إسرائيل وسوريا: هل تقود تل أبيب دمشق نحو التفكك أم الخضوع؟
طموحات إسرائيل الخفية في سوريا.. الهيمنة بالقوة أم تفكيك الدولة؟
تشهد الساحة السورية تحولات عميقة تعكس طموحات إسرائيل في إعادة تشكيل المنطقة. فبعد انهيار النظام السوري، كثفت تل أبيب عملياتها العسكرية تحت غطاء أمني، لكنها في الواقع تتبع استراتيجية استعمارية تهدف إلى فرض نفوذها، مستخدمة أدوات السيطرة التقليدية لإضعاف الدولة السورية. فهل تسعى إسرائيل إلى دفع سوريا نحو حرب أهلية طويلة، أم إلى إخضاعها بالقوة لخلق واقع سياسي جديد؟
إستراتيجية إسرائيل في سوريا.. أهداف معلنة ونوايا خفية
في خطابه أمام الكنيست في 3 مارس/آذار 2025، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده تواجه تهديدات على سبع جبهات. وشدد على أن “النصر الكامل” يشمل استعادة جميع الأسرى، وتدمير قدرات حماس، وضمان عدم تحول غزة إلى تهديد مستقبلي.
لكن ما يجري في سوريا يتجاوز هذه التصريحات. إذ تنفذ إسرائيل عمليات عسكرية مكثفة هناك، معلنةً نيتها إقامة منطقة نفوذ تمتد ستين كيلومترًا داخل الأراضي السورية، بحجة منع وصول الأسلحة الثقيلة إلى الفصائل المسلحة مثل هيئة تحرير الشام وحزب الله. غير أن هذا التحرك يحمل أبعادًا استراتيجية أعمق، إذ يعتمد على أساليب استعمارية تهدف إلى تفكيك سوريا وإعادة تشكيلها بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
تكتيكات الاستعمار.. كيف تستخدم إسرائيل الفوضى لصالحها؟
تعتمد إسرائيل على عدة أدوات تاريخية في تحقيق أهدافها داخل سوريا، أبرزها:
1. تعزيز الانقسامات الطائفية والقبلية
تلجأ إسرائيل إلى تفتيت المجتمع السوري عبر إذكاء النزاعات الداخلية، مستلهمةً تجربة الاستعمار البريطاني في الهند، حيث تم استغلال التباينات الدينية لإدامة الانقسام. فمن خلال دعم بعض الفصائل وإضعاف أخرى، تسعى إسرائيل لضمان استمرار الصراع الداخلي، مما يحدّ من قدرة سوريا على التعافي كدولة موحدة.
2. السيطرة على الموارد الطبيعية
تعمل إسرائيل على قطع الموارد الأساسية عن السكان، عبر إحكام قبضتها على الأراضي الزراعية والمياه والمناطق الإستراتيجية. هذه الإستراتيجية سبق أن استخدمتها فرنسا في شمال أفريقيا، حين سعت إلى إضعاف الاقتصادات المحلية، ما جعل المجتمعات المستعمَرة تعتمد على المستعمر للبقاء.
3. تشويه صورة سوريا دوليًا
تروج إسرائيل لفكرة أن سوريا دولة فاشلة غير قادرة على إدارة نفسها، مبررةً تدخلها باعتبارها “القوة المتحضرة” التي تعمل على إعادة الاستقرار. هذا الخطاب يتماهى مع الذرائع التي استخدمتها القوى الاستعمارية الأوروبية في الشرق الأوسط وأفريقيا خلال القرن التاسع عشر لتبرير احتلالها.
4. توظيف القوة العسكرية
تعتمد إسرائيل على نشر قواعد عسكرية ونقاط تفتيش، وشن غارات جوية متكررة، بهدف فرض واقع جديد بالقوة. كما تحاول خلق عملاء محليين عبر تقديم امتيازات لبعض الفئات، تمامًا كما فعلت بريطانيا مع النخب المحلية في مستعمراتها.
إسرائيل وتركيا.. مواجهة غير مباشرة عبر الساحة السورية
لا تقتصر حسابات إسرائيل في سوريا على ردع حزب الله أو إيران، بل تشمل مواجهة النفوذ التركي المتزايد. فأنقرة تدعم النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع، وتسعى إلى ترسيخ وجودها عبر دعم فصائل موالية لها في الشمال السوري. هذا النفوذ يُنظر إليه في تل أبيب على أنه تهديد وجودي قد يفوق خطر إيران.
مصيران محتملان.. أي مستقبل ينتظر سوريا؟
تعمل إسرائيل على فرض أحد سيناريوهين رئيسيين في سوريا، بما يتناسب مع مصالحها الإستراتيجية:
1. حرب أهلية طويلة الأمد
تعزز إسرائيل التناقضات الداخلية عبر ضربات انتقائية تستهدف جميع الأطراف، لضمان استمرار الصراع واستنزاف موارد الدولة السورية. سيناريو الحرب الأهلية يذكّر بما جرى في لبنان بين عامي 1975 و1990، حيث أدى النزاع الداخلي إلى تفكيك الدولة وإضعافها لعقود.
2. ترويض سوريا بالقوة العسكرية
الخيار الآخر هو تكثيف الهجمات الجوية والبرية، وتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية، بحيث تصبح سوريا دولة مشلولة غير قادرة على المقاومة. هذا النموذج يشبه السياسة الفرنسية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر، حيث تم استخدام القوة الغاشمة لإخضاع السكان.
هل تحقق إسرائيل أهدافها أم تزرع بذور صراع جديد؟
تصريحات نتنياهو الأخيرة تكشف عن إصراره على تنفيذ مخططه، رغم الانتقادات الداخلية والخارجية. لكن هذه الإستراتيجية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إن:
- إشعال حرب أهلية في سوريا قد يمتد إلى لبنان والأردن، مما يخلق أزمة إقليمية أوسع.
- المحاولة المستمرة لترويض سوريا بالقوة قد تؤدي إلى مقاومة شعبية، كما حدث في الجزائر وفلسطين سابقًا.
- المواجهة المحتملة مع تركيا قد تتحول إلى صراع مباشر، مما يعقد الوضع الإقليمي.
هل تلعب إسرائيل بالنار؟
تتجاوز الطموحات الإسرائيلية في سوريا مجرد حماية أمنها، إذ تسعى لفرض واقع جديد يعيد تشكيل المنطقة. لكن هذه الإستراتيجية، التي تجمع بين تفكيك الدولة السورية وإخضاعها بالقوة، قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة لا تقتصر على دمشق وحدها، بل تمتد لتؤثر على مستقبل الشرق الأوسط بأكمله.
يبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها عبر هذه السياسات، أم أنها تمهد لصراع أعمق قد ينقلب عليها في النهاية؟
التاريخ وحده سيكشف الإجابة، لكن المؤشرات الحالية تنذر بأن المنطقة مقبلة على مرحلة من التعقيد والتوتر غير المسبوق.
اقرأ كذلك: أوروبا على صفيح ساخن: صراع سياسي يهدد الديمقراطية ويعيد تشكيل التحالفات