العالم

ساعات حاسمة: ما الذي جرى داخل برلمان كوريا الجنوبية؟

محاولة اقتحام البرلمان الكوري الجنوبي: تصعيد غير مسبوق في الأزمة السياسية بعد إعلان الأحكام العرفية ورفض البرلمان لقرار الرئيس

ساعات حاسمة: ما الذي جرى داخل برلمان كوريا الجنوبية؟ في مساء يوم الثلاثاء، شهدت كوريا الجنوبية حدثًا غير مسبوق في تاريخها السياسي. فقد حاول الجنود اقتحام مبنى البرلمان بشكل عنيف، تنفيذًا لقرار مفاجئ من الرئيس “يون سوك يول” بفرض الأحكام العرفية. هذه الحادثة تمثل نقطة تحول في تاريخ الديمقراطية الكورية الجنوبية، حيث أظهرت مشاهد غير معتادة من المقاومة والصراع السياسي داخل أحد أعرق الأنظمة الديمقراطية في العالم.

كانت هذه الأحداث بداية لفترة من التوترات السياسية غير المسبوقة في كوريا الجنوبية، فقد لم تشهد البلاد منذ أكثر من 40 عامًا فرض الأحكام العرفية. وكان الهدف من فرض هذه الإجراءات هو القضاء على القوات الموالية لكوريا الشمالية، بحسب تصريحات الرئيس. ومع ذلك، لم تقتصر ردود الفعل على الجانب السياسي فحسب، بل شملت الشارع الكوري الجنوبي، الذي بدأ يعبر عن غضبه واستنكاره لهذا القرار.

إعلان الرئيس بفرض الأحكام العرفية

في لحظات مفاجئة، أعلن الرئيس “يون سوك يول” عن قراره بفرض الأحكام العرفية في البلاد، وهو قرار استثنائي نادر جدًا في كوريا الجنوبية. جاء هذا الإعلان بعد فشل الحكومة في تمرير مشروع قانون الميزانية في البرلمان، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه خطوة غير قانونية تهدف إلى السيطرة على السلطة التنفيذية بشكل غير دستوري. كما كلف الرئيس الجنرال في الجيش بتنفيذ هذه الإجراءات الطارئة، وهو ما تسبب في حالة من الارتباك السياسي في مختلف أوساط البلاد.

في اللحظة نفسها، بدأت تحركات الجيش داخل العاصمة سيول. حيث تم إرسال مروحيات محملة بقوات مدججة بالأسلحة إلى البرلمان بهدف تنفيذ القرار، في خطوة أظهرت حجم التصعيد الذي وصل إليه الوضع السياسي في البلاد. وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول نية الحكومة في التحكم في الشؤون الداخلية وتجاوز حدود الدستور الكوري الجنوبي.

تحركات الجنود واقتحام البرلمان

بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس، بدأت القوات العسكرية في التحرك بشكل فعلي نحو البرلمان. وفقًا لتصريحات “كيم مين-كي”، الكاتب العام للبرلمان، أُرسل الجنود في محاولة لدخول المبنى بالقوة. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه التحركات جزءًا من خطة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة، كانت المقاومة من موظفي البرلمان أكثر شراسة.

في الوقت الذي كانت فيه مروحيات القوات المسلحة تحلق في سماء سيول، كان الجنود يحاولون اقتحام مبنى البرلمان. وقد تسلق بعض الجنود أسوار المبنى بعد منتصف الليل، وبدأوا في تحطيم النوافذ في محاولة للدخول. وصف “كيم” هذا الهجوم بأنه “غير دستوري وغير قانوني”، وأكد في تصريحاته أن هذا الهجوم على البرلمان سيمثل نقطة تحول كبيرة في العملية الديمقراطية في البلاد.

وبينما كان الجنود يحاولون اقتحام المبنى، تصدى لهم موظفو البرلمان والمقاومون من المعارضة بكل الوسائل المتاحة. استخدموا الأثاث والمكاتب لتحصين المداخل ومنع القوات من الدخول. على الرغم من محاولات الجنود المتكررة لدخول البرلمان، واجهوا مقاومة شديدة من الموظفين الذين حاولوا صدهم بكل الطرق. وظهر في الصور التي تم نشرها الجنود وهم يواجهون حاجزًا من الأثاث، في مشهد يعكس حجم التوتر والصراع الذي كان يدور داخل هذا المبنى الذي يُعتبر رمزًا للديمقراطية في كوريا الجنوبية.

مواجهة آن غوي-ريونغ مع الجندي

من أبرز اللحظات التي أثارت الانتباه في هذه الأحداث، كانت المواجهة بين “آن غوي-ريونغ”، الناطقة باسم الحزب الديمقراطي المعارض، وأحد الجنود الذين حاولوا اقتحام البرلمان. كانت “آن” تقف في مواجهة الجندي وتصر على منع دخوله، وهو ما أثار حالة من التوتر الشديد. على الرغم من محاولتها الاستيلاء على سلاح الجندي، إلا أن المواجهة استمرت لأكثر من عشر ثوانٍ فقط، قبل أن يوجه الجندي سلاحه نحوها.

