مدونات

هل تنجح السلطة الجديدة في توحيد الفصائل بجيش واحد في سوريا؟

خطط السلطة الجديدة في سوريا لتوحيد الفصائل المسلحة وتحديات دمجها في جيش وطني موحد وسط مخاوف إقليمية ودولية

مع انتهاء العمليات العسكرية واسعة النطاق التي أطلقتها إدارة العمليات المشتركة تحت اسم “ردع العدوان”، تعيش سوريا مرحلة حساسة من التحولات التنظيمية والسياسية. يأتي هذا التحول بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، مما فرض الحاجة إلى ملء الفراغ الأمني والتنظيمي. في هذا السياق، أُعلن عن تشكيل حكومة “تصريف الأعمال” بقيادة محمد البشير. الذي كان يشغل منصب رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب، المنبثقة عن “هيئة تحرير الشام”. الفاعل المركزي في العمليات العسكرية الأخيرة.

أولويات حكومة تصريف الأعمال

بحسب مصادر مطلعة من داخل حكومة تصريف الأعمال، أكدت لموقع دينيز الإعلامية أن الأولوية الرئيسية للحكومة الجديدة تتمثل في ضبط الأمن الداخلي والعمل على دمج الفصائل العسكرية المختلفة تحت مظلة واحدة. يأتي هذا التوجه في إطار السعي لتشكيل جيش وطني موحد قادر على ضمان الاستقرار وفرض سيادة الدولة.

اجتماع القيادة العسكرية في دمشق

عقد أحمد الشرع، القائد العام للإدارة الجديدة وهيئة تحرير الشام. اجتماعًا مهمًا مع قادة الفصائل العسكرية السورية في العاصمة دمشق يوم السبت، الموافق 21 ديسمبر/كانون الأول. تناول الاجتماع تصورًا عامًا للمؤسسة العسكرية الجديدة التي ستُدار من قبل وزارة الدفاع ضمن الجيش الوطني المزمع تشكيله. وأكد الشرع خلال الاجتماع على ضرورة التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف لتحقيق هذه الغاية.

قبل الاجتماع بيوم واحد، أعلنت حكومة تصريف الأعمال تعيين مرهف أبو قصرة وزيرًا للدفاع. يُذكر أن أبو قصرة كان يشغل منصب قائد الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام لعدة سنوات. مما يمنحه خبرة كبيرة في التعامل مع الفصائل العسكرية المختلفة.

حضور متباين للفصائل

شهد اجتماع دمشق مشاركة واسعة من قادة الفصائل العسكرية في مختلف أنحاء سوريا. حضر الاجتماع قادة يمثلون شمال سوريا، مثل حركة أحرار الشام والجبهة الشامية وصقور الشام. بالإضافة إلى مجموعات عسكرية من جنوب سوريا ووسطها، بما في ذلك محافظة درعا.

رغم هذا، برز غياب أحمد العودة، قائد اللواء الثامن، عن الاجتماع على الرغم من وجوده في دمشق. وفقًا لمصادر مقربة، رفض العودة المشاركة بسبب ما وصفه بالإجراءات المعقدة وطول المدة التي استغرقت قبل السماح للقادة بالدخول إلى الاجتماع.

مخاوف من الهيمنة

ذكرت مصادر مطلعة أن العديد من الفصائل، خاصة تلك المنحدرة من محافظة درعا، أبدت تخوفها من نوايا هيئة تحرير الشام. هناك شعور عام بين هذه الفصائل بأن الهيئة تسعى لفرض هيمنتها و”ابتلاع” باقي المجموعات المسلحة ضمن هيكلها التنظيمي.

تعيينات لتعزيز التحالفات

في خطوة تهدف إلى طمأنة الحلفاء وتعزيز الثقة، قامت هيئة تحرير الشام بعدد من التعيينات الاستراتيجية في المناطق المختلفة.

  • حلب: تم تعيين عزام الغريب، قائد الجبهة الشامية، محافظًا لحلب. وهي العاصمة الاقتصادية لسوريا وتحتل مكانة استراتيجية توازي أهمية العاصمة الإدارية دمشق.
  • إدلب: تولّى أحمد عيسى الشيخ، قائد فصيل صقور الشام، منصب محافظ إدلب.
  • ريف دمشق: عُيّن عامر الشيخ، قائد أحرار الشام، محافظًا لريف دمشق.
  • اللاذقية: تم تكليف حسن صوفان، المعروف بدوره في تقريب الفصائل من هيئة تحرير الشام. بمنصب نائب محافظ اللاذقية، وهي مدينة ساحلية تضم ميناءً حيويًا.
  • حكومة الإنقاذ: عينت الهيئة محمد عثمان، المحسوب على حكومة الإنقاذ، محافظًا للاذقية.

أهداف التعيينات

تهدف هذه التعيينات إلى تعزيز التعاون مع الحلفاء التقليديين وإقناعهم بدعم مشروع دمج الفصائل ضمن وزارة الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، تحمل التعيينات طابعًا أمنيًا، حيث تتعامل المناطق المعنية مع تحديات أمنية ملحّة.

على سبيل المثال، في مدينة حلب، لا تزال بعض الأحياء تحت سيطرة مجموعات تتبع قوات سوريا الديمقراطية وعناصر ميليشيات موالية للنظام السابق. يُنتظر من المحافظ الجديد “الغريب” العمل على استعادة الأمن في هذه المناطق بمساعدة الفصيل العسكري الذي يقوده. أما في اللاذقية، يواجه حسن صوفان تحديات كبيرة تتمثل في وجود آلاف العناصر من الأمن والجيش السابقين. بالإضافة إلى القاعدة الروسية في حميميم.

مواقف متباينة من الفصائل

الشرع التقى قادة الفصائل المسلحة في دمشق وناقش معهم شكل المؤسسة العسكرية الجديدة (إدارة العمليات العسكرية)

تحدث موقع دينيز الاعلامية مع قياديين من الفصائل المعارضة المنتشرة في درعا وريف دمشق. اشترط القياديان عدم الكشف عن هويتهما، وأعربا عن رفض معظم الفصائل في الجنوب للتوجهات الجديدة. وأشارا إلى أن هيئة تحرير الشام تعمل بعقلية التنظيم، مما يجعلها غير مؤهلة لقيادة المرحلة الحالية التي تتطلب نهجًا أكثر توافقية.

عقبات إقليمية ودولية

فسّرت مصادر قريبة من هيئة تحرير الشام مواقف بعض الفصائل الجنوبية على أنها انعكاس لمصالح بعض الأطراف الإقليمية. يبدو أن هذه الأطراف غير راضية عن التطورات الأخيرة في سوريا وتسعى لعرقلة أي خطوات لا تتماشى مع رؤيتها الإقليمية والدولية.

رغم ذلك، تتوقع المصادر أن يشهد هذا الملف تقدمًا إيجابيًا. تسعى هيئة تحرير الشام لطمأنة المجتمع الدولي ودول الإقليم من خلال اللقاءات المستمرة التي يعقدها الشرع مع الوفود الدولية. ورغم الحذر الذي يبديه بعض الأطراف، تشير التقارير إلى وجود ارتياح نسبي تجاه الجهود المبذولة.

تحديات المرحلة المقبلة

تمثل عملية دمج الفصائل وتشكيل جيش موحد تحديًا كبيرًا للسلطة الجديدة في سوريا. هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها، مثل:

  1. اختلاف الأيديولوجيات: تتباين الفصائل في رؤاها وأهدافها، مما يجعل عملية الدمج صعبة.
  2. الولاءات الخارجية: تعتمد بعض الفصائل على دعم أطراف إقليمية قد لا ترغب في توحيد الجبهة الداخلية السورية.
  3. التحديات الأمنية: لا تزال بعض المناطق تشهد نشاطًا لعناصر مسلحة من النظام السابق أو القوات الكردية.
  4. الثقة بين الفصائل: هناك حاجة لبناء جسور الثقة بين هيئة تحرير الشام وباقي المجموعات العسكرية.

الآفاق المستقبلية

رغم الصعوبات، فإن نجاح مشروع دمج الفصائل قد يكون خطوة حاسمة نحو استقرار سوريا. إذا تمكنت السلطة الجديدة من تحقيق هذا الهدف، فإن ذلك سيساهم في بناء جيش وطني قادر على حفظ الأمن وإعادة الإعمار. ومع استمرار اللقاءات والمفاوضات، تبقى الأنظار متجهة نحو الخطوات القادمة التي ستحدد مستقبل البلاد.

اقرأ كذلك: بشار الأسد: نهاية الدكتاتور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات