عبقرية التفكيك.. كيف واجه صلاح الدين الأيوبي الدولة الفاطمية العميقة؟
كيف أعاد صلاح الدين بناء مصر وصياغة مشروع الدولة الأيوبية؟
شهدت مصر في منتصف القرن السادس الهجري مرحلة شديدة الاضطراب؛ إذ تزامن ضعف الدولة الفاطمية مع تصاعد الهجمات الصليبية، بينما تصارع الوزراء على الحكم، ودخلت البلاد في فوضى سياسية خطيرة. وفي هذا السياق برز دور نور الدين زنكي الذي أدرك أهمية مصر في موازين القوى، فأرسل أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه يوسف بن أيوب، الذي سيصبح لاحقًا بطل التحولات الكبرى: صلاح الدين الأيوبي.
دخول صلاح الدين إلى مصر
دخل صلاح الدين مصر ضمن جيش شيركوه لإعادة شاور إلى الوزارة، لكن الأحداث سرعان ما انقلبت؛ إذ خان شاور تعهده، وتآمر مع الفاطميين ضد الحملة الزنكية. وبعد كشف الخيانة انتهى الصراع بإعدام شاور، وتولي أسد الدين الوزارة، ثم انتقالها إلى صلاح الدين بعد وفاة عمه عام 564هـ، ليبدأ بذلك عهد جديد في السياسة المصرية.
معركة دمياط الحاسمة
في العام نفسه تعرضت مصر للغزو عبر تحالف صليبي بيزنطي ضخم استهدف مدينة دمياط. وكانت المعركة أول اختبار حقيقي لصلاح الدين. نجح في هزيمة التحالف وإفشال المشروع الصليبي، ما جعله يكتسب احترام المصريين ويعزز نفوذه داخل السلطة. وبذلك تحولت صورته من وزير وافد إلى قائد منقذ.
بداية تفكيك الدولة الفاطمية
بعد انتصار دمياط، أدرك صلاح الدين أن بقاء الحكم الفاطمي يشكل خطرًا على استقرار البلاد. لكنه لم يعلن المواجهة مباشرة، بل اتبع سياسة «التفكيك الهادئ». أضعف مؤسسات الدولة الفاطمية تدريجيًا، وأعاد بناء الجيش، وأقصى وحدات الحرس القديم، واعتمد على قوات كردية وتركمانية موالية له، ما مهد لتحول سياسي عميق دون صدام شعبي.
تأمين الطريق بين مصر والشام
عمل صلاح الدين على ربط مصر بالشام لتقوية الجبهة ضد الصليبيين. فقاد حملات على الساحل الفلسطيني، وسيطر على عسقلان، وتأمنّت بذلك خطوط التجارة والاتصال بين البلدين. وقد قلّل ذلك من قدرة الصليبيين على تهديد مصر، ورفع من القدرة الدفاعية للمشروع الزنكي الأيوبي.
حملة العقبة وتضييق الخناق على الصليبيين
اتجه صلاح الدين سنة 570هـ إلى العقبة، وهي نقطة إستراتيجية تتحكم في طرق التجارة إلى الحجاز واليمن. وكان الهدف خنق التحركات الصليبية عبر البحر الأحمر وتعطيل خطوط الإمداد. وقد شكل هذا التوسع محطة مهمة في استكمال السيطرة على مسارات الملاحة الحيوية.
التفكيك السياسي العميق
بدأ صلاح الدين مرحلة تفكيك الدولة الفاطمية سياسيًا واجتماعيًا. خفف الضرائب، ودعم الفئات الفقيرة، ونشر العدل، وواجه مؤامرات الحرس القديم مثل مؤامرة العبيد السودان وعمارة اليمني. ومع الوقت أصبحت مؤسساته أقوى من المؤسسات الفاطمية، وتحوّل الولاء الشعبي نحوه.
علاقته مع نور الدين محمود
رغم اتساع نفوذ صلاح الدين بقي وفيًا لنور الدين الذي مثّل الشرعية السياسية والدينية. وعندما طلب نور الدين قطع الخطبة للخليفة الفاطمي، نفّذ صلاح الدين الأمر بحكمة شديدة، فصعد الخطيب إلى المنبر وأعلن الدعاء للخليفة العباسي، وكانت تلك اللحظة بداية النهاية للخلافة الفاطمية.
سقوط الدولة الفاطمية
عندما اشتد مرض الخليفة العاضد، لم يعد أحد يهتم بمصيره؛ إذ فقدت الدولة الفاطمية كل نفوذها الحقيقي. وبعد وفاته انتهت رسميًا إحدى أطول الخلافات في التاريخ الإسلامي، دون مقاومة تُذكر، بسبب سياسات صلاح الدين التي مهّدت لهذا الانتقال السلمي.
تأسيس الدولة الأيوبية
بعد إعلان نهاية العهد الفاطمي، أعاد صلاح الدين تشكيل مؤسسات الدولة:
• أرسل وفدًا إلى بغداد لتأكيد الولاء العباسي.
• رفع الرايات العباسية السوداء بدل البيضاء الفاطمية.
• أعاد تشكيل القضاء، وعيّن قضاة من المذهب الشافعي.
• أغلق المؤسسات العقائدية الإسماعيلية، وحوّلها إلى مدارس سنية.
• أصلح النظام المالي، وألغى الضرائب الجائرة.
- ومع هذه الإصلاحات بدأت مصر عهدًا جديدًا، وأصبح صلاح الدين مركز القوة الإسلامية الممتدة من مصر إلى الشام، استعدادًا للمرحلة الأعظم: تحرير القدس.
اقرأ كذلك: كيف واجه العثمانيين وحشية دراكولا… القصة التي لم تُروَ كاملة؟