في هذا السياق، صرحت “آن” في وقت لاحق لوكالة الصحافة الفرنسية قائلة: “خشيت على حياتي، ولكن لم يكن لدي خيار سوى الوقوف ضد هذا الهجوم على البرلمان”. وأضافت أن مواجهتها مع الجندي كانت لحظة غير مسبوقة بالنسبة لها، حيث أنها لم تتخيل أن تصل الأمور إلى هذا الحد من العنف. وتعتبر هذه المواجهة لحظة فارقة في تاريخ السياسة الكورية الجنوبية، حيث يُظهر تصرف “آن” حجم التوتر السياسي الذي بلغته البلاد.

التصويت داخل البرلمان وسط العنف

على الرغم من محاولات الجنود لدخول البرلمان، تمكن النواب من الاستمرار في عملية التصويت على قرار رفع الأحكام العرفية. ومع تزايد الضغوط على البرلمان، اضطر بعض النواب إلى تسلق الأسوار للدخول والمشاركة في التصويت. ومن بينهم النائب “شين تشانغ-سيك” الذي وصف تلك اللحظات بأنها كانت لحظات فارقة في تاريخ كوريا الجنوبية.

وفي السياق ذاته، قال “كيم مين-كي” إن الموظفين في البرلمان استخدموا جميع الوسائل المتاحة لتحصين المداخل ومنع القوات من دخول المجلس. وفي نهاية المطاف، تم التصويت على رفع الأحكام العرفية في البرلمان، وهو القرار الذي يراه العديد من المراقبين خطوة حاسمة في الحفاظ على الاستقرار السياسي والديمقراطي في البلاد.

انسحاب الجنود وتداعيات الأحداث

بعد التصويت على القرار، بدأ الجنود في الانسحاب من البرلمان بشكل تدريجي. بحلول الساعة الثانية صباحًا، كانت القوات قد غادرت المبنى بالكامل، تاركين وراءهم أثاثًا محطّمًا ونوافذ مكسورة. ورغم هذه الأضرار المادية الكبيرة، إلا أنه لم تُطلق أي رصاصة خلال هذه الأحداث.

وقال “كيم مين-كي” في تصريحاته إن هذا الموقف كان بمثابة انتصار للديمقراطية في كوريا الجنوبية. وأكد أن النواب قد نجحوا في ممارسة حقهم في التصويت على القرار رغم الضغوط التي تعرضوا لها. ورغم أن هذه الحادثة لم تسفر عن سقوط ضحايا، فإنها كانت تمثل مرحلة من عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته كوريا الجنوبية في تلك الفترة.

ردود فعل الشارع الكوري الجنوبي

بعد تلك الأحداث، اندلعت مظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، حيث عبّر المواطنون عن استيائهم الشديد من تصرفات الحكومة. وقال “كيم مين-هو”، أحد المحتجين أمام البرلمان، إنه “لم يستطع النوم طوال الليل بسبب الغضب الشديد”. وأشار إلى أن الوضع السياسي في البلاد قد بلغ حدًا لا يمكن تحمله بعد الآن، وأنه يخشى على الديمقراطية في كوريا الجنوبية إذا استمر “يون” في السلطة لفترة أطول.

وأكد “بارك سو-هيونغ”، وهو ناشط آخر، أن الأحكام العرفية كانت خطوة خطيرة تهدد استقرار النظام الديمقراطي في كوريا الجنوبية. وقال: “إذا استمر هذا النظام في السلطة، فسنشهد مزيدًا من الانتهاكات لحقوق الإنسان والديمقراطية”. وكانت هذه التصريحات تعكس حالة من القلق العميق بين المواطنين الكوريين الجنوبيين بشأن مستقبل البلاد.

تفسير الرئيس للأحداث

من جهته، حاول الرئيس “يون سوك يول” الدفاع عن قراره بفرض الأحكام العرفية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات كانت ضرورية للقضاء على القوات الموالية لكوريا الشمالية. وأوضح أن الهدف من فرض هذه الأحكام كان الحفاظ على النظام الدستوري وحماية الديمقراطية في البلاد. وقال في خطاب له: “إذا لم نتخذ هذه الإجراءات. فإن الديمقراطية في كوريا الجنوبية ستكون في خطر”.

ومع ذلك. كانت تبريرات الرئيس موضع تساؤل واسع في الأوساط السياسية. فقد اعتبر بعض الخبراء أن هذا القرار كان بمثابة محاولة للهيمنة على البرلمان وسلبه سلطته التشريعية.

الأحكام العرفية: بين الضرورة والاستبداد

تعد الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية من التدابير الاستثنائية التي يمكن اللجوء إليها في حالات الطوارئ. ومن خلال هذه الإجراءات. يمكن تعليق بعض القوانين السارية مؤقتًا لتوفير الأمن وحماية النظام العام. ومع ذلك. فإن تاريخ الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية مرتبط بفترات مظلمة من الحكم الاستبدادي. لذا. فإن فرض الأحكام العرفية في هذه الفترة أثار قلقًا واسعًا بشأن التوجهات المستقبلية للحكومة.

في الختام. كانت تلك الأحداث بمثابة تحدٍّ كبير للنظام الديمقراطي في كوريا الجنوبية. ورغم أنه تم التصويت على رفع الأحكام العرفية. إلا أن هذا الحدث سيظل علامة فارقة في تاريخ البلاد السياسي.

اقرأ كذلك :المعارك في سوريا مباشرة: المعارضة تسيطر على حماة وتستهدف حمص برسائل موجهة للخارج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات