تركيا والسعودية.. قوة ضغط استراتيجية تستعيد دورها (تحليل)
البلدان يدخلان حقبة جديدة تسمى التعاون لمصالحهما الخاصة ، التي ستنعكس على المنطقة .
قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة رسمية إلى أنقرة ، وهي الأولى من نوعها بعد سنوات من الانفصال ، للقاء بالرئيس رجب طيب أردوغان في 22 يونيو حزيران.
وأكد البلدان في البيان المشترك الذي أُعلن بعد الاجتماع عزمهما على بدء عهد جديد من التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والتعاون العسكري والأمني في العلاقات الثنائية.
* العلاقات التجارية قبل بدء المرحلة الجديدة
يمثل الاقتصاد بُعدًا مهمًا في علاقات أنقرة والرياض ، ويتجلى ذلك عند النظر إلى أرقام التجارة الثنائية بين البلدين.
ففي بداية الألفية الثانية بعد الميلاد ، أجرى البلدان مفاوضات لتعزيز العلاقات الثنائية وزيادة التبادل التجاري بينهما ، وقد تم اتخاذ خطوات مشتركة في هذا الصدد.
وفي عام 2003 ، تم إنشاء مجلس الأعمال التركية السعودية في جدة.
كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين ، مما ساهم في تعزيز التعاون بينهما ، وكان ذلك أثر كبير في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.
وارتفع حجم التجارة بينهما من 1.3 مليار دولار عام 2000 إلى 3.235 مليار دولار عام 2006 ، ثم إلى 3.598 مليار دولار عام 2010 ، ووصل إلى أعلى مستوى له حتى عام 2012 حيث بلغ 5.847 مليار دولار.
* علاقات ثقافية
بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي ، تطورت العلاقات الثقافية بين البلدين.
وفي عام 2008 ، دعت الحكومة السعودية تركيا كضيف شرف لمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة ، وقبلت تركيا الدعوة لتصبح أول دولة غير عربية تحضر المهرجان.
وخلال اللقاءات الثنائية التي عقدت في إطار المهرجان ، تم التوقيع على بروتوكول للتعاون السياحي بين البلدين ، مما ساهم بشكل كبير في زيادة عدد السياح السعوديين القادمين إلى تركيا.
وقد بلغ عدد السعوديين الذين زاروا تركيا 15 ألفاً و779 في عام 2000 ، ارتفع هذا العدد إلى 66 ألفاً و838 في عام 2009 وبلغ 175 ألف و467. في عام 2012.
* الاقتصاد أكثر المجالات تأثراً بالخلافات
على الرغم من تذبذب حجم التبادل التجاري بين البلدين بين عامي 2012 و 2019 ، إلا أنه تجاوز مستوى 5 مليارات دولار وكان الاقتصاد هو المنطقة الأكثر تأثراً بالاختلافات في العلاقات بين البلدين.
بدأت العلاقات الاقتصادية في التدهور ، وفي بعض الأشهر في عام 2021 توقفت صادرات تركيا إلى السعودية تمامًا ، وبلغ حجم التجارة بين البلدين 4.227 مليار دولار في عام 2020 ، تلاها 3.721 مليار دولار في عام 2021.
ورافق انخفاض حجم التجارة بين البلدين الى التراجع في السياحة حيث انخفض عدد السائحين السعوديين الزائرين لتركيا من 747،233 في عام 2018 إلى 67،490 في عام 2020 ، ثم إلى حوالي 10،000 في عام 2021.
تركيا والمملكة العربية السعودية دولتان مهمتان للغاية في المنطقة ، لا سيما من حيث التجارة العالمية وممرات الطاقة.
إن للبلدين مصالح مشتركة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ، وأصبح من الضروري زيادة التفاعل السياسي وتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما في إطار هذه المصالح.
والتغييرات الجيوستراتيجية أجبرت البلدين على تطوير التعاون بينهما لتحقيق التنمية الإقليمية والعالمية.
وبالنظر إلى المواقف السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والجيواستراتيجية . نعتقد أنه يجب اتخاذ الخطوات اللازمة للارتقاء بالعلاقات التركية السعودية إلى مستويات مثالية.
واليوم ، يسمح مناخ التصالح في المنطقة للبلدين بالاقتراب من بعضهما البعض.
وبالفعل اتخذت البلدان العديد من الخطوات لإعادة تطوير علاقاتهما السياسية والاقتصادية هذا العام ، وكانت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا خطوة مهمة في هذا الصدد.
* حقبة جديدة.. آفاق أوسع
لا يزال مستوى العلاقات التركية السعودية دون المستوى المطلوب ، خاصة بالنظر إلى الإمكانات الاقتصادية وإمكانات التعاون الاقتصادي بين البلدين.
والموضوعات التي سيركز عليها البلدان هي: التجارة الثنائية ، والتطورات الإقليمية ، والاستثمار ، ومشاريع الطاقة.
وفي هذا السياق ، يمكن للبلدين اتخاذ خطوات جادة لتقييم فرص الاستثمار في مجالات الصحة والطاقة المتجددة والتعدين والبتروكيماويات والبناء والمصارف والتمويل.
ومن المتوقع ايضا أن يتم اتخاذات الخطوات اللازمة لزيادة حجم التجارة بين البلدين إلى ما يزيد عن مستوى 5 مليارات دولار مرة أخرى ، ويتم تحديد هدف تجاري بقيمة 10 مليارات دولار العام المقبل.
بالإضافة إلى ذلك ، يمكن اتخاذ خطوات للمساهمة في تطوير التنقل السياحي بين البلدين ، مثل استئناف رحلات الخطوط السعودية إلى تركيا.
وقد لا ينتهي تأثير التعاون الوثيق بين أنقرة والرياض عند هذا الحد ، بل على العكس ، ينعكس إيجابًا على المنطقة ، حيث يشكلان معًا قوة اقتصادية وسياسية وجيوستراتيجية كبيرة.
إن تحسين العلاقات بين البلدين يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والتوصل إلى توافقات استراتيجية بين تركيا وقطر والسعودية والإمارات ومصر ، خاصة فيما يتعلق بالملفات التي تشهد خلافات سياسية بين هذه الدول.
كما سيساعد التقارب التركي السعودي في تطوير العلاقات بين تركيا ودول الخليج الأخرى مثل الكويت والبحرين وعمان ، وسيؤدي إلى تعزيز التجارة بين تركيا وهذه الدول.
وعليه، يبدو جلياً أن المنافسة السياسية الناجمة عن الخلافات بين البلدين تزيد من التكلفة والعبء الاقتصادي.
وللتخلص من هذا العبء بشكل كامل ، يحتاج البلدان إلى تعاون استراتيجي بدلاً من المنافسة الاستراتيجية التي تسبب خسائر فادحة.
ويمكن أن يلعب البلدان دورهما الطبيعي كقوة إستراتيجية يمكنها ممارسة الضغط والتأثير على الشؤون الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط.
اقرا ايضا: بحلول العام القادم.. تركيا والسعودية تهدفان لتبادل تجاري بـ10 مليارات دولار