مدونات

تأثيرات ما بعد شاليط: تحول في رؤية إسرائيل نحو الأفراد في ظل حرب غزة

بعد أحداث شاليط، شهدت غزة حربًا مأساوية كشاهد على استمرار التوترات في المنطقة. هذه الأحداث لم تكن مجرد نقطة تحول في الصراع، بل كان لها تأثير كبير على نظرة إسرائيل إلى الفرد الفلسطيني. بدأت إسرائيل تتأمل بجدية في التحديات الإنسانية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد في ظل هذا الصراع المستمر، مما يشير إلى تغير ملموس في الطريقة التي يُنظر بها إلى الفرد في هذا السياق الصعب.

في إطار التحولات الاستراتيجية النابعة من الحرب الحالية على غزة، يظهر أمرٌ بارز. وهو انحراف الحكومة الإسرائيلية عن التزامها السابق بحماية الفرد أو المواطن اليهودي. تكمن هذه التغييرات في تحويل اهتمام الحكومة نحو تعزيز الأمان الشخصي للمواطن من خلال بناء جدار أمني. يُسلط الضوء على متانته وفعاليته باعتباره جزءًا من الجيش الإسرائيلي. يُظهر الجيش تبنيًا لفلسفة قتالية تتضمن الانخراط في الصراعات خارج الحدود واعتماد مبادرات هجومية. يكمل هذا التحول في الرؤية من خلال تركيز الحكومة على جهاز الاستخبارات “الموساد” والأمان الداخلي “الشين بيت”. في المقابل، يظهر أن توفير الأمان للأفراد لم يعد أمرًا رئيسيًا. حيث يُشجع على تحمل المواطن اليهودي مسؤولياته الخاصة في التعامل مع “الأغيار”. سواء داخل الحدود أو في المنطقة الإقليمية العربية.

حرصٌ إسرائيلي على حياة الجندي: تجنب الموت المجاني

تُظهر نظرية الحماية الفردية ضمن النظريات العسكرية وفي سياق خوض الحروب أهميتها في الحفاظ على حياة الفرد المقاتل. وتصبح هذه الفلسفة جزءًا أساسيًا في الإيمان القتالي للجيوش الحديثة. ومع ذلك، يتجلى هذا الاهتمام بشكل أعمق وأصرم في استراتيجية الجيش الإسرائيلي. حيث يُجهز الجندي بكل الوسائل – تسليحًا، مؤنًا، تدريبًا، وخطط معارك – ليواجه الموت السهل والرخيص والمجاني.

عاش الجندي الإسرائيلي فترة طويلة معتقدًا أن الدولة لن تتخلى عنه. حيث يُضمن له العلاج الأمثل إذا أصيب في المعركة للحفاظ على حياته وسلامة جسده. حتى في حالة الأسر. يظل الجندي محل اهتمام الدولة. حيث لا تدخر جهدًا لاستعادته، سواء بالمفاوضات الشاقة أو حتى خلال المواجهات العسكرية كما حدث في حرب 2006 أو مع قضية الجندي شاليط الذي تم اسره من قبل حركة حماس.

حتى بعد وفاة الجندي ودفنه في مكان بعيد، تظل رفاته تشغل اهتمام الحكومة حتى يُعاد إلى أرض الوطن. وحتى في حالة الوفاة في ساحة المعركة، تضمن الدولة توفير معاش مناسب لأهل الجندي. لضمان حياة كريمة لهم. يُظهر هذا الالتزام كيف قامت الاستخبارات الإسرائيلية بجهود استثنائية لاستعادة رفات الطيار أرون أراد، وكيف استبدلت إسرائيل جنديًا واحدًا بألف أسير فلسطيني في 2011. مؤكدة تفانيها في حفظ حقوق وكرامة جنودها حتى بعد رحيلهم.

التحديات في مستوطنة محدودة: البحث عن التوازن في إسرائيل

تواجه إسرائيل تحديات كبيرة ناتجة عن محدودية مخزنها البشري، ويُفسر هذا التحدي بناءً على أربعة أسباب أساسية:

  1.  ضيق المخزن البشري: إعلان إسرائيل نفسها دولة لليهود يعني أن هؤلاء يشكلون قلة في العالم. وبسبب ضعف معدلات الإنجاب وعدم اعتماد اليهود على فكرة التبشير بدينهم، يكون لديهم فرص محدودة لتعويض الفرد. تحول الحفاظ على حياة الأفراد في هذا السياق إلى مهمة دينية وسياسية وتاريخية.
  2. صناعة الدولة الجاذبة: تسعى إسرائيل إلى الترويج لنفسها كالدولة الواقية لليهود حيث يجدون وطنهم الآمن. سواء كانوا يعيشون في الخارج أو داخل إسرائيل. يتميز هذا النهج بإشاعة فكرة أن إسرائيل توفر حماية فعّالة للأفراد.
  3. صناعة الحكومة النافذة: تعمل الحكومة الإسرائيلية بجد على تعزيز شرعيتها وشعبيتها من خلال تحقيق إنجازات مادية للمواطنين، مع التركيز على حماية الفرد من خلال توفير احتياجاته الأساسية والخدمات الضرورية.
  4. الحفاظ على التماسك الاجتماعي: يُشترك المواطنون اليهود في إسرائيل في اعتقاد مشترك يقول إن الدولة تلتزم بحماية كل فرد. مما يعكس عقدًا غير مكتوب يتجسد في مختلف جوانب الحياة اليومية والمؤسسات الرسمية والخطاب السياسي والتعليم.

كشف الأقنعة: الإسرائيليون يرون تحولات جذرية في سياستهم الأمنية

في أعقاب “طوفان الأقصى” الذي انطلق في أكتوبر 2023، بدأت تظهر تحولات جذرية في الرؤية الأمنية الإسرائيلية. مكشوفة بشكل صادم للمواطنين والعالم. كان هذا التحول واضحًا ليس فقط بين الإسرائيليين بل أيضًا في تصرفات المقاومة الفلسطينية التي استفادت من هذا التغيير في التكتيك الإسرائيلي.

في السابق، كانت فكرة “الدولة الحامية” تُعتبر مقدسة في الإسرائيل الحديثة، لكن خلال الأحداث الأخيرة. أصبحت واضحة فشلها وضعفها. كشفت العمليات العسكرية والتحليقات الاستخبارية عن جهاز دفاع لا يتناسب مع التحديات الحديثة، وتحطم صورة الدولة الحامية.

تجلى ذلك بوضوح في النقاش الحاد داخل إسرائيل حول تطبيق “برتوكول هانيبال”. حيث أظهرت بعض الآراء استعدادًا للتضحية حتى بالأسرى من أجل تجنب التفاوض. هذا النقاش أشعل الجدل حول كيفية التعامل مع المقاومة الفلسطينية. مع دعوات إلى ضربة قاصمة حتى لو كان ذلك يعني تضحية الأسرى.

في مواجهة هذا التحول، استمرت المقاومة الفلسطينية في استخدام تكتيكاتها بشكل ذكي. مستفيدة من تشويش الإسرائيليين وعدم اتخاذهم لإجراءات حاسمة. هذا الإهمال لتحذيرات المقاومة حول تهديد حياة الأسرى يظهر وضوحًا كيف يعاني النظام الإسرائيلي من انكشاف سياسته الأمنية وعجزه عن التصدي للتحديات الجديدة.

هزة الثقة: تحولات إسرائيل تهتز بعقيدتها

في أعقاب الأحداث الأخيرة، يظهر تأثير عميق على عقيدة الدولة الإسرائيلية وثقة مواطنيها فيها. موقف إسرائيل الجديد بات يفكك العديد من المفاهيم، بدءًا من استخدام الأسرى في المساومات إلى عدم توقع الهجوم البري. مما يؤثر بشكل كبير على نظرة الأفراد نحو الدولة الحامية.

هذا التحول ليس فقط خسارة فورية بل يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى. قد يؤدي إلى هجرة بعض اليهود من إسرائيل ويثير تردد بعض اليهود في الالتحاق بها. تهتز الثقة في التزام الدولة بالقواعد التي بنيت عليها، والتي كانت أحد أسباب انتماء المواطنين وتشجيعهم على الدفاع عنها.

هذا المشهد يجعل الحرب الحالية ليست مجرد صراع عسكري، بل نقطة فاصلة في تغيير الدعاية للدولة الإسرائيلية. الأحداث الراهنة تفتح فرصًا لإعادة تعريف صورة إسرائيل في المستقبل. خاصةً إذا استمرت حالات استهانة الفرد. وهي تشكل إضافة إيجابية لاستراتيجيات المقاومة الفلسطينية في صراعها الطويل ضد إسرائيل.

اقرأ أيضاً : تطوّرات حديثة في قضية المهندس الفلسطيني في تركيا، مع احتجاز “عناصر” يشتبه بانتمائهم لجهاز الموساد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات