مدونات

كيف نحلل عقلية الأمين العام الجديد لحزب الله نعيم قاسم؟

التحديات السياسية والعسكرية التي يواجهها نعيم قاسم في قيادته لحزب الله: من صراع القيادة الداخلية إلى المواجهة المستمرة مع إسرائيل

من هو نعيم قاسم؟ القيادة القادمة لحزب الله في مرحلة مفصلية ليس أمراً غريباً أو طارئاً أن يُقتل القادة في الصراعات والحروب بشكل عام، فما بالك إذا كانت تلك الحروب بين طرف محتل وجماعات مسلحة تقاوم هذا الاحتلال. ومن المعروف أن التاريخ الفلسطيني المرتبط بالصراع مع إسرائيل ليس استثناءً من هذه القاعدة، بل هو تاريخ طويل مليء بالأحداث التي دفع خلالها قادة المقاومة أثماناً باهظة، ابتداءً من عز الدين القسام، مروراً بالشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، وفتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، وصولاً إلى خليل الوزير (أبو جهاد) الرجل الثاني في حركة فتح، وأبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية.

ولا تقتصر الأمور على الماضي، حيث استمرت اغتيالات قادة المقاومة، مثل اغتيال صالح العاروري في لبنان، ووصولاً إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران. وفي لبنان، كان الوضع استثنائياً في سبتمبر 2024 مع حزب الله، حيث لم تكتفِ إسرائيل باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بل لحقه بعد أيام اغتيال الرجل الثاني في الحزب هاشم صفي الدين، بالإضافة إلى تصفية كبار قادة الحزب، ليبقى نعيم قاسم هو الاسم البارز المتبقي من القيادة القديمة.

نشأة نعيم قاسم ومسيرته المبكرة

وُلد نعيم قاسم في عام 1953 في بيروت، وهو أكبر بسبع سنوات من حسن نصر الله. درس الكيمياء في الجامعة اللبنانية، حيث تميز بقدرته على التحدث باللغة الفرنسية، كما عمل مدرسًا للكيمياء في المدارس الثانوية، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في الكيمياء عام 1977. كانت بداية نشاطاته في مجال العمل الطلابي، بعكس حسن نصر الله الذي بدأ نشاطاته في العمل العسكري منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

أما في المجال الديني، فقد درس قاسم على يد عدد من علماء المذهب الشيعي الاثني عشري، ومن أبرزهم المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله، كما انضم إلى موسى الصدر بعد قدومه إلى لبنان، حيث أسس الصدر المجلس الشيعي الأعلى في عام 1969، وتبعه حركة “المحرومين”. بحلول عام 1975، أعلن رسمياً تأسيس الجناح العسكري لحركة المحرومين تحت اسم “أفواج المقاومة اللبنانية”، المعروفة اختصارًا باسم “أمل”.

التطورات السياسية والعسكرية وظهور حزب الله

مع اختفاء موسى الصدر الغامض أثناء زيارته إلى ليبيا في عام 1978، ونجاح الثورة الإيرانية في 1979، بدأت الانقسامات داخل حركة أمل تظهر بشكل تدريجي، حيث قام مجموعة من الإسلاميين الشيعة بتنظيم مظاهرات تأييد للثورة الإيرانية تحت اسم “اللجان المساندة للثورة الإسلامية في إيران”.

في عام 1982، وفي أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، انشق مجموعة من عناصر حركة أمل عن الحركة، ومن بينهم نعيم قاسم، ليشاركوا في تأسيس “حزب الله” سراً برعاية إيرانية. كان هذا التأسيس بمثابة تحول رئيسي في مسيرة الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث تبنى الحزب مبادئ ولاية الفقيه كمرجعية دينية وعقائدية، وأعلن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي هدفاً رئيسياً له.

ومع الدعم الإيراني، بدأ حزب الله في بناء معسكرات تدريب لعناصره من خلال الحرس الثوري الإيراني، وبدأ العمل في الخفاء لمدة ثلاث سنوات قبل أن يظهر علنياً في عام 1985، عبر نشر رؤيته العقائدية والسياسية في “رسالة مفتوحة” ألقاها الناطق باسم الحزب آنذاك إبراهيم أمين.

صعود نعيم قاسم داخل حزب الله

خلال مسيرته داخل حزب الله، تقلد نعيم قاسم عدة مناصب هامة، بما في ذلك عضوية مجلس شورى الحزب لثلاث دورات متتالية، وهو المجلس الذي يضم 9 أعضاء منتخبين لمدة عام واحد من عناصر الحزب. مع مرور الوقت، خُفض عدد أعضاء المجلس إلى 7 أعضاء وزادت مدة عضويتهم إلى سنتين، وبدأت تتشكل مجموعة من المجالس داخل هيكل الحزب.

في عام 1991، وبعد الخلاف حول مشاركة حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، تم تعيين عباس الموسوي أمينًا عامًا للحزب بدلاً من صبحي الطفيلي. وبعد هذه التغيرات، تم إنشاء منصب نائب الأمين العام لأول مرة، والذي شغله نعيم قاسم طوال فترة القيادة الموسويّة وخلافته من قبل حسن نصر الله.

القيادة الحالية ومرحلة التحديات

اليوم، يعبر حزب الله مرحلة جديدة مع نعيم قاسم على رأس قيادته في ظروف استثنائية وغير مسبوقة. الغارات الإسرائيلية على لبنان لا تتوقف، والحرب تسير في مسار يحاول تدمير قدرة حزب الله العسكرية والسياسية. إلى جانب ذلك، تواجه القيادة الجديدة تحديات إضافية من بينها التهديدات الإسرائيلية الصريحة باستهداف قاسم شخصياً، وكذلك ضغوط من أجل تقليص تأثير الحزب في الساحة اللبنانية.

على الرغم من ذلك، فإن مقارنته مع سلفه حسن نصر الله تثير تساؤلات حول قدرة قاسم على قيادة الحزب بنفس الكاريزما والفعالية التي تحلى بها نصر الله، الذي يعتبر أحد أبرز القادة في تاريخ لبنان الحديث. وقد تناول بعض المحللين هذه الفوارق بين القيادتين مشيرين إلى أن قاسم، على عكس نصر الله، لا يملك نفس القدر من الحضور الشخصي، ما يعزز من التحديات التي يواجهها في قيادة الحزب.

التحديات المستقبلية أمام نعيم قاسم

ورغم هذه التحديات، فإن قاسم يتمتع بخبرة واسعة في العمل السياسي والتنظيمي داخل حزب الله، وهو أحد أبرز منظريه. كما أظهر مرونة ملحوظة في تفويض بعض المهام لشخصيات خارج صفوف الحزب، مثل تعيين نبيه بري. رئيس مجلس النواب اللبناني، للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، وهو ما يعكس تغييرًا في نمط القيادة داخل الحزب.

لكن القيادة الجديدة لحزب الله تواجه تحديات معقدة على أكثر من جبهة، سواء من الداخل اللبناني أو على صعيد العلاقة مع إيران. فنعيم قاسم، على عكس نصر الله. لا يمتلك الخبرة العسكرية التي كانت سمة بارزة لسلفه. مما قد يضطره إلى تفويض جزء أكبر من المهام العسكرية إلى قيادات أخرى داخل الحزب. مما قد يغير من شكل القيادة الهيكلية لحزب الله في المستقبل.

العلاقة مع إيران وتحديات القيادة الإقليمية

على الرغم من أن نعيم قاسم يظل مخلصًا لفكرة ولاية الفقيه. فقد تثار تساؤلات حول تأثير التغييرات في القيادة على علاقة الحزب بإيران. في كتابه “حزب الله: المنهج والتجربة والمستقبل”. يوضح قاسم أن الحزب يلتزم بأوامر الولي الفقيه في إيران فيما يتعلق بالأمور السياسية الكبرى. بينما تكون قرارات الحزب بشأن الأمور الداخلية أكثر استقلالية.

ومع التحديات المتزايدة التي يواجهها الحزب في لبنان وفي سوريا. قد تقوم إيران بإعادة تقييم دور حزب الله في المنطقة. خاصة في ظل التهديدات الإسرائيلية والضغوط الدولية. قد يتطلب ذلك من قاسم اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية معقدة. التي قد تؤثر على العلاقة بين الحزب وإيران في المستقبل.

النظرة إلى الصراع مع إسرائيل في عهد قاسم

من غير المرجح أن يختلف نعيم قاسم عن سلفه على صعيد الخط الإستراتيجي في مواجهة إسرائيل. فقد كان حزب الله تحت قيادة نصر الله ينظر إلى المعركة مع إسرائيل على أنها صراع مفتوح وطويل الأمد. وهذا الاتجاه. كما يظهر من كتابات قاسم. لا يزال هو الإطار العام الذي يوجهه في سياساته تجاه إسرائيل.

يشدد قاسم على أن حزب الله سيظل يواصل مقاومته للاحتلال الإسرائيلي. سواء على مستوى تحرير مزارع شبعا أو من خلال ردع الأطماع التوسعية الإسرائيلية. رغم ضعف الإمكانيات العسكرية مقارنة بالقدرات الإسرائيلية. وهو يعتقد أن المقاومة ليست مجرد رد فعل. بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى التأثير على الأمن الإسرائيلي وتفكيك سياسات الاحتلال.

 قيادات التحديات المستقبلية

إن نعيم قاسم يقود حزب الله في مرحلة حرجة، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية والسياسية والإقليمية بشكل غير مسبوق. ومع استمرار الغارات الإسرائيلية على لبنان، وتغيير ديناميكيات العلاقة مع إيران. سيظل حزب الله بحاجة إلى تقييم مستمر لخطواته في ظل القيادة الجديدة. ومن المتوقع أن تظل التحديات التي تواجهه شديدة التعقيد. خاصة مع استمرار الأزمات الإقليمية والصراع ضد إسرائيل.

وفي النهاية. يواجه نعيم قاسم مهمة صعبة، تتمثل في الحفاظ على مسار المقاومة في ظل الظروف المعقدة الحالية. مع التأكيد على وحدة الحزب ومرونته أمام الضغوط العسكرية والسياسية.

 

اقرأ كذلك :أرض النهاية: العلامات السبع لزوال إسرائيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات