هل بات هناك مجالٌ لتحقيق الأحلام في سوريا؟
من حلم التحرير إلى واقع الأمل: رحلة السوريين من الخيبات إلى الفرص في ظل سقوط النظام واستعادة الأمل بمستقبل أفضل

سوريا: هل أصبح هناك متسعٌ للحلم؟ سقط النظام الأسدي في سوريا بعد أن سيطر على السلطة لأكثر من نصف قرن. لكن هذا السقوط لم يكن أمرًا سهلًا. لقد كان نتيجة صراع طويل. دفع ثمنه الشعب السوري بكامل قواه، بل حتى الحجر في سوريا لم يُستثنَ من دفع فاتورة أخرى، لكنها كانت فاتورة من نوع آخر. كانت الخسائر هائلة. ليس فقط في الأرواح والدماء. ولكن أيضًا في الطموحات والأحلام التي دُمرت خلال سنوات الصراع الطويلة. فهل أصبح هناك الآن مجالٌ للحلم في سوريا بعد هذا التغيير الكبير؟
تعددت أحلام السوريين في هذا اليوم الكبير. يوم سقوط النظام. وكل شخص كان يحمل حلمًا مختلفًا. وفقًا لاحتياجاته وآماله. ففي الوقت الذي كانت فيه الأم السورية تنتظر بفارغ الصبر أن ترى ابنها المعتقل يخرج من السجون المظلمة. كان الأب السوري يحلم بعودة ابنه المغترب الذي هرب من الخدمة العسكرية لسنوات طويلة. وكان الشاب السوري يطمح ببداية حياة جديدة في وطنه، بعيدًا عن معاناة اللجوء والشتات.
يوم التحرير
كان صباح يوم الأحد، 8 ديسمبر 2024. يومًا لا يُنسى. إذ انطلقت الأفراح في كل مكان. وعَلت الزغاريد في الأرجاء. دوت التكبيرات في المساجد وكأنها أول أيام العيد. امتلأت الشوارع والساحات بالمواطنين السوريين فرحًا بالنصر الذي طال انتظاره. بالرغم من أن صوت الرصاص لم يغب عن المشهد. إلا أن هذا الرصاص كان يحمل معاني مختلفة تمامًا عن ذلك الذي كان يطلق طوال سنوات الثورة. نعم. كان رصاص النصر.
إن الأحلام التي راودت السوريين في هذا اليوم كانت متنوعة. لكل شخص حلمه الخاص، وفقًا للمعاناة التي عاشها طوال السنوات السابقة. بالنسبة للأم السورية، كان أكبر حلم أن ترى ابنها المعتقل يخرج من السجون التي لطالما كانت مليئة بالعذاب والآلام. أما الأب السوري، فلم يكن هناك فرحة أكبر من عودة ابنه المغترب إلى الوطن بعد سنوات طويلة من الغربة، هربًا من الخدمة العسكرية. وكان حلم الأسرة السورية أن تسمع الخبر العاجل على التلفزيون السوري الرسمي، ليعلن سقوط النظام، ذلك النظام الذي أحكم قبضته على البلاد لأكثر من نصف قرن.
كلية الإعلام في سوريا
عن نفسي، ربما كان حلمي في تلك اللحظة أقل وضوحًا من أحلام الآخرين. ربما لأن أحلام البعض كانت أكبر وأكثر إلحاحًا، كنت أشعر أن حلمي كان صغيرًا مقارنة بما كان يطمح له الآخرون. لكن رغم ذلك، كنت أحمل حلمًا خاصًا بي، حلمًا كان مرتبطًا بشيء مهم في حياتي: دراستي في كلية الإعلام. أنا مواطنة سورية لم أغادر بلادي أبدًا، وأبعد مكان زرته خارج دمشق كان مدينة حمص في عام 2010. وفي السنة التي اندلعت فيها الثورة السورية، 2011، كانت سنة مفصلية بالنسبة لي.
كانت تلك السنة هي سنة (البكالوريا)، وهي السنة التي تُحدد المسار المهني للطلاب في سوريا. كان التخصص في كلية الإعلام من أعلى التخصصات من حيث الدرجات المطلوبة للالتحاق بها. كان التقديم إلى كلية الإعلام يستوجب أن يكون مجموع الطالب على الأقل في أعلى المستويات، بمعدل لا يقل عن ثلاث درجات من الحد المطلوب. لذا، عملت بجد واجتهاد لتحقيق حلمي في دخول الكلية التي أحب، وكنت أطمح لتحقيق حلم طفولتي.
لقد اجتهدت كثيرًا، وفي النهاية تم قبولي في كلية الإعلام في دمشق. كان شعورًا يصعب وصفه. بدا لي وكأنه نصر في معركة صعبة لفتاة لم تتجاوز بعد سن الـ18 عامًا. رغم أن الكلية كانت مميزة في شكلها الخارجي، إلا أن الوضع داخلها لم يكن كما كنت أتوقع. كانت الكلية مشهورة بكونها واحدة من الكليات التي تولي اهتمامًا خاصًا للبناء، ولكن من الداخل كانت الأمور مختلفة تمامًا.
الخيبة الأولى
كانت أول خيبة أمل لي في الفصل الثاني من العام الدراسي الأول. فقد تم الاستيلاء من قبل الحكومة السورية على أحد المباني المجاورة لكلية الإعلام، وكان هذا المبنى مخصصًا للتدريبات العملية للطلاب. كان يحتوي على أستوديوهات وتجهيزات فنية كانت مخصصة لتدريبنا على العمل الإعلامي العملي. لكن لم أدخله سوى مرتين في الفصل الدراسي الأول، قبل أن تقرر الحكومة السورية تحويله إلى مبنى لبث قناة (الإخبارية السورية).
لم نصدق نحن الطلاب في كلية الإعلام، نحن الذين كنا ندرس تخصصًا عمليًا، أننا لن نتمكن من الحصول على أي تدريب عملي. فقد أصبحت الدراسة مقتصرة على المحاضرات النظرية فقط. لم يكن هناك أمل في أن نتمكن من التدريب العملي في أي وقت قريب. أصبحت الدروس فقط عبارة عن حفظ للمعلومات ثم الذهاب للامتحانات الكتابية.
لكن رغم هذه الصعوبات، لم تنطفئ رغبتي في إتمام دراستي في هذا التخصص. كنت أؤمن أنها مجرد صعوبات ستزول في النهاية.
رحلة البحث عن العمل
بعد سنوات من القتال العنيف في سوريا، تمكنت أخيرًا من التخرج في عام 2016. ومن هنا بدأت رحلة البحث عن العمل. لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لي، كما لم يكن سهلًا لكافة الخريجين في سوريا في ظل الوضع الصعب الذي كان يعيشه البلد بسبب الحرب. لكن بالنسبة لخريجي كلية الإعلام، كانت الأمور أكثر تعقيدًا.
فرص العمل في الإعلام الرسمي كانت محدودة للغاية. كانت محصورة بفئة معينة من الناس. لم يكن الأمر يعتمد على الخبرة أو الكفاءة، بل كان يعتمد بشكل رئيسي على الواسطة والعلاقات الشخصية. لم أكن أمتلك أي علاقات في السلطة، لذا قررت أن أبحث عن عمل في الإعلام الخاص.
عملت في البداية محررة صحفية لدى عدة مواقع إلكترونية سورية. هذه المواقع كانت تعمل على تغطية الأخبار والفعاليات. وكان هذا مقبولًا بالنسبة لي،ئ خاصة كخريجة جديدة. لكن مع مرور الوقت. اكتشفت أن الاستغلال كان موجودًا أيضًا في هذا القطاع. كان أصحاب المواقع الإلكترونية يستغلون الخريجين الجدد. ويقدمون لهم رواتب زهيدة. وكانت الفرص ضئيلة جدًا في هذا المجال.
بعد عدة محاولات فاشلة. قررت أن أبحث عن مجال آخر للعمل فيه بعيدًا عن الإعلام. عملت في شركات سورية تعمل في مجالات مختلفة. واستمررت في العمل بهذه الطريقة حتى جاء يوم سقوط النظام. مع سقوط النظام. عاد الأمل في التغيير والفرص الجديدة.
بعد التحرير
عندما سقط النظام، بدأت أحلم مجددًا. هل سيكون بإمكاني الآن العمل في المجال الذي درست؟ هل ستتخلص سوريا من المحسوبيات التي لطالما حرمت السوريين من فرصهم وأحلامهم؟ هل سنرى في سوريا انفتاحًا إعلاميًا يسمح بظهور طاقات الشباب السوري؟ وهل ستتعاون الشبكات الإعلامية العربية الكبرى مع الإعلام السوري لتأسيس استوديوهات تبث من الداخل السوري؟
كانت هذه الأسئلة تدور في رأسي منذ لحظة سقوط النظام. وربما كانت هذه المرة الأولى التي أتجرأ فيها على إرسال مدونتي إلى شبكة الجزيرة، الشبكة التي كان يُمنع علينا حتى تصفحها. لأنها كانت تنقل الرأي الآخر وتعرض المشهد من زاوية مغايرة لما كان يفرضه النظام.
ربما لم أكن مستعدة تمامًا للنشر، فأنا ما زلت أتعلم وأحاول تحسين مهاراتي. لدي أخطاء كما لدى الكثير من الآخرين. لكن بمجرد قبول مدونتي ونشرها في شبكة الجزيرة، ستكون هذه الخطوة بداية حقيقية في مسيرتي الإعلامية. سأرفق سيرتي الذاتية بكل فخر، وأعتبر هذا التحدي تتويجًا لسنوات من العجز والتحجر، تحولت فيها أحلامي إلى ذكريات يصعب نسيانها.
مع سقوط النظام، وعودة الأمل، يبدو أن هناك مساحات جديدة يمكن أن نحقق فيها أحلامنا. في المستقبل القريب. قد تتحقق تلك الأحلام التي لطالما انتظرناها طويلًا. سواء كانت أحلامًا شخصية أو جماعية، نحن بحاجة إلى استغلال هذه الفرصة لبناء سوريا جديدة. سوريا تستحق أن نعيش فيها بأمل وطموح.
اقرأ كذلك :من يدير حماس وكتائب القسام بعد اغتيال كبار القادة؟