البيجر القـ .ـاتل: سلاح خفي في معارك الحروب السيبرانية
شهدت الأيام الماضية عملية إسرائيلية نوعية في لبنان، استهدفت آلاف أجهزة البيجر التي يستخدمها عناصر من حزب الله. هذه العملية تسلط الضوء على تحولات جديدة في الحروب السيبرانية. مما يفرض على صناع القرار إعادة النظر في المفاهيم التقليدية المرتبطة بالحروب الحديثة.
ما يميز هذه العملية ليس فقط تعقيدات المشهد الإقليمي أو عدد الضحايا الذين سقطوا، بل طبيعتها بحد ذاتها. حيث تجاوزت الخطوط الحمراء التي كانت تُحترم ضمنيًا بين الدول. مع انعكاسات كبيرة على المفاهيم الأمنية وضرورة تأمين البنى التحتية ضد الهجمات السيبرانية والمادية.
تفاصيل العملية وتوصيفها
اختلفت التحليلات حول طبيعة العملية. فبينما اعتقد البعض أن التفجيرات ناجمة عن هجوم سيبراني استهدف بطاريات البيجر. رأى آخرون أن الانفجار الكبير يشير إلى تدخل مادي زرعت فيه متفجرات دقيقة داخل الأجهزة.
ومع مرور الوقت، ظهرت فرضية تجمع بين الاثنين. العملية ليست سيبرانية بحتة ولا أمنية بحتة. بل مزيج من الاختراقات الأمنية والسيبرانية. فالاختراق المادي شمل مستويات لوجستية ومعرفية معقدة. حيث تم زرع المتفجرات بدقة في البيجرات خلال عمليات التصنيع. مع فهم شامل لأنظمة البيجر. ثم تم تفعيل هذه المتفجرات عبر إشارة سيبرانية موجهة من بعد.
العمليات الهجينة وتجاوز الخطوط الحمراء
العمليات الهجينة ليست جديدة في الحروب، لكن المختلف في هذه العملية هو أن إسرائيل قد تجاوزت بعض الخطوط الحمراء الدولية باستخدام الفضاء السيبراني لاستهداف الأفراد بشكل مباشر. كان هناك اتفاق ضمني بين الدول يقضي بعدم استخدام الهجمات السيبرانية لإحداث أضرار بشرية أو استهداف الشبكات الحيوية، إلا أن هذه العملية كسرت هذا الاتفاق.
تأثيرات سابقة على البرنامج النووي الإيراني
سبق لإسرائيل والولايات المتحدة أن استخدمتا العمليات الهجينة في هجوم على البرنامج النووي الإيراني من خلال دودة ستكسنت (Stuxnet) قبل 15 عامًا. لكن الفارق هنا أن الضرر البشري المباشر الناتج عن العملية الأخيرة في لبنان يعتبر سابقة في هذا النوع من الهجمات.
التداعيات المستقبلية للحروب السيبرانية
من المتوقع أن يكون لهذه العملية تأثيرات كبيرة على العمليات العسكرية المقبلة. قد تسارع الدول في تبني هذه الأساليب في ساحات صراع أخرى. وهذا التطور في أدوات الحروب يتفوق على قدرة الأنظمة الأخلاقية والقانونية على مواكبته، مما يفرض ضرورة إعادة التفكير في مفهوم “الإحالة الأمنية”.
يعد هذا المفهوم محوريًا في الدراسات الأمنية، حيث يحدد ما يجب تأمينه لحماية الدولة والأفراد. ومع التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح من الضروري توسيع هذا المفهوم ليشمل التكنولوجيا نفسها، حتى لا تتحول من أداة تسهيل إلى سلاح موجه ضد البشرية.
العملية الإسرائيلية في لبنان تكشف عن مدى تعقيد وتشابك الحروب الحديثة. التحولات الرقمية لم تعد مقتصرة على تسهيل الحياة، بل أصبحت جزءًا من الصراعات، مما يفرض على المجتمع الدولي تطوير أدوات قانونية وأخلاقية تواكب هذا التطور السريع.
اقرأ كذلك: هل آن الأوان لرحيل اليهود من فلسطين؟