافة إلى التحديات المحلية، تواجه فرنسا تنافساً دولياً متزايداً في أفريقيا. الولايات المتحدة، الصين، وروسيا تعمل على تعزيز وجودها في القارة. هذا الوضع يجعل من الصعب على باريس استعادة نفوذها التقليدي.
دروس مستفادة: مستقبل العلاقات الفرنسية الأفريقية
التطورات الأخيرة تقدم دروساً هامة لفرنسا في تعاملها مع أفريقيا. أبرزها ضرورة الاعتراف بالتحولات السياسية والاجتماعية في القارة. كما يجب على باريس تقليل اعتمادها على التدخل العسكري والتركيز على بناء شراكات متكافئة. هذه الخطوات قد تساعد فرنسا على استعادة جزء من مكانتها في القارة.
ما يحدث اليوم في أفريقيا يعكس تحولات عميقة في المشهد السياسي والجيوسياسي. انهيار النفوذ الفرنسي في القارة هو نتيجة مباشرة لتجاهل باريس للتحولات الأفريقية. ستظل هذه الأحداث حاضرة في الذاكرة، ليس فقط كفصل من فصول العلاقات الفرنسية الأفريقية، بل أيضاً كإشارة إلى بداية عهد جديد من الاستقلالية الأفريقية.
اقرأ كذلك :صامدون في المعارك ومترددون في القرارات السياسية