لماذا لم تكن الابتسامات شائعة في الصور الفوتوغرافية في الماضي؟
تأثير الطبقات الاجتماعية وثقافة العبوس في التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن العشرين وتغيرها مع تطور أفلام الصور المتحركة
قبل عقود من انتشار ظاهرة التقاط الصور الذاتية “سيلفي”، كان التصوير الشخصي أمراً مكلفًا ومعقدًا للغاية. لكن أمرًا ملفتًا للانتباه في تلك الصور القديمة هو أنها تبدو غاية في الكآبة، حيث لم يكن أحد يبتسم فيها.
العبوس والنظرات الجدية الحادة كان لهما العديد من الأسباب، فالأمر لم يكن مجرد مزاج سيء للمتصورين. كانت هناك عوامل معقدة تفسر هذا التصرف، وقد تجاوز ذلك مجرد تقليد أو اعتقاد شائع.
الابتسامة الغائبة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي
انقلب العالم رأسًا على عقب تقريبًا بعد تسجيل أول صورة فوتوغرافية في عقد 1830. حيث أصبح بإمكان الناس الاحتفاظ بصورهم وتخليد ذكرياتهم دون الحاجة لاستئجار فنانين باهظي التكاليف لرسم لوحات شخصية.
ومع ذلك، لم يكن الابتسام مرتبطًا بالتصوير في تلك الفترة مثلما هو الحال اليوم. في أوائل تاريخ التصوير الفوتوغرافي. كان التقاط صورة واحدة يتطلب عدة دقائق بسبب الكاميرات التي اعتمدت على التفاعلات الكيميائية البطيئة.
بالتالي، إذا قام الشخص بأدنى حركة أثناء التصوير، فستظهر الصورة ضبابية وغير واضحة. وكان من الصعب أيضًا البقاء منتصبًا أمام الكاميرا والابتسام لفترة طويلة من الزمن. ولذلك كان الناس يظهرون بوجوه خاصة، وعادة ما يكونون جادين للغاية في الصور لضمان النجاح.
مع تقدم التكنولوجيا تدريجيًا، بحلول عام 1845، أصبح وقت التعرض لالتقاط الصورة، المعروف أيضًا بـ “إكسبوغر”. يستغرق أقل من دقيقة. لكن مفهوم الابتسامة في الصور استغرق وقتًا أطول. حيث انتشر وأصبح السائد بشكل كامل في عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين.
تطور فن التصوير الفوتوغرافي كامتداد لفن اللوحات الذاتية
يُعتبر تقليل الابتسامات في التصوير الفوتوغرافي القديم نتيجة للتأثير المباشر لتقليدات الفن الكلاسيكي العتيق. والذي كان يعتبر فنًا محترمًا وتقليديًا لتخليد الأشخاص. في هذا الفن، لم يعتبر الابتسامة ملائمة ومناسبة لتجسيد الشخصيات.
على الرغم من وجود لوحات فنية تصوّر بعض القديسين بابتسامات خفيفة على مر التاريخ. إلا أن الابتسامات الواسعة غالبًا ما كانت مرتبطة بمفاهيم مثل الجنون أو الفجور أو السكر أو أي حالة غير محتشمة أو غير مقبولة اجتماعيًا.
بشكل عام، تطور فن التصوير الفوتوغرافي كامتداد لفن اللوحات الذاتية. حيث أصبح الوقوف أمام الكاميرا بديلًا أرخص وأسرع لرسم صورة شخصية. هذا أتاح للأشخاص الذين لم يكون لديهم الفرصة أو الموارد المادية لرسم صورهم الشخصية باللوحات الفنية. فباتوا يعاملون التصوير الفوتوغرافي بنفس الجدية والاحترام التي كانوا يعاملون بهما اللوحات المرسومة.
صحة الأسنان وتأثيرها على الابتسامة في التصوير القديم
إضافة إلى الأسباب السابقة، هناك اعتبار آخر لعدم انتشار الابتسامة في الصور القديمة. وهو حالة أسنان الأشخاص في تلك الفترة. وفيما يتعلق بهذا الجانب، يشير أنجوس ترامبل. مدير معرض الصور الوطني في أستراليا ومؤلف كتاب “تاريخ موجز للابتسامة”. إلى أن “أسنان الناس كانت تعاني من مشاكل كبيرة قبل عقود من تطوير العادات الحديثة لتنظيف ورعاية وتبييض الأسنان التي نعرفها اليوم. وفي بعض الحالات، لم يكن لدى الأشخاص أسناناً سواءً، مما جعلهم يتجنبون فتح أفواههم في المواقف الاجتماعية المختلفة”.
هذا العامل كان له تأثير كبير على سلوك الناس في التصوير. حيث كانوا يتجنبون الابتسامة بسبب مشاكل صحة أسنانهم وعدم وجود الرعاية الطبية المتاحة حالياً.
التصوير الفوتوغرافي: بوابة للخلود في التقاليد القديمة
بالإضافة إلى ما تم ذكره سابقاً. كان التصوير الفوتوغرافي في الماضي يحمل معنى أعمق من مجرد توثيق اللحظات الجميلة أو التظاهر بمظهر جيد. حيث كان يُعتبر طريقًا إلى الخلود.
تجلى هذا التأثير بوضوح في تقليد التصوير الفوتوغرافي بعد الوفاة، الذي انتشر بشكل كبير في القرون السابقة. في هذا النوع من التصوير. كان يُلتقط صورة لشخص أو طفل أو حيوان أليف توفوا حديثاً بحيث يظهرون كما لو أنهم على قيد الحياة. وذلك كوسيلة لتكريمهم وتخليد ذكراهم.
بدأ هذا الفن منذ الأيام الأولى لتطوير التصوير الفوتوغرافي، ثم تلاشى تدريجيًا بحلول عام 1900. وكان هذا التغيير هو أحد العوامل التي أثرت بشكل كبير على الابتسامات النادرة في الصور التي تم التقاطها في تلك الفترة.
تأثير الطبقات الاجتماعية على التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن العشرين
في النهاية، يُفترض بعض المؤرخين أن السبب وراء قلة الابتسامات في صور التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن العشرين يعود إلى اعتقاد كثيرين بأن الابتسامة كانت شيئًا محترمًا للأغبياء. كان لهذا الاعتقاد تأثير كبير على أوساط العائلة الملكية البريطانية والطبقات النبيلة. حيث كانوا يعتقدون أن الابتسامة تُعَدُّ علامة على البلاهة.
وبما أن التصوير الفوتوغرافي كان يعتبر رفاهية تمتع بها الأثرياء بشكل حصري. فقد أثرت هذه الثقافة على سلوك الأشخاص عند التصوير، حيث كانوا يفضلون التعبير عن جدية وعبوسية.
مع ذلك، كانت هناك بعض الاستثناءات لهذا الوصم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. حيث تم التقاط بعض الصور التي تجمع بين الفخر والابتسامة.
لكن هذا الاعتقاد تغير مع مرور الزمن، خاصة مع تطور أفلام الصور المتحركة بين عامي 1890 و1927. حيث تم عرض آلاف الأفلام الصامتة التي أظهرت التعبيرات الإنسانية بشكل واضح لأول مرة بدون صوت. هذا الاصطفاف مع التطورات الثقافية ساعد في تغيير منظور المجتمع نحو التعبير عن المشاعر في الصور. وأدى إلى تطوير التصوير الفوتوغرافي لاحقًا للسماح بالابتسامات والتعبير عن السعادة بشكل أكبر.
اقرأ كذلك: هل الحيوانات السامة تسيطر على قارة أستراليا كما يشاع؟