أسلوب حياة

كيف يتعامل الإنسان مع صدمة فقدان متكررة .. تراكم الأحزان

بين معنى الحياة وصمود الشعب: قوة الصلابة النفسية في وجه التحديات في فلسطين

آلام الفقد ليست سهلة أبدًا، وعندما يتعرض الإنسان لهذه الآلام مرارًا وتكرارًا، تصبح الأمور أكثر صعوبة وتعقيدًا. ولكن، ماذا يمكننا أن نفعل؟ هذا هو الخيار الذي يجب أن نقبله، قدرنا يحمل لنا تحدياته ويجب علينا أن نواجهها بكل شجاعة وصبر. نتوسل إلى الله دائمًا أن يمنحنا الصبر والقوة لمواجهة تلك التحديات والاستمرار في الحياة.

وفي هذا السياق، قدم الصحفي وائل الدحدوح. مراسل قناة الجزيرة القطرية في قطاع غزة، رسالة مؤثرة عندما ودّع نجله الأكبر حمزة. الذي استشهد قبل يومين جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف سيارته. كانت كلماته تعبيرًا عن قوته وصموده في مواجهة هذا الفقد الكبير والمتكرر. إن رؤية شخص يواجه تلك الخسائر الكبيرة بكل هذا الصمود تأثر بشدة بضمائرنا وجعلتنا نفكر في قوة الإنسان النفسية.

يُعرف مصطلح “الحزن المتراكم” عند علماء النفس باعتباره التحديات النفسية التي تنشأ نتيجة الخسائر المتتالية وآلام الفقد المتكررة، وفي العالم المثالي. يمكن للفرد أن يأخذ استراحة بين هذه الأحزان المتكررة ويجد فرصة للشفاء من صدمة الفقد. هذا لا يعني أن الحزن سيختفي تمامًا. ولكنه سيتحول من مرحلة حادة إلى مرحلة تسمح للشخص بالعيش والتحرك في الحياة مع تقبل التغييرات والتأثيرات التي ترتبط بهذا الفقد.

عبء الحزن المتراكم: عندما يصبح الحزن رفاهية

في عالم مليء بالتحديات والكوارث المتتالية. يظهر “الحزن المتراكم” كمفهوم يصف التجربة الصعبة للمرور بصدمات الفقد المتتالية دون فترة كافية للتعافي بينها. في هذا العالم، لا تكون لديك رفاهية الوقت لمعالجة الحزن والتآلف معه. بل تجد نفسك مواجهًا لخسائر متواصلة دون إعطائك فرصة للتعبير عن مشاعرك أو التأقلم مع الواقع. يصبح التعامل مع الحزن الناتج عن كل فقدان صعبًا للغاية.

أجرت الأستاذة دوروثي إل ميرسر دراسة حول تأثير الخسائر المتعددة على شعور الحزن. أظهرت الدراسة أن هذه الخسائر المتتالية تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية والنفسية والجسدية للأفراد. إنها تؤثر أيضًا على علاقاتهم، وأنماط حياتهم، وشخصياتهم. وتعلقهم بالأمور المادية في الحياة. وكما يشير كتاب “ما هو حزنك: قوائم لمساعدتك خلال أي خسارة” للمؤلفة ليتسا ويليامز. فإن مواجهة الخسائر المتعددة تكون أصعب بكثير من التعامل مع الفقدان الأول. إنها تجعلك تشعر وكأنك تحارب بنصف طاقتك ونصف قوتك ونصف مشاعرك، مما يجعل التحدي أكبر وأصعب بكثير.

الحزن المتراكم وأعباء لا تنتهي: مأساة غزة

ما يجري في قطاع غزة هو مأساة لا يمكن تجاهلها، حيث أصبح الشعب بأكمله فريسة للحزن المتراكم. توالت عليه الصدمات بشكل لا يُطاق، وأصبح بلا قوة للتصدي لهذه الأوضاع المأساوية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الدعم النفسي أصبح أمرًا يُعد رفاهية بينما يحاصرهم كل هذا البؤس والمصائب.

تحدث الدكتور علي عبد الراضي، مدرس الإسعافات الأولية النفسية في جامعة الأزهر. عن تأثير الفقدان المتكرر في حياة الشعب الفلسطيني كنموذج تجريبي فريد لتجارب الحزن المتراكم والمعاناة المتواصلة. تجلى تأثير هذه الصدمات والمآسي المتكررة بوضوح. حيث أصبح هناك نقص في القدرة على التصدي لهذه الأحداث المأساوية.

تصرفات الفرد في مواجهة الصدمات المتكررة: الإنكار والصلابة النفسية

هناك طريقتين مختلفتين يمكن للأفراد اتخاذهما عند مواجهة الصدمات المتكررة، وهما الإنكار والصلابة النفسية.

الإنكار هو السلوك الذي يتمثل في تجاهل الصدمات والاستمرار في معيشة الحياة كما لو أنها لم تحدث أي تغييرات ملحوظة. في هذه الحالة، يظهر الفرد وكأنه قد تجاوز الأزمة دون أن يكون لديه تصور واضح عن كيفية التعامل معها على الصعيدين العاطفي والنفسي.

أما الصلابة النفسية، فهي تصرف يظهر عند الأفراد القادرين على مواجهة الخسائر المتتالية بشكل أكثر تماسكًا. في هذه الحالة، يكون الشخص قادرًا على تحرير مشاعر الحزن والصدمة والتفكير في كيفية التأقلم معها بشكل مناسب. يستطيع الفرد أن يميز بين حياته اليومية وبين مشاعره الصادقة. وهو يكون قادرًا على المضي قدمًا في حياته برغم الصعوبات التي تواجهه. هذا التصرف يتطلب قوة نفسية وإدراكًا عميقًا لمعالجة التحديات والضغوط المستمرة.

استعادة المعنى: مفتاح مواجهة الصعوبات النفسية

عندما نواجه الصعوبات والأزمات في حياتنا، يصبح لدينا القدرة على التعامل مع الحزن واكتساب الصلابة النفسية عندما نجد “معنى الحياة”. هذا ما أكده الدكتور عبد الراضي في مقابلته مع شبكة دينيز الإعلامية.

يشير أستاذ الإسعافات الأولية النفسية إلى أنه من المثير للدهشة أن المدرسة التي أسسها فيكتور فرانكل. الشاب الذي فقد أسرته بأكملها خلال المحرقة النازية، تجد أهميتها وتأثيرها في مواجهة الشعب الفلسطيني للأزمة الحالية. فرانكل، الذي كان طبيبًا نفسيًا. قام بتطوير مفهوم العلاج بالمعنى من خلال البحث عن معنى وهدف في الحياة. وقد أسس مدرسة جديدة في علم النفس لا تقل أهمية عن نظريات فرويد في التحليل النفسي.

وقد أظهر فرانكل للعالم أن البحث عن معنى وهدف للحياة هو القوة التحفيزية الأساسية للإنسان. وهذا يمكن أن يساعد الشخص على التحدي والنجاة حتى في أصعب الظروف وأعظم التحديات.

معنى الحياة والصلابة النفسية: قوة الشعب الفلسطيني

عبد الراضي يؤكد أن معنى الحياة يظهر بشكل واضح في كل تجربة مأساوية يمر بها الشعب الفلسطيني. يجدون أنفسهم بين هدفين إيجابيين، إما التحرير واستعادة حقوقهم في وطن محرر. أو التضحية بأنفسهم من أجل الله والشهادة في سبيله. هذين الهدفين لهما معاني عميقة تجعل الصعاب والمصاعب التي يواجهونها تبدو تافهة بجوارهم. لذلك، الخوف الإسرائيلي الأكبر هو من الصلابة النفسية التي يتمتع بها الفلسطينيون، وليس فقط من التجهيزات العسكرية. هم يحاولون بشكل دائم زعزعة الإرادة والصمود لدى الشعب الفلسطيني، آملين في أن ينهار ويفقد إرادته في مواجهة الحياة، ولكن دون جدوى.

الدكتور عبد الراضي يقول: “قوة الشعب وصلابتهم النفسية هي ملحوظة حالياً، ولكن يمكن أن تختلف هذه القوة عندما تهدأ الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها”. يشير إلى أهمية توفير العلاج النفسي للمتضررين في هذه المرحلة، وكيف يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لمساعدة الشعب الفلسطيني في التغلب على حزنهم المتراكم. يُظهر الوضع الحالي تشتتًا كبيرًا للأفراد، ولذا يجب توفير الدعم النفسي بجانب الدعم الطبي الضروري. هذا يمكن أن يكون لطواقم الإسعافات الأولية النفسية دوراً هاماً في مرافقة الفرق الطبية الأخرى لإنقاذ حياة الآلاف من الأطفال الذين تعرضوا لصدمات الفقدان، سواء كان ذلك فقدان أسرهم أو أطرافهم أو حتى فقدان حياتهم الطفولية الهادئة والبريئة التي كانوا يعيشونها في السابق.

اقرأ كذلك: كيف يمكن التعرف على الأشخاص الحساسين وكيفية التفاعل معهم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات