تعليم

“لماذا ارتفعت أعداد الزلازل مع مرور الوقت؟.. هل هناك شيء كبير قريب؟”

"تزايد الزلازل: كيف تفسر التكنولوجيا والإعلام الحديث الشعور المتزايد بنشاط الزلازل دون أن يكون هناك زيادة فعلية في معدلاتها العالمية؟"

لماذا ارتفعت أعداد الزلازل مع مرور الوقت؟ من وقت لآخر، تنتشر أخبار عن الزلازل الكبرى التي تضرب أجزاء مختلفة من العالم. على سبيل المثال، قبل عدة أسابيع فقط، وقع زلزال قوته 7 درجات على مقياس ريختر قرب سواحل ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وفي نفس السياق، تعرضت جمهورية فانواتو، وهي دولة جزيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ، لزلزال بقوة 7.3 درجة، وذلك منذ أسبوع واحد فقط. وأحيانًا أخرى، تُعلن دول مختلفة عن زلزال جديد في مناطقها.

هذه الظاهرة تجعل البعض يشعر بأن نشاط الزلازل الكبرى حول العالم في ازدياد مستمر. خاصة وأن الكثير من الناس بدأوا يسمعون عن زلازل تضرب بلادهم بشكل متكرر، سواء كانت هذه الزلازل تحدث كل عدة أسابيع أو حتى كل بضعة أيام في بعض الأحيان. هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان العالم قد أصبح مكانًا أكثر خطرًا، وهل الزلازل باتت تحدث بمعدلات أكبر من أي وقت مضى؟

هذه الظاهرة عادة ما تثير اهتمام مروجي الخرافات العلمية ونظريات المؤامرة. في هذا السياق، تظهر العديد من النظريات التي تتحدث عن شيء كبير قريب قد يغير وجه الأرض، مثل نهاية العالم أو اقتراب كوكب نيبرو، الذي يقال إنه يقترب من الأرض. كما يزعم البعض أن هناك حكومة عالمية سرية تعرف أن العالم أوشك على الانتهاء، لكنها تختار إخفاء هذه الحقيقة عن الناس.

الفكرة العلمية وراء الزلازل

ولكن، الواقع لا يتفق مع هذه النظريات الخرافية. لفهم الأمر بشكل دقيق، من المهم أن نعرف ماهية الزلزال. لنأخذ مثالًا توضيحيًا بسيطًا: إذا اعتبرنا كوكب الأرض كثمرة تفاح، فإن القشرة الصخرية للأرض ستكون مثل قشرة التفاحة الرقيقة. إلا أن هذه القشرة على الأرض تختلف كثيرًا عن قشرة التفاحة في سمكها. حيث يتراوح سمك القشرة الأرضية ما بين 30 إلى 70 كيلومترًا في القارات، ومن 4 إلى 12 كيلومترًا في المحيطات.

الأمر الآخر المهم هو أن القشرة الأرضية ليست قطعة واحدة تغطي كوكب الأرض. بل إنها تتكون من عدة قطع كبيرة تسمى “الصفائح التكتونية”. هذه الصفائح تشبه الأجزاء المتناثرة من الأحجية. وبالرغم من أن هذه الصفائح تتحرك ببطء، إلا أنها تسبح على طبقة أخرى أسفلها تدعى “الوشاح”. يتحرك هذا الجزء العميق من الأرض ببطء ولكن بشكل مستمر.

متى تحدث الزلازل؟

تتحرك الصفائح التكتونية بشكل مستمر، بعض الصفائح تبتعد عن بعضها البعض في بعض الأماكن، بينما تقترب من بعضها في أماكن أخرى. وعندما تلتقي صفحتان تكتونيتان، يحدث ما يسمى “الفالق”. في الظروف العادية، تنزلق أطراف الصفائح على بعضها ببطء وسلاسة، لكن في بعض الأحيان لا تكون هذه الحركة سلسة، حيث تتداخل الصفائح بشكل عنيف، مما يؤدي إلى حدوث الزلازل.

في الواقع، الزلازل تحدث باستمرار على مدار اليوم. قد يكون من الصعب تصديق أن هناك ما يقارب نصف مليون زلزال يضرب الأرض كل عام. من هذه الزلازل، يمكن الشعور بحوالي 100 ألف زلزال. بينما فقط حوالي 100 زلزال قد يكون لها تأثير ضار كما حدث في الزلزال الأخير في تركيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم الزلازل تكون صغيرة وغير مؤذية.

إحصائيات الزلازل وأسباب زيادة الانتباه إليها

من خلال إحصائيات الزلازل خلال العشرين عامًا الماضية، نجد أن معدل الزلازل السنوي لم يرتفع أو ينخفض بشكل ملحوظ. بل إنه يبقى ثابتًا تقريبًا. وعلى الرغم من أن هذا يعتبر من حسن حظ البشرية، فإن الناس يشعرون أن الزلازل أصبحت أكثر تكرارًا في الآونة الأخيرة. ولكن لماذا؟

هناك عدد من الأسباب التي تفسر هذا الظن الخاطئ. أحد هذه الأسباب يتعلق بالتطور التكنولوجي في مجال قياس الزلازل. فمع زيادة عدد محطات رصد الزلازل، أصبح بإمكان العلماء قياس عدد أكبر من الزلازل. كما أن دقة هذه الأجهزة أدت إلى رصد الزلازل الصغيرة التي قد تكون غير ملحوظة في الماضي.

