تاريخ وثقافة

من صلاح جديد إلى مروان حديد: كيف تخلص حافظ الأسد من خصومه

التوريث السياسي وصراع الطوائف في سوريا: كيف حكم آل الأسد البلاد على مدار خمسين عامًا من القمع والتصفية السياسية

السيو (السيو) في نتائج البحث على قوقل: تطور نظام آل الأسد عبر خمسين عامًا من القمع والتوريث. بعد مرور أكثر من خمسين عامًا، استطاع الشعب السوري أن يسقط نظام آل الأسد، الذي نشأ بعد انقلاب عسكري قاده حزب البعث قبل 60 عامًا. خلال تلك السنوات الطويلة، قاد حافظ الأسد نظامه باستخدام القسوة والعنف الممنهج، ليورثه لابنه من بعده، وهو ما سنستعرضه في هذا المقال.

الانقلاب الأول: بداية حكم آل الأسد

في 8 مارس/آذار 1963، قاد مجموعة من الضباط البعثيين انقلابًا عسكريًا تمكنوا من خلاله من الاستيلاء على السلطة في سوريا، بقيادة الرئيس ناظم القدسي والحكومة المنتخبة برئاسة خالد العظم. وقد ضم ذلك التنظيم العسكري أسماء بارزة مثل محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، وأحمد المير، وعبد الكريم الجندي. وسرعان ما تمكنوا من فرض سيطرتهم الكاملة على الدولة.

لم يكن عدد أعضاء حزب البعث المدني يتجاوز 400 عضو، وهو عدد قليل جدًا ليتولى إدارة البلاد. في ضوء ذلك، قرر المكتب التنظيمي للحزب زيادة عدد الأعضاء بشكل عاجل، مما أدى إلى دخول آلاف من عائلات وطوائف متعددة إلى الحزب بحلول عام 1966.

التحذيرات الطائفية: بداية الانقسامات الداخلية

في تلك الفترة، حذر الدكتور منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث آنذاك، من تزايد الانقسامات الطائفية داخل الحزب والدولة. أشار إلى أن التكتلات الطائفية بدأت تظهر بوضوح، وتحولت من حديث همسات إلى حديث علني.

انقلاب 1966: صراع الطوائف

رغم أن أمين الحافظ كان رئيسًا للبلاد ورئيسًا للمجلس العسكري ووزير الدفاع آنذاك، إلا أن الضباط العلويين البارزين مثل صلاح جديد وحافظ الأسد تمكّنوا من حشد دعم قوي من الوحدات العسكرية ذات الأغلبية العلوية. فتعززت مواقعهم في الجيش والدولة، ومع إقصائهم للواء محمد عمران، أحد أبرز القادة العلويين، نُفي إلى لبنان ليصعد صلاح جديد إلى منصب رئيس أركان الجيش.

في النصف الثاني من عام 1965، وجه أمين الحافظ اتهامات علنية لصلاح جديد بتشكيل كتلة علوية داخل الجيش، مما أدى إلى انقسام الجيش إلى كتلتين متنافستين: الكتلة السنية بقيادة أمين الحافظ، والكتلة العلوية بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد.

وكانت هذه الانقسامات الطائفية، بالإضافة إلى الاستقطاب العلني بين الكتل السنية والعلوية، سببًا رئيسيًا لانقلاب 23 فبراير/شباط 1966. قاد الانقلاب صلاح جديد وحافظ الأسد، مدعومين من الضابط الدرزي سليم حاطوم، مما أسفر عن إبعاد أمين الحافظ إلى لبنان بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967.

الانقلاب وتأثيره: هيمنة العلويين

شكل هذا الانقلاب نقطة تحول كبيرة، حيث هيمنت القيادات العسكرية العلوية على مفاصل الدولة. تولى صلاح جديد منصب الأمين العام المساعد للقيادة القطرية لحزب البعث، بينما صعد حافظ الأسد من قائد لسلاح الطيران إلى منصب وزير الدفاع، في حين كان نور الدين الأتاسي رئيسًا شكليًا للدولة، دون أن يمتلك أي نفوذ حقيقي.

إعدام سليم حاطوم: تصفية الحسابات الطائفية

بعد أن أسهم سليم حاطوم في نجاح انقلاب 1966، تم تهميشه تدريجيًا بسبب هيمنة العلويين على السلطة. هذا التهميش أثار غضبه، وبدأ بالتخطيط لاستعادة نفوذه في الساحة السياسية والعسكرية. قام بتشكيل تحالفات مع ضباط دروز وبعض القيادات السنية في الجيش.

ومع تزايد التوتر بين حاطوم وحافظ وصلاح جديد، فشلت محاولة حاطوم الانقلابية في سبتمبر/أيلول 1966، مما اضطره إلى الفرار إلى الأردن. ولكن بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، عاد حاطوم إلى سوريا في محاولة لاستعادة نفوذه، ولكن بدلاً من التفاهم معه، تم القبض عليه، وواجه تعذيبًا شديدًا، ثم أُعدم في 26 يونيو/حزيران 1967.

صراع السلطة بين حافظ الأسد وصلاح جديد

بعد الهيمنة العلوية على مفاصل الدولة، نشأ صراع على السلطة بين حافظ الأسد وصلاح جديد. في البداية، تم تقسيم السلطة بين الجناحين: صلاح جديد كان يهيمن على الحزب والشؤون المدنية، بينما حافظ الأسد كان يدير الجيش والأجهزة العسكرية والأمنية. لكن مع مرور الوقت، تطور هذا التعاون إلى صراع مرير على النفوذ.

في عام 1968، بدأ حافظ الأسد في تعزيز سيطرته على الأجهزة العسكرية بشكل غير مسبوق، مما عزلها تمامًا عن تأثير القيادة المدنية لحزب البعث. منع حافظ الأسد أي اتصال بين مسؤولي الحزب المدنيين وضباط الجيش إلا عبر القنوات العسكرية الرسمية.

التصعيد والانقلاب الثاني: نهاية صلاح جديد

بحلول فبراير/شباط 1969، أصبح الصراع بين حافظ وصلاح جديد غير قابل للإصلاح. نفّذ حافظ الأسد خطوات انقلابية شبه عسكرية، حيث سيطر على إذاعتي دمشق وحلب، والمكاتب الرئيسية للصحف، وفرض الرقابة العسكرية على الإعلام. هذه الخطوات عززت موقعه داخل الدولة.

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، قام حافظ الأسد بانقلاب عسكري محكم، تمكن من خلاله من القبض على صلاح جديد والأتاسي، ليعين رئيسًا جديدًا ضعيفًا هو أحمد الحسن الخطيب. وفي الوقت ذاته، دخل صلاح جديد السجن حيث قضى فيه 23 عامًا حتى توفي عام 1993.

حافظ الأسد: أول رئيس علوي لسوريا

بعد هذا الانقلاب، أعلن حافظ الأسد نفسه أول رئيس من الطائفة العلوية لسوريا، ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، حيث أصبحت السلطة مركزة في يد عائلته والطائفة العلوية. هذا التوريث العائلي للأمور السياسية أدخل سوريا في مرحلة من الاحتكار السياسي، مما غيّر موازين القوى الاجتماعية والسياسية في البلاد على مدار خمسة عقود.

اغتيال محمد عمران: تصفية حسابات سياسية

كان محمد عمران من أبرز الضباط العلويين الذين انضموا لحزب البعث منذ بداياته، وكان من الأوائل الذين شاركوا في انقلاب 1963. بعد ذلك، شغل عدة مناصب رفيعة، بما في ذلك عضويته في مجلس قيادة الثورة. لكن علاقته مع حافظ الأسد وصلاح جديد كانت مليئة بالصراعات.

في عام 1964، عارض عمران بشدة ترقية حافظ الأسد إلى رتبة لواء. مما دفعه إلى الاستقالة من الجيش. وكشف عن وجود اللجنة العسكرية السرية التي كانت تسعى للهيمنة على السلطة. بعد نفيه إلى لبنان، أصبح عمران يشكل تهديدًا لحافظ الأسد. مما دفعه إلى التخلص منه. في مارس/آذار 1972. اغتيل محمد عمران في طرابلس اللبنانية.

مجزرة حماة: القمع الوحشي ضد الإخوان المسلمين

شهدت سوريا في عام 1982 مجزرة حماة. التي ارتكبتها القوات السورية ضد مدينة حماة بسبب تصاعد المعارضة المسلحة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. استخدمت القوات السورية القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات. بما في ذلك القصف المدفعي. مما أدى إلى مقتل نحو 40 ألف شخص. هذه المجزرة كانت واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها نظام حافظ الأسد.

نفي رفعت الأسد: صراع العائلة

في عام 1984. وفي خضم التوترات الداخلية، حاول رفعت الأسد، شقيق حافظ. تحدي سلطته. لكن حافظ تمكن من تفكيك نفوذ رفعت وإجباره على المنفى. تم دمج قوات رفعت العسكرية ضمن الجيش السوري. لكنه اختار المغادرة إلى موسكو حيث قضى هناك في المنفى.

 إرث النظام العائلي

نظام آل الأسد أرسى حكمًا عائليًا دكتاتوريًا. وقد نجح في الحفاظ على السلطة من خلال القمع السياسي. والانقسامات الطائفية. والتوريث السياسي. هذا النظام غير موازين القوى في سوريا وجعلها تعتمد على سلالة عائلية وطائفية محددة. وقد أثرت سياساته على الشعب السوري بشكل عميق. وأسهمت في تصعيد النزاع السياسي والطائفي في البلاد.

اقرأ كذلك :رفاعة الطهطاوي: المفكر الإسلامي الذي استحوذ عليه العلمانيون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات