صدام حسين وناظم كزار. صعود الحليف وسقوطه في دهاليز السلطة العراقية
قصة التحالف والخصومة بين الأمن والسياسة في العراق البعثي
عاش العراق قروناً من التحولات. ثم جاء القرن العشرون مضطرباً. وتغيّرت فيه الوجوه والرايات. وفي كل مرحلة ظهرت أسماء قوية. ثم تلاشت أسماء أخرى في الظل. ولكن. عندما وصل البعث إلى الحكم. برز اسمان بقوة. صدام حسين. وناظم كزار. كانا على خط واحد. ثم افترقا. ثم تحولا إلى خصمين في صراع خفي. وهذا الصراع شكّل واحداً من أكثر الفصول غموضاً في تاريخ العراق الحديث.
لذلك. يعرض هذا المقال السيرة السياسية والأمنية لناظم كزار. بكل تفاصيلها وتحولاتها. دون اختصار. وبأسلوب موضوعي وإنساني. مع ربط الأحداث بخلفياتها التاريخية.
البيئة الأولى ونشأة ناظم كزار
وُلد ناظم كزار في بيئة عراقية مضطربة. وكانت أسرته محدودة الدخل. لذلك عرف معنى المسؤولية مبكراً. وفي سن صغير بدأ يساعد عائلته بالعمل. وفي تلك المرحلة تشكلت ملامح شخصيته الصارمة. وبرز طموحه بوضوح.
ثم التحق بالدراسة الثانوية. وكان ملتزماً بالانضباط. وكان دقيقاً في متابعة واجباته. وبعد ذلك أنهى الثانوية بمعدل مرتفع. وهذا أهله لدخول كلية الطب في جامعة بغداد.
ولكن. العراق آنذاك لم يكن مستقراً. بل كان يغلي بالأفكار السياسية. وسقط النظام الملكي عام 1958. ثم تأسس النظام الجمهوري الجديد. وهنا. دخل ناظم كزار عالم السياسة مبكراً. فبدأ نشاطه الحزبي السري. وابتعد تدريجياً عن طريق الطب.
بداية الصدام مع السلطة الجديدة
بعد التحاقه بالجامعة. ظهرت ميوله الحزبية بسرعة. وبدأ ينخرط مع حزب البعث سراً. ومع ذلك. كانت الدولة الجديدة بقيادة عبد الكريم قاسم تضيق بالحركات القومية. لذلك بدأت الملاحقات السياسية.
نتيجة لذلك. جرى فصله من كلية الطب. بتهمة الانتماء الحزبي. فانتقل بعد ذلك إلى كلية الهندسة. ثم فُصل مرة أخرى. فأكمل تعليمه في معهد الهندسة الصناعي العالي.
ومع ذلك. لم يتوقف نشاطه السياسي. بل استمر في العمل التنظيمي السري. وكان يزداد تشدداً مع مرور الوقت. ولذلك. تعرّض للاعتقال لاحقاً. خاصة بعد تفكك التحالف بين البعث وعبد السلام عارف.
السجن وبناء العقلية الأمنية
في السجن. أمضى ناظم كزار سنوات قاسية. تنقل بين عدة معتقلات. ومنها سجن السليمانية. وسجن الموصل. ثم الفضيلية. وهناك. تبلورت شخصيته الأمنية. وازدادت صرامته. وتشددت قناعاته.
ثم. بعد صدور عفو سياسي. خرج من السجن. وكان ذلك في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف. وبوساطة أحمد حسن البكر. وهذا الحدث سيغير مسار حياته بالكامل.
وبعدها. أعاد حزب البعث تنظيم صفوفه. ثم نفّذ انقلاب 17 تموز عام 1968. فعاد الحزب إلى السلطة بقوة. وهنا بدأ صعود ناظم كزار الحقيقي.
تعيينه في جهاز الأمن العام
بعد نجاح الانقلاب. تشكّلت دولة أمنية جديدة. وكان صدام حسين يشرف على تنظيمها من الخلف. فتم تأسيس عدة أجهزة أمنية. وكان من بينها جهاز الأمن العام.
وفي عام 1969. عُيّن ناظم كزار مديراً للأمن العام. رغم أنه مدني. لكنه منح رتبة لواء. وهذا أمر استثنائي.
ومن هنا. توسعت صلاحياته بسرعة. وأصبح واحداً من أهم رجال الدولة. وكان مسؤولاً عن حماية النظام من خصومه في الداخل.
وبذلك. تحول من شاب طموح إلى رجل مرعب. يخشاه السياسيون والمعارضون. وأصبح اسمه مرادفاً للخوف في العراق.
قصر النهاية وتحويله إلى مركز أمني
اختار كزار قصر الرحاب كمقر لجهازه الأمني. وكان هذا القصر رمزاً لتاريخ دموي سابق. ثم غيّر اسمه إلى قصر النهاية. وأصبح مركزاً للتحقيق والاعتقال.
وفي هذا المكان. تم احتجاز معارضين من مختلف التيارات. وكان يتم استجوابهم بطرق قاسية. وأحياناً. كانت تصدر أحكام فورية عليهم.
وتشير مصادر عديدة إلى أن جلسات محاكمات غير رسمية كانت تُعقد ليلاً. وكان يتم تنفيذ الأحكام دون أي إجراء قانوني.
ورغم ذلك. فإن كزار كان يرى نفسه حامياً للدولة. وكان يبرر أفعاله بضرورة حماية الثورة.
بداية الخلاف مع صدام حسين
مع مرور الوقت. بدأ صدام حسين بتعزيز نفوذه. وعيّن أبناء بلدته تكريت في مناصب حساسة. وبهذه الطريقة. خلق دائرة موالية له فقط.
وهنا. بدأ نفوذ ناظم كزار يتراجع. وسُحبت منه تدريجياً العديد من الصلاحيات. وظهرت أجهزة أمنية أخرى لا تخضع له.
وأصبح يؤدي مهاماً ثانوية. مثل متابعة قضايا بسيطة. ولم يعد له القرار الأعلى. وهذا التحوّل شكّل ضربة قاسية لطموحه.
لذلك. بدأ يشعر بالتهديد الحقيقي. خاصة مع ازدياد قوة صدام يوماً بعد يوم.
التخطيط لمحاولة انقلاب داخلية
في منتصف عام 1973. قرر ناظم كزار القيام بتحرك مباشر. وقد خطط لانقلاب داخلي ضد قيادة الحزب والدولة.
وكانت خطته تعتمد على غياب الرئيس أحمد حسن البكر. الذي سافر إلى دول أوروبا الشرقية. فاعتبرها لحظة مناسبة.
وخطط لاعتقال وزير الدفاع ووزير الداخلية. ثم إعلان حالة طوارئ. ثم الظهور كبطل أنقذ الدولة.
ولكن. تأخر وصول طائرة البكر. وتغيّر مسار الأحداث. وهذا أربك حساباته. وشكّل بداية فشل الخطة.
لحظة التنفيذ والانهيار
عندما أدرك أن الخطة انكشفت. قرر الهروب فوراً نحو الحدود الإيرانية. واصطحب معه رهائن من الوزراء. بهدف التفاوض أو حماية نفسه.
لكن. خلال الطريق. تمكن أحد المرافقين من الهرب. ثم أبلغ السلطات العراقية. وسرعان ما بدأت الملاحقة الجوية والبرية.
ووقع اشتباك على الطريق. قُتل خلاله وزير الدفاع حماد شهاب. وأصيب وزير الداخلية سعدون غيدان. ثم أُسِر ناظم كزار بعد إصابته.
وبذلك. انتهت المحاولة بشكل كامل. وسقط الرجل الذي أرعب الجميع خلال سنوات.
العودة إلى قصر النهاية
نُقل كزار إلى قصر النهاية. لكن هذه المرة كأسير. لا كقائد. وهناك. خضع للتحقيق أمام كبار قادة الحزب.
وكان مرهقاً. ومصاباً. لكنه أصر على أنه لم يخن. بل حاول تصحيح المسار. ولكن لم يُصغِ أحد لتبريراته.
وبعد تحقيقات سرية. صدر قرار بإعدامه مع مرافقيه. وقد تم التنفيذ بسرعة. دون أي إعلان رسمي.
وسُلّمت جثته لعائلته لاحقاً بصمت. وكأن النظام أراد دفن القصة نهائياً.
الجدل حول حقيقة ما حدث
ورغم الرواية الرسمية. شكك بعض الباحثين في القصة. ومنهم شامل عبد القادر. الذي دافع عن ناظم كزار في كتابه.
واتهم صدام حسين بتدبير الحادث بالكامل. للتخلص من رجل قوي بدأ يشكل خطراً على سلطته.
وهكذا. بقيت القصة مفتوحة للتأويل. ولم تُكشف كل التفاصيل حتى اليوم.
ولكن المؤكد. أن ناظم كزار سقط بسبب صراع السلطة. في نظام لا يعترف بالولاء الدائم.
خاتمة تحليلية
هكذا انتهت سيرة رجل صعد من الفقر إلى قمة الدولة. ثم سقط في المكان نفسه الذي صنعه. إنها قصة السلطة عندما تأكل أبناءها. وقصة الخوف عندما يتحول إلى مصير.
صدام حسين استخدم ناظم كزار. ثم تخلص منه. وناظم كزار استخدم العنف ليصنع لنفسه طريقاً. فابتلعته الدائرة نفسها.
وبقي العراق يدفع ثمن هذه الصراعات لسنوات طويلة. لأن الصراع على القوة لا يبني دولة. بل يهدمها بصمت.
اقرأ كذلك: من قتل فاضل البراك؟ القصة الكاملة لأحد أهم رجال صدام حسين