من ناحية أخرى، يشهد العالم تطورًا هائلًا في مجال وسائل الإعلام والاتصال. حيث أصبح بإمكاننا سماع الأخبار عن الزلازل في أي مكان في العالم بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. تحرص محطات رصد الزلازل على نشر بيانات دقيقة حول كل زلزال يحدث، بما في ذلك مركزه وقوته. هذا يعزز من وعي الناس بنشاط الزلازل في مناطق مختلفة.

إضافة إلى ذلك، أصبح الناس أكثر وعيًا بشأن الزلازل. في الماضي، كان العديد من الأشخاص يشعرون بالهزات الأرضية المتوسطة دون أن يلاحظوا ذلك. لكن اليوم، ومع تزايد الوعي العام حول الزلازل، أصبح الناس قادرين على تمييز هذه الهزات والتفاعل معها بشكل أسرع.

توزيع الزلازل على مدار العام

على الرغم من هذه الزيادة الملحوظة في عدد الزلازل التي يتم الإبلاغ عنها، فإن الحقيقة هي أن عدد الزلازل لم يرتفع بشكل ملحوظ على مدار السنوات. على سبيل المثال، في عام 2020، تم تسجيل حوالي 1400 زلزال بقوة أكبر من 5 درجات على مقياس ريختر. وفي العام التالي، 2021، ارتفع هذا العدد إلى حوالي 2200 زلزال. هذا الارتفاع في عدد الزلازل قد يكون سببًا في شعور الناس بزيادة الزلازل في الآونة الأخيرة.

لكن، كما يوضح العلماء، لا يتم حساب معدلات الزلازل استنادًا إلى عام أو عامين فقط. بدلاً من ذلك، يتم قياس النشاط الزلزالي على مدار فترات زمنية طويلة، مثل عدة عقود. لذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الزيادة في بعض السنوات لا تعني بالضرورة أن هناك ارتفاعًا عامًّا في معدلات الزلازل.

الزلازل الكبيرة وتكرارها

الزلازل التي تزيد قوتها عن 8 درجات على مقياس ريختر تعتبر نادرة جدًا. لكن، وفقًا للدراسات العلمية، لاحظ العلماء أن الزلازل التي تتجاوز هذه القوة قد تكررت بمعدل مرتفع منذ عام 2004. ومع ذلك، يُعتقد أن هذه الزيادة هي مجرد صدفة إحصائية. إذ قام فريق من العلماء بدراسة السجلات التاريخية للزلازل الكبرى بين عامي 1900 و2011، ووجدوا أن معدل الزلازل الكبيرة في السنوات الأخيرة لم يكن مختلفًا بشكل كبير عن المعدلات التاريخية.

المناطق الأكثر نشاطًا زلزاليًا

توجد بعض المناطق حول العالم التي تعد أكثر نشاطًا زلزاليًا من غيرها. على سبيل المثال، تركيا هي واحدة من الدول التي تشهد نشاطًا زلزاليًا مرتفعًا بسبب موقعها الجغرافي بين ثلاث صفائح تكتونية. تاريخ تركيا حافل بالزلازل المدمرة. على سبيل المثال، في أكتوبر 2020، ضرب زلزال بقوة 7 درجات في تركيا، ما أسفر عن وفاة حوالي 100 شخص. وفي 2011، ضرب زلزال بقوة 7.2 درجة في نفس المنطقة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص.

إحدى الظواهر الطبيعية التي تساهم في زيادة الزلازل هي “حلقة النار” أو “حزام ما حول المحيط الهادئ”. هذه المنطقة، التي تمتد على طول 40 ألف كيلومتر حول المحيط الهادئ، تعد من أكثر المناطق عرضة للزلازل. تشهد هذه المنطقة حوالي 81% من الزلازل الكبرى في العالم. إضافة إلى ذلك، هناك “الحزام الألبي” الذي يمتد عبر آسيا وأوروبا ويُسجل حوالي 17% من الزلازل الكبرى.

في الختام، يمكننا القول بأن معدلات الزلازل لم ترتفع إلى الحد الذي قد يهدد بنهاية العالم. لكن ما يحدث هو أن التطور التكنولوجي ووسائل الإعلام الحديثة قد جعلتنا أكثر وعيًا بهذه الظاهرة. وبالتالي، نشعر وكأن الزلازل أصبحت أكثر تكرارًا. أما بالنسبة للمروّجين لنظريات المؤامرة، فهم يستغلون هذه الأحداث لزيادة حالة الخوف والقلق بين الناس، محاولين ربطها بنهاية العالم أو قوى شريرة.

اقرأ كذلك :جامعات تركيا ضمن أفضل 10 جامعات عالمياً في جذب الطلاب العرب والأجانب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات