لماذا قال الله تعالى “امرأة العزيز” ولم يقل “زوجة العزيز” في سورة يوسف؟
القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز، حيث تتميز ألفاظه بالدقة البالغة، والمعاني العميقة، والتعبير البليغ الذي لا يأتي إلا لحكمة. ومن الأمور التي تسترعي الانتباه في سورة يوسف عليه السلام أن الله تعالى أطلق على زوجة العزيز لقب “امرأة العزيز” بدلاً من “زوجة العزيز”. وقد وردت كلمة “امرأة” في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وكذلك وردت كلمة “زوجة”، ولكل استخدام دلالته الخاصة التي تعكس معاني دقيقة تتجاوز حدود اللغة العادية.
الفرق بين “امرأة” و”زوجة” في القرآن
استخدام القرآن لكلمتي “امرأة” و”زوجة” ليس عشوائيًا. بل يرتبط بحالة العلاقة الزوجية من حيث التوافق الروحي والعاطفي والديني بين الزوجين. فحين يكون هناك انسجام بين الزوجين في العقيدة والتوجه الحياتي، يستخدم القرآن كلمة “زوجة”. أما إذا كان هناك خلل في العلاقة سواء من الناحية الإيمانية أو الأخلاقية أو الاجتماعية، فيستخدم كلمة “امرأة”.
أمثلة من القرآن الكريم
1. استخدام “امرأة” مع زوجات الأنبياء غير المؤمنات
عندما تحدث الله عن زوجتي نبيين كريمين، نوح ولوط عليهما السلام، أطلق عليهما وصف “امرأة” بدلاً من “زوجة”. فقال تعالى:
“ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا” (التحريم: 10).
هنا استخدم القرآن كلمة “امرأة” لأنهما لم تكونا مؤمنتين برسالة زوجيهما. بل خانتاهما في العقيدة، مما جعل العلاقة الزوجية ناقصة من حيث التوافق الإيماني.
2. استخدام “زوجة” عند وجود توافق ديني وأخلاقي
أما في المواضع التي كان فيها التوافق بين الزوجين كاملًا، فإن القرآن استخدم كلمة “زوجة”. مثل قوله تعالى عن زكريا عليه السلام:
“وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَٰرِثِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ” (الأنبياء: 89-90).
كلمة “زوجة” هنا تدل على الانسجام بين زكريا وزوجته. لأنهما كانا مؤمنين ومتوافقين في العقيدة والعمل الصالح.
3. استخدام “امرأة” عند وجود مشكلة مؤقتة في العلاقة
في قصة إبراهيم عليه السلام، استخدم القرآن كلمة “امرأة” عندما كانت سارة غير مصدقة بالبشارة التي جاء بها الملائكة. فقال تعالى:
“وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَٰهَا بِإِسْحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَٰقَ يَعْقُوبَ” (هود: 71).
لكن عندما أصبح هناك توافق بينهما بعد أن قبلت سارة البشرى واطمأنت إليها، عاد القرآن إلى تسميتها بـ “زوجة” في مواضع أخرى.
لماذا لم يقل القرآن “زوجة العزيز”؟
بناءً على القاعدة السابقة، فإن عدم استخدام كلمة “زوجة” في قصة يوسف عليه السلام يعود إلى أن العلاقة بين العزيز وامرأته كانت مضطربة وغير قائمة على أساس من الوفاء أو التوافق الروحي والأخلاقي. فقد خانت امرأة العزيز الأمانة التي أوكلت إليها بمحاولة مراودة يوسف عن نفسه. وسعت للإيقاع به في الفاحشة، بل لجأت إلى الكذب والخداع لإخفاء فعلتها. مما يعكس خللًا أخلاقيًا واضحًا في علاقتها بزوجها العزيز.
العلاقة بين امرأة العزيز والعزيز في القرآن
الآيات التي تتحدث عن امرأة العزيز تظهر بوضوح أنها لم تكن مخلصة لزوجها، فقد راودت يوسف عن نفسه. وألقت اللوم عليه بعد أن انكشف أمرها، ثم سعت لإغراء نساء المدينة لكي يبررن فعلتها، كما قال الله تعالى:
“فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ” (يوسف: 31).
هذا السلوك لا يعكس علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، بل يعكس حالة من الخيانة الزوجية والخداع. لذا، كان من غير المناسب وصفها بـ “زوجة”، بل جاءت التسمية بلفظ “امرأة العزيز”. في إشارة إلى أنها مجرد امرأة تعيش في بيته وليست زوجة حقيقية من حيث قيم العلاقة الزوجية.
دقة التعبير القرآني
اختيار الألفاظ في القرآن معجز، فلو استخدم لفظ “زوجة” في قصة يوسف، لكان ذلك يعني أن العلاقة بين العزيز وامرأته كانت علاقة متكاملة من حيث الاحترام والوفاء، لكن استخدام “امرأة” يعكس حقيقة الخلل في العلاقة.
الخلاصة
القرآن الكريم يميز بين “زوجة” و”امرأة” بدقة متناهية، حيث يدل لفظ “زوجة” على وجود توافق روحي وأخلاقي بين الزوجين، بينما يعكس لفظ “امرأة” وجود خلل في العلاقة، سواء كان خللًا دينيًا كما في حالة امرأة نوح وامرأة لوط، أو خللًا أخلاقيًا كما في حالة امرأة العزيز.
وهذا يدل على أن كل كلمة في القرآن تأتي لحكمة بليغة، فاختيار “امرأة العزيز” لم يكن مجرد صدفة، بل كان تعبيرًا دقيقًا عن طبيعة العلاقة بين العزيز وامرأته، والتي كانت تفتقر إلى المودة والرحمة والاحترام المتبادل.
اقرأ كذلك: ماذا يريد النبي منا حقًا؟