مدونات

الدستور السري للدولة التركية “الكتاب الأحمر”

الكتاب الأحمر: دوره في تأكيد الالتزام بالديمقراطية والشفافية في الحكم التركي وردوده على الاتهامات بتحول النظام إلى حكم فردي

وثيقة الأمن القومي في تركيا، المعروفة باسم “الكتاب الأحمر” أو “الدستور السري التركي”. هي وثيقة سرية تعمل على تعريف وتحديد التوجهات الأساسية للدولة التركية تجاه التهديدات الداخلية والخارجية. يعتبر هذا الكتاب الأحمر إطاراً أساسياً يحدد السياسات والإجراءات الأمنية التي يجب اتباعها لضمان الأمن القومي للبلاد.

تتضمن وثيقة الكتاب الأحمر تحليلات دقيقة للمخاطر والتحديات التي تواجه تركيا. سواء من الداخل من خلال التطرق إلى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أو من الخارج من خلال تقييم العلاقات الدولية والتهديدات الأمنية الإقليمية والعالمية.

تعتبر عملية تحديث الكتاب الأحمر أمراً ضرورياً ومستمراً. حيث يتم إجراء تعديلات وتحسينات دورية عليه كل خمس سنوات. تتم هذه التعديلات والتحسينات بناءً على التطورات الأمنية والسياسية الجديدة التي تواجه البلاد. ويتم مناقشتها واعتمادها في اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي.

يعكس الكتاب الأحمر تفاعل الدولة التركية مع التحديات الأمنية والسياسية المتغيرة. وتعزيز جاهزيتها لمواجهة التهديدات بفعالية وحكمة. تُعَدُّ هذه الوثيقة السرية من أبرز الأدوات التي تساعد تركيا على الحفاظ على أمنها واستقرارها الوطنيين. وتعزز دورها كلاعب رئيسي في المشهد الدولي.

الكتاب الأحمر: تاريخه ودوره في السياسة التركية

في تاريخ السياسة التركية، تُعدّ وثيقة الأمن القومي المعروفة بـ”الكتاب الأحمر” أو “الدستور السري” من العناصر الأساسية التي تشكل إستراتيجيات الدفاع للبلاد. تُعتبر هذه الوثيقة. التي تم إعدادها بعناية شديدة من مجلس الأمن القومي التركي، بحجم ينافس الدستور نفسه ومغلفة بغلاف أحمر. تحليلاً عميقًا للتهديدات التي تواجه تركيا، سواء داخليًا أو خارجيًا، مع التركيز على التدابير المكافحة للإرهاب.

تلعب وثيقة الكتاب الأحمر دورًا حيويًا في العملية التشريعية التركية. حيث تُعتبر أداة رادعة تمنع مرور القوانين أو المراسيم التي تتعارض مع المبادئ الوطنية الموجودة في الوثيقة. يشبه دورها “سيف ديموقليس” حيث تعلق فوق رؤوس صناع القرار وتحول دون إقرار مقترحات تخالفها.

فمثلاً، عندما يتعلق الأمر بمقترح لا يتوافق مع المادة كذا وكذا من الكتاب، يصبح من المستحيل تمريره. مما يُظهر نفوذها الكبير ودورها الرقابي في توجيه السياسات والتشريعات في تركيا. تجسد الكتاب الأحمر قوة الدولة التركية في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية وتعزز دورها كلاعب رئيسي في المنطقة والمشهد الدولي بشكل عام.

الكتاب الاحمر: تأسيسه وعملية تحديثه

تعود تاريخ “الكتاب الأحمر”، الذي يشكل حجر الزاوية في استراتيجيات الأمن القومي التركي. إلى اللحظات الأولى لتأسيس مجلس الأمن القومي عام 1961. وقد كان ألب أرسلان توركيش. مؤسس حزب الحركة القومية وممثل تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أول من ألقى الضوء على هذه الوثيقة البالغة الأهمية. حيث كشف عن وثيقة مرتبطة بغلاف جلدي أحمر كانت تُعرف بـ”مبادئ سياسة الأمن القومي”. وصرّح بأنها “للدولة كتاب أحمر”، مؤكدًا دورها المحوري في رسم معالم السياسة الأمنية لتركيا.

فيما يتعلق بطريقة إعداد الوثيقة، تبدأ التقييمات الأمنية التي تجريها الوزارات المعنية وتُرسل على شكل مسودات إلى الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي. تُدمج المسودات لتشكيل “النسخة النهائية” من الوثيقة التي تُعرض للنقاش في جلسات مجلس الأمن القومي. هذه الجلسات تُكلل بصياغة الوثيقة النهائية بعد مصادقة رئيس الجمهورية، ويتم تحديثها كل 5 سنوات، ما لم يحدث طارئ يستدعي تحديثاً مبكرًا.

خلال الثلاثين عامًا التي سبقت تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، شهد الكتاب 3 تحديثات. وتم تغييره 5 مرات خلال 22 عامًا من وصول الحزب للحكم. يُعتبر الكتاب الأحمر ركيزة أساسية في توجيه السياسات الأمنية لتركيا، مما يجعلها دولة تحمل كتابها الأحمر بفخر كدليل على قوتها واستقلاليتها في صياغة مصيرها الوطني والإقليمي.

الكتاب الأحمر ودوره السري في السياسة التركية

وثيقة سياسة الأمن القومي في تركيا تمثل عنصرا حاسما في البنية التشريعية. حيث تفرض مقتضياتها على البرلمان دون تحييد أو تعديل. تعتبر هذه الوثيقة السرية مانعة لمحاولات تمرير تشريعات تتعارض مع توجهاتها.

على الرغم من دورها البارز، تظل تفاصيل الوثيقة مجهولة حتى بالنسبة لأعضاء البرلمان بسبب تصنيفها كمعلومات “شديدة السرية”. هذه الديناميكية المعقدة تجعل صانعي القرار ملزمين بالالتزام بتوجيهات لا يملكون الحق في استعراضها أو نقاشها.

يتم تبادل الكتاب بشكل سري بين الرئيس المغادر والرئيس الجديد خلال انتقال السلطة. ويتولى جهاز الاستخبارات التركية مسؤولية نقله بأمان إلى المستشارين المختصين. هذه العملية تتم في إطار من السرية والحرص الأمني الشديد.

الكتاب الاحمر: تغيرات التهديدات والتوجهات السياسية

الكتاب الأحمر يحيطه السرية بشأن التهديدات الداخلية والخارجية. وتُصدر معلومات محدودة منها بعد اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي أو عبر التسريبات الإعلامية النادرة.

فيما يتعلق بالتهديدات الداخلية، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صياغة توجهات الكتاب الأحمر بخصوص الجماعات الإسلامية، مع تحويل الانتباه إلى الجماعات الإرهابية التي تسيء استخدام الدين لزعزعة استقرار البلاد.

على سبيل المثال، استبعدت جماعة فتح الله غولن، المعروفة بـ”تنظيم الدولة الموازية”. من عنصر التهديد الداخلي، إلا أنها عادت لتكون على رأس القائمة بعد محاولة الانقلاب عام 2015. فيما جاء تنظيم القاعدة وحزب الله بين أبرز التهديدات الخارجية.

هذه التغييرات تعكس التحولات السياسية والأمنية في تركيا. حيث يُحدّث الكتاب الأحمر توجهاته بناءً على الأحداث الجارية والتهديدات الجديدة للأمن القومي.

الكتاب الأحمر: التعديلات والتغييرات في التهديدات والتوجهات السياسية

تم استبعاد سوريا وإيران واليونان (جزئيا) وبلغاريا وأرمينيا وجورجيا من قائمة الدول المعتبرة تهديداً لتركيا في “الدستور السري” بعد التعديلات، حيث كانت تشكل تلك الدول تهديدًا رئيسيًا قبل التعديلات.

ووفقًا لوسائل إعلام تركية، تم التركيز بشكل أساسي في التعديل الذي جرى عام 2010 على دور إسرائيل في زعزعة استقرار المنطقة. وتسبب سياسة تل أبيب في تحفيز سباق التسلح في المنطقة. مما يُعتبر سببًا رئيسيًا لعدم الاستقرار.

بشكل عام، ما زالت قضايا الخلاف البحرية مع اليونان والنزاعات القومية والطائفية والقضية القبرصية مركزية في أجندة “الكتاب الأحمر”. حيث يُعتبر ذلك أمرًا حيويًا يجب التركيز عليه.

كما تعتبر تصرفات إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بردها على “معركة طوفان الأقصى” وعدوانها على قطاع غزة. من بين التهديدات الخارجية المحتملة لتركيا. وخصوصًا في ظل التوترات الحالية بين البلدين. ولا تزال الأحداث في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا تحت تركيز مستمر في سياق “الكتاب الأحمر”.

الكتاب الاحمر: مؤشر سياسي للالتزام بالإجراءات

أكدت الحكومة التركية استخدام الكتاب الأحمر كمرجع رسمي في الرد على الاتهامات الموجهة للرئيس أردوغان بتحول تركيا إلى نظام يقوده رجل واحد. أدلى نائب الرئيس جودت يلماز بتصريحات حول هذا الأمر. حيث أكد أن الكتاب الأحمر يشكل دليلاً قوياً على التزام الإدارة بالإجراءات المنصوص عليها في الكتاب. كما أوضح أن الحكومة تتخذ جميع التدابير اللازمة من خلال عمليات التشاور الضرورية. مما يعكس النية الحقيقية للحكومة في تحقيق الحكم المؤسسي وتعزيز الشفافية. بدلاً من التركيز الشخصي على القوة الفردية.

تعتبر هذه التصريحات مؤشراً سياسياً مهماً يبرز التزام الحكومة التركية بمبادئ الديمقراطية وحكم القانون. ومن خلال استخدام الكتاب الأحمر كمرجع. يتم تأكيد الالتزام بالإجراءات والتدابير اللازمة لضمان استقرار الحكم وتحقيق مبادئ الحكم الشفاف والديمقراطي في تركيا.

اقرأ كذلك: تفاصيل الاتفاقية بين أنقرة ومقديشو: التوقيت، الغرض، والنطاق وفقًا لتقرير صحيفة تركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات